أصداء "دغمسة" الإسهالات المائية تجتهد الحكومة عبر وزارة الصحة وولاة الولايات في نفي الثابت عياناً للجميع، وتصدر تصريحاتها هذه الأيام بانتهاء وباء الاسهالات المائية الذي عم البلاد بجهاتها الأربع، لكن الواقع يلقم تصريحاتهم أحجاراً، ويؤكد أن الوباء لا يزال منتشراً في عدد من الولايات. انفجار وباء الإسهالات المائية وصل حتى أقصى الولاية الشمالية ما يؤكد أن هناك أسباباً لانتشاره غير ما تروج له الحكومة من تلوث المياه، فبعد أيام من تنامي حالات الإصابة في النيل الأبيض وصلت حالات الانتشار الى عدد كبير من الولايات بما فيها ولاية الخرطوم. وعندما كان وزير الصحة بولاية الخرطوم يجتهد للتقليل من الحالات كانت مراكز العزل في مستشفيات السلاح الطبي والبان جديد وبحري وغيرها تنوء أسرَّتُها بحمل مريضين لكلٍ لكثرة المصابين، وكانت منطقة العزبة بمحلية بحري تطلق الاستغاثة تلو الأخرى. وعندما خرج والي النيل الأبيض ليقول إن ولايته خالية من الإسهالات وإن ما يثار عنها (كلام واتساب) كان يغالط الواقع لأنه اضطر بعد يومين لإعلان حالات الإصابة بعد أن اتسع الفتق على الراتق في مناطق "أم جر" و"الكنوز". كل مسؤولي الصحة تعاملوا مع الوباء بطريقة (الشينة منكورة) وحاولوا التملص من مسؤولياتهم تجاه وباء انتشر وحصد من الأرواح ما حصد ولا يزال تأثيره ماضياً، فقد حاول وزير الصحة التستر على الوباء ومن ثم حاول التقليل منه عندما انتشرت أخباره لكن يحمد له أنه أعلن مؤخراً معلومات موثقة عن حالات الإصابة والموت. محزن جداً إن يموت إنسان بمرض سهل العلاج، ولكن في بلادنا لا نستبين أمورنا إلا بعد أن "يقع الفاس في الرأس" إذ أن وزارة الصحة لا ترسل الدواء والكوادر المؤهلة إلا بعد سماعها بانتشار المرض وبعد "خراب سوبا". آفتنا الحقيقية هي "الدغمسة" وعدم الشفافية التي تتعامل بها الحكومة في كل شأن يتعلق بالمواطن وكأنها لم تسمع بمأثور حكمة الشيخ فرح ود تكتوك "إن ما مرقك الصح الكضب ما بيمرقك". لا تزال طيبة الأحامدة تستغيث ولا تزال أبو زبد موبوءة وبالأمس انتقل المرض للدلنج وبعض مراكز العزل بالنيل الأبيض لا تزال تستقبل المصابين ومعسكر كريو لا يزال يحصد فيه الإسهال الأرواح وفي معسكر كلمة تتواصل الإصابة وغيرها من الولايات تعاني، فكيف تعلن الحكومة انتهاء وباء الإسهالات إن كانت تحترم عقول شعبها. متى تفهم حكومة المؤتمر الوطني أن أولويات شعبها أصبحت بعيدة تماماً عن أولويات أعضاء حزبها، فكل ما يتمناه الشعب وجبة نظيفة تقيم أوده مع الحد الأدنى من خدمات الصحة والمياه والتعليم ولا يدور في خلده أبداً السعي خلف المناصب وامتطاء الفارهات وسكون القصور كما يفعل منسوبو المؤتمر الوطني. المدهش جدًا أن هذه المحنة التي مر بها الشعب أكدت له أن وزير الصحة الذي حمل السلاح من أجل قضايا المهمشين كما كان يقول تماهى تماماً مع سياسات المؤتمر الوطني و"اندغم" في الحكومة بكلياته ليؤكد أن ما حمل السلاح من أجله لم تكن إلا شعارات امتاطها ليصل إلى منصب مرموق. محجوب عثمان الصيحة