بعد أن لاحقه الفشل المتكرر في إدارة حزبه في مواجهة النظام بحكم شخصيته المتردده التي لا تستطيع أن تمضي بأي رؤى سياسية إلى آخرها، ظل الصادق المهدي يتخبط في العمل السياسي العام، مرة بتمجيده للعمل المسلح ومحاولة الاستقواء به لتحقيق اهدافه مع النظام، ومرة بشتم المعارضة والتقليل من مكانتها ووصفها بالعاجزة، ومرة مساندة النظام الفاسد ووصف الدكتاتور البشير بالقائد الوطني، بل وصل إلى أبعد من ذلك عندما كرمه قائد الانقلاب الذي انقض على سلطة ديمقراطية كان على رأسها الصادق المهدي، فتم منحه وسام الوطنية من الرجل الذي انقلب عليه!! الصادق الذي كان يحرض على انتفاضة سبتمبر ويصفها بالتخريبة! حتى أخذته العزة بالاثم عندما صرح وقال إنهم ضد اسقاط النظام، بل اسقاط النظام يعني الفوضى!! كل ذلك اجتمع في شخصية واحدة أدمنت التردد والفشل طوال مسيرتها السياسية. الصادق (عنده غرض، والغرض مرض ... والما بتلحقو جدعو ..) لأن الأولى للصادق أن يقارن الانقاذ بمايو واتحادها الاشتراكي الذي ارتضى أن يكون عضواً في مكتبه السياسي، وقبل أن تجف دماء من دفع بهم إلى محرقة عملية الجبهة الوطنية في يونيو 76، أو يقارنها بدعوته للحزب الغالب، أو دعوته وحلفائه الاستراتيجيين للجمهورية الإسلامية، أو بأي من تجارب أوربا الشرقية، أو..... لقد وصل البعث للسلطة في العراق في يوليو 1968 ونسبة الأمية تتجاوز 70% فحوله في غضون سنوات إلى جيش من العلماء، بعد أن حارب الأمية، وجعل التعليم مجاني والزامي حتى المرحلة الثانوية، ومجاني لما بعد الدراسة الجامعية، ماذا قدمت الحكومات التي ترأسها، وصالحها الصادق في هذا المضمار، على الأقل في مناطق النفوذ التقليدي لطائفته؟ بل لماذا لم يقدم على ذلك؟ ما وجه المقارنة بإنجازات البعث في هذا المضمار والتدمير الممنهج والخصخصة له التي اقترفتها الإنقاذ، وما تزال ونجله يتربع على مقعد وثير في مؤسسة الرئاسة؟ اهتم البعث بوقف الحرب في شمال العراق، وأصدر قراراً حاسماً وشجاعاً للحل السلمي لقضية إقليم كردستان، تمتع بموجبه الأكراد بالحكم الذاتي الإقليمي، في إطار وحدة وسيادة العراق وبضمان الحقوق القومية والثقافية، ،والذي أمن اللغة الكردية هي اللغة الأولى في منطقة الحكم الذاتي، والثانية على صعيد العراق وكفل قيام مجلس تشريعي لمنطقة الحكم الذاتي، ومشاركة ممثليها في المجلس الوطني لكل العراق. البعث أحدث تنمية انفجارية متوازنة وشاملة، تميزت بعدم ارتباطها لا بالفساد ولا المحسوبية، ولا بظهور طبقة من النفعيين والسماسرة، أو وكلاء لرأسمال اجنبي، وبالحفاظ على قيم الشعب وتماسكه الوطني، وبنى جيشاً وطنياً حديثاً، أكد حقيقة إن العراق جمجمة العرب والمسلمين.. دكتور /معتصم الزاكي دونتاي ما هو وجه الشبه بما صنعته الانقاذ في القوات المسلحة، ومقومات الاقتصاد الوطني السابقة لمجئها المشوم وما انجزه البعث في العراق؟ البعث وتجربة حكمه الوطني جعلت ميزان القوى لأول مرة في التاريخ الحديث لمصلحة العرب، وقضية فلسطين التي دعمها وظل رافضاً للتسوية والتطبيع، وهدد الوجود المصطنع للصهيونية ونظرية أمنه، حينما قصفه بالصواريخ، متمسكاً مع شعبها حرة عربية من البحر الي النهر، بينما الصادق يصافح في المحتلين الصهاينة ويرسل أبنائه في السر والعلن، وينادي بحل الدولتين وحق (اسرائيل) في العيش بتطابق مع موقف الإخوان المتأسلمين ونظامهم، كامتداد لموقف عمه منذ أن أنشأ الإنجليز حزبه ليكون ترياقا ضد لوطنية السودانية. حزب البعث يؤمن ويناضل من اجل الاشتراكية، وأحدث تحول اشتراكي مشهود وملموس في العراق، لعب فيه القطاع الخاص الوطني دورا في كل مراحله جنباً إلى جنب القطاعات الأخرى، بتوازن وتكامل، وظل مع شعب السودان وقواه الوطنية يناضل بثبات من أجل اسقاط دكتاتورية الرأسمالية الطفيلية لمدخل لتصفية ركائزها بينما الصادق يعتبرها حليف استراتيجي. البعث حافظ علي العراق ناهضاً مزدهراً موحدا ومستقلا ولم يسقطه انقلاب أو انتفاضة شعبية، وفي السودان رفض الاستخدام المشبوه والمفتعل لتقرير المصير واعتبره حل زائف ومفتعل لقضية لا تنسجم ومبررات وتجارب تطبيقاته، إضافة إلى أنه يضع الأساس المادي للانفصال، فيما تبناه الصادق ودافع عنه وعجز هو والنظام الذي ظل يهادنه ويحاوره ويدفع بأبنائه لتبؤ المواقع السلطوية فيه. عجز عن تحقيق ما أنجزه البعث في شمال العراق. البعث لم يفرط في الحكم الوطني بينما سلم الصادق المهدي وحزبه العسكر الانقلابيين مقاليد البلاد، لثلاث مرات بتسليم وتسلم، أو بافراغ الديمقراطية من محتواها الاجتماعي التحرري، أو بالتواطؤ، وحينما شنت إيران حربها التوسعية وعدوانها على العراق، لثمان سنوات، اختار هو (والكيزان) دون سائر شعب السودان وقواه الوطنية الوقوف إلى جانب إيران المعتدية التوسعية، مما استفز هذا الموقف الراحل الشريف حسين الهندي ليقول مقولته التي سارت بها الركبان (نحن مع العراق قاتلون ومقتولون.. شهداءنا في الجنة.. وقتلاهم في النار ..) هذا قيض من فيض.. لا يمكن القول إن الصادق المهدي لم يضطلع على برنامج البعث، أو لم يسمع بما ذكر وغيره، ولكنه يعلم علم اليقين إن الاقتراب من البعث أو انصافه له ثمن... وأن نقده بدعاية الاجتثاث وشيطنته والتطاول والتجني، له ثمن أيضاً... وشتان ما بين ثمن وثمن .... ولله في خلقه شئون. دكتور /معتصم الزاكي دونتاي