تقرير : عبدالوهاب جمعة: عندما انحنى رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت على نحو مفاجئ ومؤثر أمام العلم السوداني لدى تفقده امس الاول حرس الشرف ، ما اضطر الرئيس عمر البشير لانتظاره ومواصلة المراسم، في ثاني زيارة لسلفاكير إلى السودان بعد انفصال الجنوب في يوليو 2011م. وبحسب البروتوكول فإن البشير قاد سلفاكير إلى البساط الأحمر لتفقد حرس الشرف بلباسهم المميز، وكان الرئيس الجنوبي هو الأقرب إلى صف الحراس، وعند وصوله الى قائد الصف الذي كان يحمل العلم، سارع الى الانحناء باحترام جم للعلم الذي عمل تحته خدمته عقوداً قبل انفصال جنوب السودان. ويبدو أن سلفاكير رمى الى إيصال الكثير من المعاني ، التي يمكن أن تذيب جليد العلاقات بين الخرطوموجوبا، التي شهدت توترا وصل أحياناً الى درجة الاحتراب بين البلدين الجارين، وهو ما قد يشكل مدخلاً عاطفياً ينجح مباحثاته مع الجانب السوداني حول الكثير من الملفات العالقة والشائكة على رأسها انسياب نفط الجنوب عبر الأراضي السودانية، وترسيم الحدود، واتهامات دعم المتمردين بكلا البلدين. كثيرة هى المبادرات الصغيرة التي ابداها رؤساء دول وساهمت في دفع العلاقات بين الدول قدما ، وقد سبق سلفاكير في الانحناءة للعلم الرئيس الامريكي باراك اوباما عندما انحنى أوباما أمام العلم الفلسطيني خلال استعراض حرس الشرف في شهر مارس المنصرم وهو ما اعتبر خطوة لافتة، عندها استمع الرئيس الأمريكي إلى نشيد السلام الوطني الفلسطيني فور وصوله إلى رام الله بالضفة الغربية المحتلة وتعتبر تلك أول مرة يستمع فيها رئيس أمريكي إلى النشيد الفلسطيني. وليس سلفاكير وحده من حاول ايصال رسالة اطمئنان للجانب السوداني عند زيارته للخرطوم فقد صحب معه وفدا كبيرا من السياسيين والدبلوماسيين ورجال الاعمال ، كانت الرسالة واضحة «ان عوامل التكامل اكبر من الصراع والخلاف» .. وعزف رئيس الغرف التجارية بدولة الجنوب بنجامين بول على ذات المعزوفة عندما قال «للصحافة» ان جنوب السودان يعتزم استخدام ميناء بورتسودان لاستيراد وتصدير البضائع ورأى ان اللغة العربية وتقاسم العادات والتقاليد بين الشعبين تعتبر عوامل مساعدة لانعاش التجارة مشيرا لوشائج القربى التي تجمع بين البلدين وقال ان السودان بإمكانه توفير سلع عديدة لشعب جنوب السودان. بينما مضى السفير بوزارة خارجية الجنوب اكوت بونا ملوال الى ابعد من ذلك عندما عبر عن مشاعر جياشة تجتاح وجدانه عندما وصل الى الخرطوم وقال انه شعور طبيعي ان يحن المرء الى الشمال او تأخذه المشاعر نحو الوحدة مشيرا الى انه ومعظم الجنوبيين عاشوا وترعرعوا في الشمال، ولم ينس الدبلوماسي ذو الطباع الهادئة ان يذكر في حديثه للزميلة فاطمة رابح ان كلمات والحان الاغاني السودانية لازالت تصدح في نفسه رغم ابتعاده عن السودان واختيار خيار الانفصال وقال ان تلك الاغنيات من الاشياء المحببة التي تطرب لها نفسه، ورغم اعتراف الدبلوماسي بان السودان كان يحمل ثقافتين في بلد واحد ورغم الانفصال فان نفسه تهفو الى ثقافة اهل الشمال وتذكرها. ولم ينس الدبلوماسي الجنوبي ان يؤكد ان ما يربطهم بالسودان كثير، في اشارة الى دلالات الشمال الذي يعلي من وشائج القربى مع الغرباء عند تناول طعام واحد يقول ما بيننا هو «ملاح الويكة والكسرة». ويعزز الدبلوماسي ملوال من الروابط المتعددة بين البلدين ويقول ان اللغة العربية لازالت منتشرة بدرجة كبيرة في اوساط الجنوبيين الذين عاشوا في الشمال للدرجة التي تضطر فيها حكومة الجنوب الى تقديم كورسات لتدريس اللغة الانجليزية ليواكب هؤلاء الطلاب متطلبات الوظائف في الدولة التي يتم التعامل فيها باللغة الانجليزية ويرى السفير انه بالرغم من انفصال الجنوب وتكوين الدولة الجديدة الا ان معظم الجنوبيين لايزالون يطلبون خدمة العلاج في الشمال يؤكد الدبلوماسي ملوال ان الفواصل بين البلدين سياسية وليست شعبية ويدلل على ذلك بالقول ان مواطني الدولتين متشابهون الى حد كبير يصل الى نسبة 80% مضيفا «حتى علمي البلدين متشابهين» وقطع السفير بان دولة الجنوب لن ترمي الشمال وراءها داعيا لفتح صفحة جديدة. اذن ماهى تلك الرسائل التي اراد سلفاكير ايصالها للسودانيين عندما انحنى للعلم السوداني؟ يرى السفير بوزارة الخارجية والذي شغل منصب سفير السودان بلندن حسن عابدين ان انحناءة سلفا للعلم السوداني رسالة سياسية بليغة مشيرا الى ان تلك اللفتة تدعو للتفاؤل حول مستقبل العلاقات بين البلدين وتطبيع العلاقات وعدم العودة مرة اخرى لاجواء الصراع ويعتقد سفير السودان المخضرم بلندن ان انحناءة سلفا تعبر عن حسن نية، ويشير عابدين الى انه من المهم حاليا استثمار مساعي التطبيع وعودة العلاقات الى وضعها الطبيعي لافتا الى ضرورة التزام الطرف الجنوبي بتصفية الحركات المتمردة المناوئة للخرطوم، ويضع عابدين وصفة نجاح للعلاقة بين البلدين قوامها «الاستثمار في التطبيع» ويؤكد ان الرئيس البشير اشار الى تنفيذ الاتفاقيات التجارية بين البلدين واستمرار ضخ النفط، و يدعو عابدين الى عدم رهن العلاقات بقضية ابيي مشيرا الى ان ذلك يمكن من توفير مناخ ايجابي لحل مشكلة ابيي، ويبدي سفير السودان السابق بلندن تفاؤله بمخرجات القمة بين الرئيسين وعودة العلاقات بين الجانبين. ويذهب السفير السابق بوزارة الخارجية عطا الله حمد بشير في ذات الاتجاه، ويقول ان انحناءة سلفاكير امام العلم تعبر عن احترامه الشديد لسيادة السودان واعتبر ان العلم يرمز لكل السودان وترابه واعتبر ان تلك اللفتة ستنعكس ايجابيا على العلاقات بين البلدين، ويلفت السفير عطا الله الى ان وجدان الشعبين لازال يخفق رغم الخلافات السياسية ويشير الى تفاؤله بعودة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها. وتصرف سلفاكير الذي استغرق منه خمس ثواني سيظل يعلق بذهن الجميع مدى الحياة ، ترى هل كان سلفا يقصد بتلك الانحناءة ان يدلل على مضيفيه انه يحترم سيادة البلاد؟ يجيب المحلل السياسي عبدالله آدم خاطر بالقول: ان انحناءة سلفا تجسد احترامه للعلم السوداني ويعتبره «احتراما حقيقيا» ويشير المحلل السياسي خاطر الى ان المعنى الذي اراد ايصاله سلفا هو «ايها السودانيون انني احترم خصوصياتكم واستقلالكم وكدولتين نود ان نمضي في اتجاه المستقبل» ، ويؤكد خاطر ان الشعبين يمثلان ولا يزالان شعبا عريقا متصاهرا، مبينا ان الشعبين قدما نماذج ورؤى مشتركة من لدن مؤتمر جوبا في عام 1948 ومابعد الاستقلال الى ثورة اكتوبر التي اشعلتها القوى السياسية والتي كان مدخلها ازمة الجنوب، ويدعو المحلل السياسي الى مزيد من دعم اواصر العلاقة بين الاشقاء لتكوين قاعدة مشتركة لمساعدة الاقليم الافريقي والقارة باسرها.