للراحل الفنان الكردفاني إبراهيم موسى أبا أغنية يقول فيها: ما دوامة الله هوى الدنيا ما دوامة الدنيا ما بتنقدري، الله، شالت سجيلي القدري شالت سجيلي القدري وفي المنام دموعي بلن سدري طيري يا بلومة ودي السلام في يوما ودي السلام في يوما للخيزران مريومة بركب الكركابة الله هوي وبدلّى في ام روابة ( شنو كدا ما عارف ) طاعن دابا جنني وجنن العذابة انطوكي للنجاري بالخشب وراكي انطوكي للحدادي بالحديد وراكي انطوكي للحمّاري لملم حطيبو وجاكي انطوكي للجمالي لملم قرافو وجاكي انطوكي للطنباري سرّح قجيجتو وجاكي .. إنها الدنيا، فعلا ما دوامة، فبعد ركوب الكركابة وهي العربة الكركعوبة المتهالكة من النوع الذي كان يُدار محركها بآلة ( المنفلة ) التي حلّ محلها الآن ما يعرف ب ( السويتش )، ويعتبر التلفون ( أبو منفلة ) من مجايلي تلك الموديلات من العربات القديمة، ومن أشهرها ( الكومر ) الذي ارتبط بالبوليس، ومنها أيضا السفنجة والتيمس أبيض ضميرك وأبو رجيلة وهلمجرا من عربات سادت ثم بادت وأضحت مجرد ذكرى، بعد أن اصبحت خردة يقول عنها الساخرون ( عربيتك الكركوبة الحاضرة عرس حبوبة )، أطل علينا الآن زمان قد يضطرك لركوب الدرداقة، بل هذا ما حدث فعلا وصارت الدرداقة من وسائل المواصلات والنقل .. قبل نحو أربع سنوات تداول عدد من مواقع التواصل الاجتماعي مأساة مريضة تمكن منها المرض حتى لم تعد تقوى على السير برجليها، أحضرها ذووها إلى المستشفى وهي محمولة على درداقة مثلها مثل أي سلع أو مواد أصبح من المعتاد أن تراها محملة على الدرداقات التي سدت مسد الحمالين والشيالين والعتالة، كانت تلك المسكينة مكومة داخل الدرداقة وشيخ كبير يمسك بالمقبضين يدفع بالدرداقة للأمام لإدخالها العنبر .. وبالأمس ومع الاثار الكارثية لمطرة الخميس تداولت الصحف والمواقع صورة لشخص استقل درداقة لعبور برك المياه الآسنة التي غطت مواقف المواصلات ، انها قمة التراجيكوميديا أن ترى مشاهدَ كهذى، فحين تراها لأول وهلة وأنت خالي ذهن قد تحسبها تقليعة شاذة أو تظنها مشهداً في تمثيلية كوميدية، ولكن عندما تقف على حقيقتها تظلم الدنيا في عينيك لهول ما رأيت من بؤس وتعاسة وبهدلة ودردرة بلغها البني آدم حتى بلغ به الحال أن لا يجد نقالة يُحمل عليها المريض العاجز عن الحركة والمشي إلا هذه الدرداقة وكأنه بقجة أو شوال أو سقط متاع من النوع الذي تدلقه الدرداقات في مقالب القمامة .. وقبل نحو ثلاث سنوات كانت المواقع قد تداولت صورة لفردتي (سفنجة) مصنوعتين من قارورتي مياه فارغتين، أطلق عليها الساخرون مسمى ( سفنجة أم باغة ) وهذا إبداع شعبي جديد يضاف إلى الإبداعات الشعبية السابقة في مجال ابتكار وصناعة أحذية الفقراء المحلية الشعبية، من أمثال الشقيانة أو تموت تخلي، وحاجة كافرة وأم جنق التي يقول عنها عارفوها ( سيدها لابسها والكلب حارسها )، وغيرها من أحذية ومراكيب، تفتقت عنها إبداعات هذا الشعب لمقاومة الفقر حتى لا يسيروا حفايا من جهة، ولمكافحة قسوة الطبيعة من جهة أخرى. وكذا فعل مكتشف أم باغة الذي تفتقت عبقريته عن حذاء يتناسب مع واقع الحال على أرض الخرطوم التي يصعب السير عليها بالأحذية العادية بعد كل مطرة، فهداه تفكيره إلى صناعة هذه السفنجة الكاسحة للوحل والخبوب والطين الذي تتطين به شوارع الخرطوم كل خريف .. الصحافة