للثورات عموماً شروط موضوعية اجتماعية وسياسية واقتصادية لا بد من تحققها ووصولها إلى مرحلة النضج حتى يكون المجتمع مستعداً لتحقيق وتقبل التغيير وذلك بعد أن تستنفد القوى القديمة كل ما في جعبتها من الحيل (اجراءات استباقية .. اعتقالات.. تضييق على الحريات.. اغتيالات..إلخ) في محاولات يائسة لضمان استمراريتها في السلطة. عندما يصعب على الناس تحمل تبعات التضييق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ترتفع وتائر التذمر التي تتضخم متى توفرت لها القيادة لتصبح حراكاً ثورياً فانتفاضة جماهيرية فثورة شعبية. متى بدأ الحراك الثوري فإنه يفرز تلقائياً قياداته الميدانية التي تتولى التخطيط والتنسيق لضمان الاستدامة وتصاعد النسق وصولاً إلى لحظة الحسم. يلاحظ المراقب حالياً عدم تصاعد نسق الحراك الثوري بالسودان على الرغم من استدامته ودخوله الأسبوع الثاني دون تراجع وهنا يمكن أن نستعرض بعض الأسباب التي في تقديري أدت إلى عدم وصول هذا الحراك لنقطة الذروة وجذب القطاعت المترددة إلى دائرة الفعل الإيجابي. أولاً: تفتت المعارضة السياسية وتباين اطروحاتها ومواقعها من الحركة الشعبية: على سبيل المثال يرى حزب الأمة تغيير النظام في حين ترى قوى الإجماع الوطني إسقاط النظام ولا يزال موقف الإتحادي ضبابياً. لهذا السبب ربما ظلت العديد من المدن المشهود لها عبر التاريخ بمشاركتها الفاعلة في الهم العام خارج سياق الحراك الثوري بما يشمل معظم مدن "بحر أبيض" و"كردفان" وهي مناطق نفوذ تقليدي لحزب الأمة وكسلا ومعظم مدن الشرق والشمال التي هي مناطق نفوذ تقليدي للإتحاديين وذلك على الرغم من أن جماهير هذه المناطق تكتوي بنفس النيران التي اشعلت باقي المدن في حين تتصدر الخرطوم ومدني وبورتسودان المشهد السياسي تحت قيادة مباشرة لطلاب الجامعات والمعاهد والثانويات وقطاع من المثقفين والناشطين إذاً هو حراك شبابي بامتياز يتولى حتى الآن الشباب التنسيق له عبر مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل الهاتف النقال. ثانياً : توارت مهيرة عن المشهد فباستثناء الوقفة الاحتجاجية أمام مباني جهاز الأمن في الثالث من أكتوبر للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين لم نشهد للمرأة ذلك الوجود الذي عهدناه على مدار تاريخ الانتفاضات والثورات السودانية . في حين أن ثورات البلاد المجاورة شهدت مشاركة واسعة للمرأة فاقت في أحيان مشاركة الرجال وربما هذه الجزئية جديرة بالبحث لمعرفة ما أفرزه ربع القرن الماضي من تغيرات على خارطة القوى الاجتماعية الفاعلة. ثالثاً: شجعت الانقاذ منذ بواكير أيامها تفريغ الوطن من الناشطين الحزبيين والنقابيين وهم قوى مؤثرة لا تنقصها الخبرة ولا تعوزها الدراية السياسية لكن نلاحظ أن تفاعلها مع هذا الحراك أقل من المأمول ، حيث دخلت إلى حلبة الحراك متأخرة نسبياً ولم يكن حراكها متناسباً مع حجم الحدث وإن رأينا خلال اليومين الماضيين فعاليات نأمل أن يكون لها تأثيرها على مجريات الصراع. ربما هنالك العديد من الأسباب الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها. نتساءل الآن عن المطلوب لتحقيق النقلة المرجوة وارتفاع نسق الحراك الثوري وهذا يتأتى من وجهة نظري من خلال ما يلي: 1. على تنسيقية الثورة أن تستوعب جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني الأخرى وفقاً لبرنامج حد أدنى يضمن استكمال المهام . 2. توسيع نطاق الحراك الخارجي خصوصاً في أوروبا وأمريكا وتطوير أدواته من خلال الاعتصامات أمام البرلمانات ومكاتب نواب البرلمان والصحف ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الانسان المؤثرة ومحاولة حشد رأي عام من خلال مخاطبة الجيران وزملاء العمل وغيرهم فنحن نعلم ثقل رأي الفرد في هذه المجتمعات 3. حتى ألان لم يصبح السودان خبراً أولاً لدى الفضائيات أو الصحف لذا يجب أن نركز على هذه الجبهة نحن نعلم مدى سخونة الملف السوري والملف الإيراني لارتباطهما بالأمن الإقليمي الإسرائيلي ونعلم مدى التراجع في الأهمية الإقليمية والعالمية للسودان منذ أن تولت الانقاذ زمام الأمر وبالتالي يجب علينا بذل جهد مضاعف لجعل السودان رقماً ضمن الأجندة السياسية الدولية. 4. يعول الداخل بشكل كبير على دعم الخارج الوطني والأجنبي وهذا أمر هام على مستوى الحفاظ على المعنويات مرتفعة فالداخل يضحي بالنفس والمال والوقت والجهد ويتوقع أن يدعمه الخارج ليطمئن على عدالة قضيته وإطلاع العالم عليها فنحن رأينا عن كثب كيف لعب الخارج دوراً فاعلاً في الثورة المصرية وما أن تنادى الشباب حتى خرج (30) مليون شخص في استجابة لنداء من شباب لا يعرفون أسمائهم فلماذا لم يخرج حتى الآن (3) مليون سوداني؟ أنا على ثقة متى رأى الداخل دعماً مؤثراً من الخارج الفاعل ذو الثقل العالمي فإن ذلك سيكون الحافز الأكبر للاستدامة وارتفاع النسق. 5. التنسيق الفاعل مع الداخل ساعة بساعة للحصول على المعلومة السليمة والصورة المؤثرة وذلك لكسر حاجز التعتيم الإعلامي الذي تفرضه السلطة على المعلومة.. 6. تحرك الاتحادات والنقابات الشرعية لتصبح جزءاً من قوى التنسيقية الفاعلة. 7. تحريك قضية المعتقلين وتعذيبهم وانتهاك آدميتهم إعلامياً وطلب النصرة لها من منظمات حقوق الانسان المعنية. نعلم الطبيعة المختلفة لهذا النظام عن سابقيه (عبودنميري) فهو تنظيم مكتمل اغتصب السلطة عبر تخطيط ودراسة وأنه سيستميت في الدفاع عن البقاء في سدة الحكم لأن سقوطه يعني إرسال البشير وعبد الرحيم وهارون للجنائية بلاهاي ومحاسبة كل من سفك الدم وسرق المال. يجب ان تلهمنا تضحية هؤلاء الشباب بأرواحهم لاتخاذ موقف إيجابي ينسجم مع حجم هذه التضحية. [email protected]