قد كان عملاً سديداً وموفقاً أن احتفل الناس في السودان في بحر هذا العام والعام السابق 2016م، بمئوية استشهاد السلطان علي دينار، فمثل ذلك الصنيع يعكس بكل تأكيد اهتمام السلطات الرسمية والمجتمع على حد سواء، برموز تاريخنا الوطني، والأحداث البارزة والمهمة والجديرة بالاحتفاء فيه، بهدف تعزيز اللحمة الوطنية، وربط ممسكات وحدة الوجدان والتوجه والهدف والمصير المشترك للأمة السودانية، برباط واحد جامع ومتين. لقد أسهم كل واحد من المعنيين والشركاء في الاحتفاء بمئوية استشهاد السلطان علي دينار بما عنّ له كل في مجال اختصاصه بطبيعة الحال، فكان مما نود التنويه به والإشارة إليه في هذا المقام، في إطار الإسهام العلمي والأكاديمي في هذا الخصوص، سلسلة مقالات باذخة نشرها البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك بموقع صحيفة سودانايل الالكترونية المحترمة، وربما يكون قد نشرها ببعض الصحف المحلية أيضا تحت عنوان: مئوية استشهاد السلطان علي دينار ت 1916م : الأسباب والمآلات. على أنه ليس من المُستغرب أو النادر أن يحتفي السودانيون بصفة عامة بمثل هذه الذكريات واليوابيل، ففي العام 1962م – على سبيل المثال - احتفت جماعة الأدب المتجدد بمرور خمسة وعشرين عاما على وفاة الشاعر العبقري التجاني يوسف بشير، وفي عام 1971 احتُفل باليوبيل الفضي لمدرسة حنتوب الثانوية، ثم تلاه الاحتفال باليوبيل الفضي لمدرسة خورطقت الثانوية في عام 1975م، بينما احتفلت جامعة الخرطوم بيوبيلها الفضي في العام 1981م على عهد مديرها آنئذِ، الراحل البروفيسور عمر بليل . وبهذه المناسبة، فقد خطر لي أيضاً أن هنالك بضع وقائع وأحداث مهمة في تاريخنا الوطني، قد حلّ بالفعل، أو اقترب جدا تاريخ ذكراها المئوية، وهذا لمجرد تذكير من أراد الذكرى أو ألقى السمع وهو شهيد، أفراداً وسلطاتٍ ومؤسسات، فإن الذكرى تنفع الجميع. فمن ذلك على سبيل المثال، المئوية الثانية للغزو التركي المصري 1820- 1885م، أو ما درج السودانيون على تسميتها بالتركية السابقة التي ستحل في عام 2020 أي بعد أقل من ثلاثة أعوام فقط من الآن، وهي فترة ليست بالطويلة جداً للتحضير لاحتفال لائق بمثل هذه المناسبة، التي ربما اعترض معترض بأنها لا تستحق التذكر والاحتفاء، فنقول له: فليكن الاحتفاء بتذكر صمود أجدادنا وتصديهم للغزو في معركتي كورتي وبارا على التوالي. ولنتذكر ما صنعت مهيرة بت عبود في الأولى، وما صنع إبراهيم ود دير في الثانية. وفي ذات السياق أيضا، سوف تحل المئوية الثانية لتأسيس مدينة الخرطوم الحديثة، واتخاذها عاصمة للبلاد بحلول عام 2025، أي بعد نحو ثمانية أعوام من الآن. ذلك بأن انتقال الخرطوم من قرية صغيرة كان يسكنها الشيخ أرباب العقائد وأسرته وتلاميذه منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي، إلى مدينة كبيرة واتخاذها عاصمة للبلاد بدلا عن سنار وود مدني على التوالي، إنما تم على يد الحكمدار عثمان بك شركس في عام 1825م، وهي بالتالي مناسبة جديرة بالوقوف والتأمل عندها فيما نعتقد. وبعد عامين من الآن، أي في عام 2019م، تحل علينا كذلك، المئوية الثانية بالتاريخ الميلادي لميلاد السيد محمد الحسن بن السيد محمد عثمان المرغني الختم، الذي ولد على أرجح الأقوال ببارا في عام 1819م، بينما أن المئوية الثانية لقدوم والده الختم نفسه إلى السودان، قد حلت بالفعل إما في هذا العام 2017، أو العام السابق له 2016م، ولم نر جهة شعبية أو رسمية قد ابدت أي اهتمام من أي نوع بهتين المئويتين حتى الآن. وفي ذات السياق بوسعنا أن نشير أيضاً، إلى أن خمسينية رحيل السيد علي الميرغني ستحل في العام القادم 2018 على اعتبار أنه قد توفي في العام 1968م، بينما أن ستينية الإمام عبد الرحمن المهدي ستحل في العام 2019، أي بعد أقل من عامين من الآن، ذلك بأنه كان قد انتقل إلى جوار ربه في العام 1959م. أما نادي الخريجين ، شيخ الأندية السودانية، بكل ما يمثله من رمزية ذات مكانة وتأثير بارز في مسيرة تاريخنا الوطني، والذي تأسس في العام 1918م، فإن المئوية الأولى لتأسيسه سوف تحل في العام القادم 2018م، فماذا نحن فاعلون، أيها السموءل خلف الله !!؟. ثم ماذا أعد المختصون والمهتمون في إطار التحضير للاحتفال بمرور الذكرى المئوية الأولى لصدور أول صحيفة سودانية من داخل السودان، ألا وهي صحيفة: حضارة السودان لصاحبها حسين شريف بحلول العام 2019م، أي بعد عامين من الآن ؟.. وذلك باعتبار أن تلك الصحيفة الرائدة قد صدرت لأول مرة في عام 1919م. وأخيراً، لم يتبق من مرور الذكرى المئوية الأولى لاندلاع ثورة 1924 المجيدة، أولى الثورات السياسية الحديثة في تاريخ السودان المعاصر، إلاّ نحو سبع سنوات من أجل التحضير على نحو لائق للاحتفال بذكرى المئوية الأولى لتلك الثورة بحلول عام 2024م، والتي مثلت معلما مهما من معالم تطورت حياتنا السياسة والاجتماعية. +++++