دكتور ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم .. وهو الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بتصريحاته عبر القنوات الفضائية المحلية والخارجية متحدثاً حول أزمة ما بعد الأجراءات الاقتصادية وتداعياتها المفخخة.. ذهبتُ إليه بمنزله بحي الصافية وحاصرته بما يدور في الشارع العام من تذمرٍ لأجل الدماء التي سالت ولعدم احتواء الأزمة الاقتصادية لتتفاقم وتتمدد وتتكاثر فيها أزمات سياسية واجتماعية وأمنية.. سألناه عن العديد من الأخبار التي يطلقها نشطاء وساسة ومواطنون وأستفسرناه عن الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والمعارضة وجهات أخرى مجتمعية.. فأتت ردوده رمادية بعض الشيء ولكن تدريجياً ظهر اللون الحقيقي لقماشته الكلامية وخرجنا منه بهذه الحصيلة. لا بُدّ من لجان تحقيق عادلة وأن يطال القانون الجميع رفع الدعم يمكن التراجع عنه ..!! أؤيد عدم استخدام القوة المفرطة إلا عند الضرورة..!! من تظاهر سلمياً وقُتل فهو على حق حوار: عفراء فتح الرحمن نبدأ معك وفقاً لفقه الضرورة من موقفك كعضو بالقطاع السياسي بالمؤتمر الوطني كيف تنظر لتزايد إعداد الضحايا من الشهداء والجرحى خلال أيام فقط من الأحداث مع الصمت المطبق للقيادة؟ واضح جداً أن الموقف الآن على شقين الأول أمن المواطن وسلامته التي ينبغي ألا تمس مثلما ظهر في اليوم الأول عندما رفعت شعارات لقمة العيش فقط بعيداً عن المنحى السياسي لكن ينبغي أن يكون التظاهر غير مُضر بممتلكات المواطن ولا مقتنياته من السيارات والمنشآت وغير ذلك، الأمر الثاني هو الأمر السياسي المتمثل في الرأي والرأي الآخر، فإذا اتزنت هذه المعادلة فإن الوضع يسير في الاتجاه الصحيح بدايةً توفير الأمن والسلامة وختاماً قبول الرأي والرأي الآخر تماماً مثل الدول المتحضرة . * أتعتقد أن كلامك الفائت يمت للواقع بصلة أم هي محض تقديرات أكاديمية؟ - أنا ضد مسألة التعتيم هذه وما يحتمل الصواب لديك قد يكون خطأ لدى طرف آخر ،وكما تعلمين أن الوضع الآن معقد ولا نستطيع... * (مقاطعة).. إذا تجاوزت التعميم إلى وقائع فبإمكانك النزول إلى شمبات والسؤال عن موكب تشييع شهيد المرحلة الثانوية (هزّاع )الذي تعرض للحصار وسقط شهيداً أثناء موكب التشييع؟ - كما ذكرت إنه لا بُدّ أن يكون هنالك توازن .. دائماً هنالك مندسون ومخربون ولا بُدّ أن يكون لدى المتظاهرين القدرة على فرز هؤلاء الذين يقومون بالإضرار لأن الفتنة يجب اتقاؤها .. فهي لا تصيب المندسين فقط والمسألة ينبغي أن يكون فيها قدر مهول من الحكمة لأن المسألة بدأت بالتخريب والحرق ثم بعدها أتت بقية التداعيات . * بعض الجهات اتهمت مؤسسات بعينها في الحكومة بتكوين عدة عصابات (نقرز) لتعمل في الممتلكات تخريباً من أجل كسب تعاطف المواطن إلى جانبها وخمد جذوة التظاهرات؟ - المشاهد التي رأيناها لا تقول بذلك، بل تؤكد أن ما تم من إتلاف للممتلكات في (كنار) وفي (48) طلمبة أحرقت.. وبعد إجراء البحث والتحقيق قبضت الشرطة السودانية بالفعل على عصابات فيما يبدو أنها استغلت الوضع وكانت تحمل سواطير وسكاكين وأسلحة أخرى.. عموماً أقول أن المسألة تحتاج إلى أكثر من رأي متعلق بالاتجاه السياسي والاقتصادي والاجتماعي . * إصرارك على وصف أن المظاهرات هي تخريبية في المقام الأول مجافٍ للحقيقية.. فقد سقط شهداء طلاب ثانوي دون العشرين وسقط شباب ناجحون كقتل الصيدلاني صلاح سنهوري؟ - بالتاكيد.. بالتأكيد لا خلاف حول ما ذهبتِ إليه.. لكن يجب ان يكون هنالك فرز وتحقيق في مسألة استخدام القوة ، وفي الجانب الآخر يجب عدم استغلال التعبير من الذين يؤدون الإضرار.. فالسلطات مسؤولة كما المواطنين أنفسهم مسؤولون . * في إطار تبادل المسؤولية الذي تتحدث عنه هل طرق إدرة الأزمة من قبل الحكومة كانت موفقة برأيك في كثيرٍ من الأحيان ..هنالك تقديرات خاصة فإذا كانت هنالك ظروف تتسم بالخلط وأنت مسؤول عن أمن المواطن وتجد هنالك رأي سياسي وهنالك إجرام عندها ينبغي أن نتوقف جميعاً، ولكن إذا اختلطت الأمور فإن الحكم صعب للغاية في رأيك من الذي قذف أول عود ثقاب في هذه الأزمة؟ - لا أستطيع أن أحكم، فالمجتمع أصلاً مشاكله متداخلة، وهنالك أصحاب الأجندة وهنالك المختلفون سياسياً وهنالك . * (مقاطعة).. هنالك خطابات (الهوت دوق.. والبيتزا) أيضاً؟ * يعني أنا لا أعتقد أن هذه ليست من القضايا التي تشع الوضع، فعود الثقاب في منجم البارود لا يشتعل بكلمة أصلاً، الأمر الذي أود قوله إن القضية إذا كانت إشكالية اقتصادية فينبغي أن نحتكم إلى الاقتصاديين وهم من يستطيعون المعالجة والإدلاء بالرأي السديد، وإذا كانت حرية تعبير فالأخيرة مضمارها مفتوح . * ألا تعتقد أن خطابات السياسين معزولة عن الواقع وكأنهم يتحدثون عن شعب آخر وإفلاطونية لا وجود لها بما في ذلك حديثك السابق؟ - لا.. لا.. أنا مع القانون ووجوب التحقيق وكشف اللثام عن المجرمين الذين قاموا بالقتل وكذلك جرائم التخريب والنهب ولا بُدّ من محاسبة المخطئ .. وهذه المسائل لن تحسم إلا بسلسلة من التحقيقات .. فمن قتل نفساً كأنما قتل الناس َجميعاً . - أنت تتحدث وكأن التيار العام تيار تخريبي بينما المواطن أيضا ًيتساءل كيف لم تُفجر طلمبة وقود واحدة وكيف الحرق والتخريب تم بكل هذه الاحترافية؟ - يا أخت عفراء .. ليس من المنطق ولا الفطنة الحديث بهذه اللهجة المعممة في الوقت الراهن ، وما لدي من إحصائيات أنه أكثر من (48) طلمبة حرقت، والعديد من المحال التجارية نهبت . * وفقاً لإحصائياتك التي تتحدث عنها.. لماذا لم تنفجر ولا طلمبة واحدة" - والله طبعاً أنا لم أشاهد بعيني الذي حدث وكيف تم وإنما أنقل ما وصلني من جهات عدة عبر رصد ومتابعة .. فأنا لست محققاً وإنما راصد والحقائق تحتاج لوقت نبحث عن الحقيقة ولا بُد أن يطال القانون الجميع. * البعض يعزي ظهور الأزمة إلى الخطابات الرسمية المتسمة بالمن واستمرار الأزمة أيّ عدم التدخل الإيجابي لحقن الدماء؟ - في الحياة حكمتي الدائمة أنه لا توجد جهة واحدة تمتلك الحقيقة كاملة .. فأنا لا أدّعي أني على صواب والجادة وإنتي كذلك ، أرجو ألا تتحدثين وكأن الحق الناصع محلو إنتي فقط ، فمثل هذا الحديث الذي تتكئين عليه المفترض أن يكون وليد استقراءات للرأي العام عن طريق استمارات بحثية تحوي هذه الافتراضات، ويجاب عليها من قبل المبحوثين بالنفي أو الإيجاب . * إذن خلال الأيام الستة الفائتة للأحداث قمتم بالدراسات والاستطلاعات من أجل قراءة الرأي العام؟ - إنتي من أين تتلقين المعلومات؟.. من أين؟.. (صمت) أنا أسمع بأن هنالك بلاغات تقدم به عدد من المواطنين الذين تم الاعتداء على ممتلكاتهم وهناك دمار قد حدث لكن عندما نأتي لنقف على الحقيقة من الذي اعتدى ومن الذي قتل؟ وكيف قتل؟.. هذه مسؤولية جماعية. * قبل قرارات رفع الدعم كانت مشكلة الدولة العجز الاقتصادي الآن المشكلة تفاقمت وتعقدت .. فما هي آلياتكم في المؤتمر الوطني لحلها؟ * المؤتمر الوطني مع التداول السلمي للسلطة ومع الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وتداول الرأي والرأي الآخر بمثل تتحدثين إنتي وتكتبين في صحيفة . * أنا لا أعترض ولا أؤيد.. فقط أنقل ما يتناقله الشارع العام؟ - هسي الحوار دا ممكن يحجب؟ نعم؟ أنا أعتقد .. ينبغي ألا يحجب الرأي إلا إذا كان يقدح في الحقيقية أو لا يتناسب مع قانون الصحافة والمطبوعات، فلا جريمة ولا ثواب إلا وفقاً لسيادة القانون، فإذا كان هنالك أشخاص ارتكبوا جريمة القتل العمد فإنهم يحاسبون بالقانون . * لماذا لم تصدر إدانة واحدة لما حدث على المستويين الاتحادي والولائي من موقعك داخل المؤتمر الوطني .. هل لتأكد معلومات بعينها؟ أنا لست أيّاً من هذه المؤسسات التي أشرت إليها ،وكل جهة مختصة هي مسؤولة عن العمل الذي تطلع به، وأنا شخصياً أقول وأنادي بسيادة حكم القانون، وبالإضافة لهذا أطالب الجميع بالانفتاح على الرأي الآخر وعدم التعصب الأعمى فلا يمكن أن يكون رأي أيّ طائفة عبارة عن عقد إذعان ينبغي أن نعترف . بالحوار والتعددية الفكرية .. ورغم هذا فأنا قد سمعت حديث السيد وزير الداخلية وهو يقول إنه أمر الشرطة بعدم استخدام القوة المطلقة إلا عند الضرورة ، والأخيرة متمثلة في الشروع بالاعتداء على الأنفس مثلاً عندها لا بد من استخدام ضرورة التدخل، وعموماً أنا أقول إن القانون يجب أن يسود على الجميع بما فيهم المسؤولين والشرطة وأي قتل عمد يجب أن نقتص منه. * ما هو الممنوع في الظرف الراهن هل المظاهرات في حد ذاتها أم أعمال الشغب المصاحبة؟ - أيّ تعبير سلمي هو متاح ومشروع ، وإذا ثبت أن هنالك من تظاهر سلمياً وقتل فهو على حق. * هنالك شائعات عدة تدوالتها الأسافير بأنه في الأزمة الأخيرة تم استجلاب قوات عبر مطار نيالا والبعض يتحدث عن أنه شاهدهم في دار السلام بعربات (تاتشر)؟ أبداً.. هذا الأمر لم يحدث ودائماً الأزمات مناخ جيد للشائعات زي ما قالوا إن ربيع عبد العاطي تقول جلدوه في مسجد ال(...)..!! * هذه الرواية تقول إنك خطيب مسجد في العشرة وأنك خاطبت المصلين بلموا أودلاكم من المظاهرات ليتم الاعتداء عليك . - أنا ما مشيت ذاتي ولا صليت حتى معاهم وأنا صحي إمام المسجد لكن لم أذهب. * لماذا وأنت إمام المسجد تغيبت في تلك الجمعة بالذات؟ - يعني مرات بصلي جمعتين تلاتة جمعات ما أصلي .. يعني في إمام ينوب عني. * صليت الجمعة التي انتشرت فيها الشائعة في أي مسجد؟ - في مسجد بحري هنا في مسجد مصعب بن عمير، صليت فيهو بعدين أنا زي ما قلت ليك ما مشيت مسجد العشرة أصلاً لكن الراكوبة وسودانييز أونلاين والمواقع كلها روجت لشائعة غير حقيقية لدرجة أني سئلت عنها في قناة (البي بي سي).. وأنا بعد الصلاة ضربت بالحذاء ومن الشائعات استقالة مدير جامعة الخرطوم، حقيقة الآن تستشري الشائعات والعديد من الأخبار الكاذبة. * ما هو تعليقك على تصريح د.الترابي إبّان الأزمة بأن استمرار المقاومة القاسية للمتظاهرين قد تؤدي إلى خلق مليشيات مثل سوريا -على حد تعبيره؟ - أصلاً أنا ضد استخدام القوة المفرطة، وأنا لست الأمن، فهذه مسألة يقدرونها هم متى يستخدمونها أولاً ولكن إذا ثبت أنهم استخدموها دون ضرورة فهؤلاء يحاسبون واعتقد إذا حدثت فوضى ولم يتم كتم جماحها ستعم فوضى أكثر منها ، وإذا استخدمت القوة دون ضرورة فذلك يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه (الاثنين) أحلاهما مر، فإما تستشرى الفوضى فتأكل الأخضر واليابس وإما القوة غير الضرورية. * وخلال هذا الأزمة قمت بسؤال شخصي .. هل هذه احتجاجات سياسية أناس يقولون لك لا وينبغي أن تقوم الحكومة بواجبها تجاه حفظ الأمن تسأل شخص آخر يقول لقد قتلوا أبرياء.. هل أنت من هؤلاء الأشخاص؟ - أنا من المرابين وجماع المعلومات وليس من السهولة إعطاء حكم مطلق بل ليس من العقل نفسه. * أنت رمادي بعض الشيء؟ - هذا ضروري بعض الشيء وفيه انحياز للسلمية لمن يود أن يعبر عن رأيه ومن يود الحفاظ على ممتلكاته. * مؤكد أنكم اجتمعتم في القطاع السياسي لأكثر من مرة بماذا خرجتم؟ - قلنا إنه يجب التعامل مع كل المظاهرات بسلمية وألا تطلق رصاصة واحدة، وعندما طغى التخريب وأحرقت السيارات في روتانا وغيرها واشتكى عدد كبير جداً من الناس قالوا المسؤولة الحكومة. * ألم يشتكِ اليكم أحد من وفاة ابنه أو أبيه؟ - هذه شكوى تجري مجراها أي تسبب في جريمة قتل شخص بريء لا بُدّ أن تأخذ العدالة مجراها. * بالعودة للسؤال الرئيسي ما هي رؤيتكم في القطاع السياسي لإنهاء الأزمة؟ - رؤيتنا أن يكفل التعبير السلمي والحفاظ على أرواح وممتلكات المواطنين وهذه معادلة وأن يكون هنالك حوار سلمي مع القوى الأخرى، وأن توقف كل مظاهر أشكال العنف. * أليس من بين المطالب أن تنزل القادة بأبويه إلى الشعب والنظر إلى مطالبه؟ - بالتأكيد.. بالتأكيد هذه مسألة مهمة للغاية كل مسؤول والرعية لا بُدّ أن يتنزل القادة إليها، ولا بُدّ من تطييب الخواطر وتقديم العزاء لأسر الشهداء في هذه الأحداث التي اختلط فيها الحق بالباطل. * ما هو رأيك في حديث وزير الثقافة والإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة لإحدى القنوات الفضائية (بأن مجلس الوزراء اجتمع واتفق حول عدم التراجع عن رفع الدعم)؟ - أنا طبعاً زول أكاديمي وتظهر فيّ هذه الصفة، وحسم القضايا بطريقة قاطعة غير جيد.. إذا توفرت بدائل فهذه الأمور قابلة للتغيير خاصة القضايا السياسية والاقتصادية هذه لا تحتمل الرأي القاطع. * إذاً أنت تختلف مع السيد الناطق الرسمي في ما ذهب إليه؟ - نعم.. أنا اختلف، فإذا وجدت بدائل ومعالجات ونتائج أفضل لما لا، ونحن لا يمكن أن نتحدث بأن هذا خطأ وهذا صواب إلا إذا توفرت المعلومات. * البعض يعتقد أن ردة فعل الشارع الأخيرة تمثل معلومات واستقرار، هل لك كلمة أخيرة؟ - أفتكر أن الصحافة يجب أن تلعب دوراً إيجابياً تدفع نحو الاستقرار في إطار تسير نحو رفاهية المجتمع ونحو التداول السلمي للسلطة وتبتعد عن التعريض وتحقن الدماء ولا تصب الزيت على النار، وأن تكون هي من أهل الحكمة لأن الرأي قبل شجاعة الشجعان لأنه إذا فسد الرأي فسد القلم وفسدت الثقافة. * نتمنى أن يتوفر المناخ الملائم للصحافة كي تقول كلمتها وتسهم في الخلق، لك جزيل الشكر على الصبر والوقت.