لمنع انهيار الدولة.. فصائل سودانية: تركنا الحياد واصطففنا مع الجيش    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    نائب وزير الخارجية الروسي من بورتسودان: مجلس السيادة يمثل الشعب السوداني وجمهورية السودان    صحة الخرطوم توفر أجهزة جديدة للمستشفيات والمراكز الصحية واحتياجات القومسيون الطبي    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.غازي صلاح الدين: توصيف ما أعبر عنه بأنه آراء شخصية غير دقيق. ما أعبر عنه يمثل وجهة نظر غالبة.
نشر في الراكوبة يوم 08 - 10 - 2013

يتساءل البعض عن سر تمسك د. غازي صلاح الدين بحزب المؤتمر الوطني الذي لم يعد يستمع لأطروحاته وآرائه من جهة أو يلبي طموحاته ورغباته من ناحية أخرى.. بعض المنتمين للمؤتمر الوطني يعتبرون أن صوت غازي يعلو ما أن يترك (الموقع التنفيذي) الذي كان يشغله فيما يرى آخرون أن ما ينادي به الرجل من إصلاحات هو ما يتفق معه (الأغلبية الصامتة) داخل المؤتمر الوطني.
وبين الرأيين مساحات واسعة من الأسئلة التي تدور بالأذهان طرحتها (السوداني) على القيادي بالوطني ومستشار الرئيس السابق، دكتور غازي صلاح الدين، تتعلق بحاضره ومستقبله داخل الحزب، فإلى ما أدلى به:
حوار: لينا يعقوب
هل تذهب إلى المؤتمر الوطني؟
نعم أذهب.
أطروحاتك وآرائك تعبر عنها في الفيس بوك والانترنت؟
لا بالعكس، جزء كبير من الآراء مدون ومطروح في شكل أوراق. والتعبير عبر الإنترنت على غرابته لدى كثير من السياسيين هو شيء محمود
هل مقترحاتك التي قدمتها تختص فقط بالأزمة الاقتصادية؟
كل الأزمات تصدر من جذر واحد وإشكالية واحدة، فلا يمكن أن نحل المشكلة الاقتصادية بمعزل عن المشكلة السياسية أو الأمنية. هذه المشاكل مرتبطة ببعضها في حركة دائرية، وبالتالي المعالجات الجزئية ليست مثمرة.
هل طرحت المبادرة الاقتصادية لجهات أخرى غير الحزب؟
أنا لم أقدم أطروحة اقتصادية لأن الاقتصاد علم تخصصي. والأفضل ألا يدعي شخص واحد مطلق الحكمة. هناك مجموعة أنا من بينها توافرت على تقديم أطروحة سياسية أساسية ينبغي أن تعالج الأزمة الاقتصادية بداخلها. كما ذكرنا المشكلة الاقتصادية ليست بمعزل عن السياسية والأمنية. إذا رفعنا الدعم عن المحروقات لكننا لم نحل مشكلة النزاع المسلح في جنوب كردفان فإن كل عائدات رفع الدعم قد تستهلك في معركة واحدة. لهذا فإن الإطار السياسي لحل الأزمة الاقتصادية ضروري وملح. ثم إنه من الأفيد تطوير الأفكار وعرضها للجمهور في عملية مفتوحة، لأن الحكمة لا تتركز في شخص أو حزب واحد.. ينبغي أن نتجنب طريقة التفكير التي تقوم على أن هنالك شخص ما سيعتكف ليخرج بصيغة سحرية أو ذات خصوصية غير مسبوقة. وأنا أرجو أن أستطيع تقديم آرائي ليس فقط داخل المؤتمر الوطني لكن في الساحة السياسية في تداول حر.
إن عرض عليك الحزب تكليفا هل ستقبل؟
يعتمد على نوع التكليف
أنت تحب أن تعمل فيما تحبه فقط، مثلا، فلديك رأي ألا تعمل في الأجهزة التنفيذية أو أن تصبح وزيرا كما يشير البعض؟
أنا صاحب خبرة في العمل السياسي وأستطيع أن أميز بصورة أفضل أين يمكن أن أكون مفيداً.. أنا ميال للرأي الذي يقول إن الطبقة السياسية ينبغي أن تتجدد كل فترة من الزمان وأريد أن أكون أمينا مع هذا الفهم والاعتقاد، وكل ما يقال في الصحف عن ترشيحات وعروض غير صحيح.
غير صحيح لأنك غير راغب فيه أم لأنه لم يعرض عليك؟
لا هو عرض علي ولا أنا راغب فيه.. بعض الناس يروجون إشاعات كثيرة وأنا لست ميالا لقضية التكهنات حول ما سأقبل به وما سيعرض علي.. لست مهتما بهذه القضية وأعيش بصورة أفضل مع نفسي في عالم الأفكار والتجديدات والمبادرات.. فإذا كنت مفيدا في هذه الناحية سواء كلفني الحزب أم لم يكلفني سأعمل عليها ولن أكون مقيدا في كل حياتي بما هو حزبي لأني لست حزبيا..لا أحب أي تصرف أو قول يكرس الحزبية. ونشأتي في الحركة الإسلامية ثم المؤتمر الوطني مجرد توافق تاريخي، وإذا جاء يوم انعدمت فيه الحزبية وعاد الناس أحراراً من أغلال الأفراد والجماعات والأحزاب والتنظيمات فسأكون سعيداً بذلك. قيمة المرء الحقيقية في آرائه وأفعاله قبل انتماءاته.
هذه الآراء والمبادرات جعلتك بعيداً عن حزب المؤتمر الوطني؟
أنا مرتبط بالحزب جدا على مستوى القواعد، ويطلبونني للحديث كثيرا في منتدياتهم ومناسباتهم.. العبرة بالنسبة لي أن تكون قريبا من الناس لمعرفة توجهات تفكيرهم.. أنا منفتح على القواعد والمجتمع السوداني عموما
ألا يتعارض؟
لا.. الحزبية حينما تصبح عصبية تصبح ضارة، والحزب أداة قامت وأنشئت لأهداف معينة ينبغي أن تكون لمصلحة المجتمع، الحزب يمكن أن يتحول لتنظيم ديكتاتوري، وهذا إذا حدث تطور سالب. لذلك ينبغي أن تكون الأحزاب منفتحة خاصة الحاكمة لأنها هي من يفترض أن توصل نبض الجماهير إلى القمة لا أن تنحاز إلى عصبياتها وتصبح أحزاب حكومات. المؤتمر الوطني مثلا أمام خيار تاريخي إما أن ينحاز إلى مصالح الناس أو ينحاز إلى مصالح مكوناته.
دكتور غازي، هناك شقة بينك وبين المؤتمر الوطني.. هل آراؤك الخارجة عن نطاق الحزب هي التي أوجدت تلك الشقة؟
مفهوم بالنسبة لي إن جاء شخص بأفكار مختلفة وليست بالضرورة جديدة، ألا تستساغ أفكاره ولا حتى وجوده، وهذا غالباً ما يحدث إذا تحول الحزب من حركة تيارية موصولة بالمجتمع وتحمل هموم المجتمع إلى شكل تنظيم داخلي يفترض الولاء المطلق والطاعة دون جدل ويفترض أن تتحول أجهزة الدولة إلى أجهزة تنظيمية تتحرك وتتوجه برقاع تنظيمية، هذا تطور سالب إن حدث في أي حزب، تاريخ الأحزاب السودانية يشير إلى أن هذه الحالة قد حدثت وتكررت حتى في عهد الديمقراطيات الحزبية، وبالتالي ينبغي أن نجدد نظرتنا إلى ما هو الحزب وكيف يمكن أن يكون.
اعتقاداتك بعيدة عن رؤية الحزب دكتور غازي؟
ليست بعيدة عن القواعد، ربما بعض من القيادات يرونها آراء حسنة لكنها صعبة التطبيق أو أنها غير عملية لكنها لا تعني أنها غير مقبولة لدى قواعد الحزب وخارج قواعد الحزب.. على كل حال أنا لست متعصبا حتى لأفكاري، فالشرط الضروري حينما نتحدث عن الحرية والانفتاح أن نفترض أننا على خطأ، وأنا مستعد أن أفترض أن رأيي خطأ لكن كل ما أطالب به أن تتاح لها الحرية بأن تعرض وتتقبل وينظر في تبنيها.
كنت تشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية وأيضا رئيس كتلة برلمانية.. الآن ماذا تشغل؟
أنا أقل نفوذا على مستوى القيادة وفي علاقتي مع بعض القياديين، ولكنني أرى نفسي أكثر التصاقا مع القواعد وهذه الحالة لا تزعجني، وأنا جربت السلطة على مدى عشرين عاما، وهي لها بريقها ولحظات نشوتها لكن ليس هذا هو الشيء الذي يشغل تفكيري ويملأ جوانحي. نحن عندما تقدمنا إلى السلطة كان يقودنا نحو الأمام تصور لمثال كبير، صحيح أن المثال لم يتحقق، بل تحققت تجربة تتعرض الآن لنقد شديد، وهذا فيه بعض الإحساس بالخيبة، لكن الإنسان طالما ظل فيه رمق من الحياة فإنه يسعى للإصلاح.. ينبغي ألا نتوقف عن عمليات البناء والتجديد وتصحيح الأشياء وإصحاحها. أنا أجد نفسي في هذا الجو، أكثر انفتاحا مع أحاسيس الناس وانفعالاتهم.
هل أنت مصر على أن تكون في المؤتمر الوطني؟ ألا ترى بديلا يمكن أن يرضي طموحاتك؟
لا أستطيع أن أقول إن المؤتمر الوطني حزب مثالي.. له مشكلات كما جميع الأحزاب التي لديها مشكلات، لكن فكرة الحزب والحزبية كلها تتعرض الآن لاختبار قاسي، مشكلات في التنظيم الداخلي والعلاقات الخارجية والتمويل، لا أكاد أتصور كيف يأتي شخص بحزب بديل إلا إذا كان متميزا فعلا، لا أقول إنه مستحيل لكنه صعب.
كيف يمكن أن يكون الشخص إصلاحيا وآراؤه مختلفة عن آراء الحزب، ويكون في ذات الوقت أحد أعضائه؟
أنا أصلا لم أؤمن يوما ما أن الانتماء الحزبي فريضة دينية، أي أن تكون في حزب ما لتكون مؤهلا لدخول الجنة. هذا اجتهاد بشري والظروف السياسية هي التي تفرض عليك اختياراتك السياسية في فترة تاريخية معينة، في ساعة معينة.
يمكن أن تترك المؤتمر الوطني؟
من ناحية نظرية مطلقة، بالطبع نعم، ليس الوجود في حزب بعينه هو المدخل أو الترخيص لأن نكون فاعلين في الحياة، سواء فاعلية سياسية أو فكرية أو حتى مجرد القدرة على العطاء العملي المجرد من الأفكار.
ألا تشعر بالعزلة؟
لا إطلاقا.. بالعكس أنا أكثر غرقاً في التواصل ومع فئات كان الوجود في السلطة يشكل حائلا بيني وبينها.
القيادات لا يؤيدونك وأنت تتحدث فقط عن القواعد؟
أعتقد أن كثيراً من القيادات يحملون أفكاراً تجديدية. قد يكونون أكثر ضنّا بالتعبير عنها.
لماذا لا يظهرون؟
يظهرون عبر المقابلات التي تجرى معهم ويعبرون عن أفكار شبيهة ولكن بلغة أخرى أحياناً.
من يعبرون عن تلك الآراء الشبيهة، هل يمكن القول إنهم مجموعة واحدة؟
ليس بالضرورة، أحيانا يكونون مسار أو تيار وفي أحيان أخرى يكونون أفرادا، لكن لا توجد صيغة تنظيمية واحدة، هم شيء من الحراك داخل المؤتمر الوطني، يعبرون عن الأفكار بقوة وحماسة وخيارهم أن يكونوا ملتزمين داخل المؤتمر الوطني باعتباره الحزب المتمكن في السلطة وباعتبار أن وجودهم وعملهم داخل المؤتمر الوطني مدعاة لأن يكونوا أكثر أثرا ونفوذا في القرار الحكومي وهذا خيار، وبعضهم يرى أن يخرج كليا وهذا خيار آخر، لكن يبدو أن الأغلبية تفضل أن توجد الصيغة المناسبة وأن يكونوا من خلالها مؤثرين داخل الوطني دون أن يحدثوا انشقاقا.
المال مهم في نجاح مثل هذه الأفكار.. هل تؤمن بهذه النظرية؟
العمل الحزبي والسياسي عموماً يحتاج إلى مال وهذه إحدى مشكلاته لأننا لا نستطيع أن نتحدث عن عمل سياسي مجرد من الإمكانات المالية، المشكلة تتعقد في حالة السياسي الذي يعمل في إطار مبادئه إذ يصعب عليه جدا أن يتحصل على مال لا تشوبه شائبة. إن قلنا إنه يتمول من الحكومة فهذه مشكلة، لأنه يتمول من المال العام، ولا أكاد أتصور كيف يمكن لمثل هذا السياسي أن يلقى الناس بوجه مستقيم. إن الحصول على المال المبرأ من الشائبة في مجتمعاتنا النامية ضئيلة جدا لأن القطاع الخاص لا يزال ضعيفا وخائفاً من التصنيف ومن ثم الانتقام. أفضل وأنزه مال هو الذي يأتيك مباشرة من تبرعات الجماهير. تجربة أوباما كانت متميزة في هذه الناحية، عندما استطاع وهو المنتمي للحزب الديمقراطي الأقل ثراءً من الحزب الجمهوري أن ينفذ إلى تمويل المواطنين العاديين وأن يتفوق على الجمهوريين في التمويل. وهذه حالة نموذجية ونادرة ولا يمكن أن تتحقق في السودان في المستقبل القريب لأنه لا توجد حرية في جمع المال من القطاع الخاص ومن جمهور المواطنين بصورة علنية وشفافة. هناك مشكلة لدى جميع الأحزاب في قضية التمويل، في شفافيته وفي مشروعيته، مجتمعاتنا لا تسمح بنمو قطاع خاص حر مستقل غير هياب للدولة يمكن أن يقدم تبرعاً للخصوم السياسيين. البديل المحذور الآخر هو التمويل من الخارج، وللأسف فإنه من الثابت أن ذلك قد حدث في الممارسة السياسية منذ الاستقلال. بالنسبة لي أنا لم أشكل حزبا والمشكلة ليست مطروحة بإلحاح أمامي في اللحظة الراهنة.
والمال على المستوى الشخصي؟
بالطبيعة الشخصية لا أنشغل بتثمير المال، ومن التجربة وجدت أن الحياة تضيق وتتسع.
الحزب استسهل خروجك وعدم الأخذ بآرائك؟
لا أعتقد أن النتائج التي توصلت إليها صحيحة.. لا أقول إنه لم يأخذ بالنتائج.. أذكر أن أحد الأشخاص قال لي هل أنت متفائل بأن الأفكار التي تطرحها واقعية. وقلت له إني أرى أنها واقعية إن توفرت الإرادة، وقلت له إني لست متفائلا على مدى سنتين لكن على مدى عشر سنوات متفائل، وليس بالضرورة أن يأخذ الناس بالأفكار مباشرة لوجود عقد نفسية أو مواقف شخصية أو مصالح لتبنيها لكن على مدى طويل يمكن أن يعمل بها..في داخل تجربة الإنقاذ قدمت آراء في منتصف التسعينات جرى تبنيها في وقت لاحق، وعندما كنت وزيرا للإعلام عُدل قانون الصحافة آنذاك لإعطاء المزيد من الحريات.. الأفكار والنماذج المثالية ليست بالضرورة أن تجد تأييدا مباشرا في لحظتها.
أنت لست من المرضي عنهم.. لماذا لا يقود بعض الأعضاء وساطة بينك وبين القيادة؟
هذا مجرد انطباع، ولا توجد مشكلة شخصية.. قطعا لدي آراء مختلفة عن بعض القيادات في الحزب لكن هذا لا يعني أني معزول داخل الحزب، أنا موجود وأشارك وأقدم محاضرات وأشارك في ندوات وأدعى لمناشط أشارك فيها جميعاً.
بأي صفة تتم دعوتك.. عضو أم مفكر؟
مفكر أو سياسي أوعضو، لا يهم العنوان كثيراً، وأتجاوب مع الدعوات التي تأتيني من خارج المؤتمر الوطني. أنا لا أكون حريصا أن أعطي نفسي صفة معينة ولكن إن دعاني جمع من السودانيين وحدث هذا مرارا فإنني أذهب وأشارك بأي صفة لا يهم.
يقول البعض إنك لم تطلب ولا مرة لقاء الرئيس منذ أن أعفاك من منصب المستشار، وهو تصرف بالنسبة لقيادات الوطني غير مألوف.. لماذا لم تطلب لقاء الرئيس؟
على الصعيد الشخصي لا توجد مشكلة في علاقتنا.. بصورة عامة حتى مع القوى السياسية الأخرى لست خصاميا ولا حديا في علاقاتي وأحاول أن أكون منصفا للآخرين لكنني أتبنى آرائي بقدر من الثقة والتصميم وإن عن لي رأي أوصله للرئيس إما كتابة أو عبر شخص آخر، القنوات بيننا غير مقفولة.
لماذا لم تطلب لقاءه ولا لمرة واحدة ؟
الرئيس رئيس وبرنامجه مزدحم وأعلم أنه والمسئولين الآخرين مشغولون، وفي أحيان كثيرة ما نقوله قد لا يكون فيه الجديد والمفيد أو يكون مجرد ترداد لما يقوله آخرون. حتى عندما كنت مستشارا كنت أعتمد كثيرا على المذكرات لأن فيها توثيقاً (اقتراحات وتوصيات) ويبدو أنه من تقييم هذه التجربة فإن قوة اللقاء المباشر في ثقافتنا الشفوية أشد من المذكرات. ربما لهذا يتساءل بعض الناس، لماذا لا تذهب للرئيس؟ هذا يتعلق بطبيعة الإنسان وبالأفضليات التي لديه، أنا لست شخصاً ملحاحاً وغالباً ما أقنع بالإجابة الأولى من أي شخص سواءً كانت إيجابية أو سلبية. من ناحية أخرى أنا لست متحدثا بارعا لهذا أكتب أكثر مما أتحدث.
ما يظهر لنا أن من يكتب المذكرات يتم الاستغناء عنه، أليست الوسيلة الشفاهية هي الأنسب بالنسبة للوطني؟
تظل الوثائق مهمة في تاريخ الأحزاب، أنا أحتفظ بعدد من الوثائق الخاصة بتجربة الإنقاذ، ليس في هذا عيب، لكن ما أتجنبه هو الربط بين قضية الإصلاح التي هي قضية مستمرة وبين تقديم المذكرات الذي هو عملية منقطعة.. أنا لا أتحمس لاستخدام المذكرات كوسيلة ضغط سياسي، وما قلته عن المذكرات عندما كنت مستشاراً هي مذكرات وظيفية. لهذا أنا لا أوافق على تلخيص الإصلاح في مذكرة ترفع ثم ينساها الناس. المقترحات والتوصيات والمبادرات يمكن أن تطرح باستمرار وبغير انقطاع لأن الإصلاح عملية مستمرة متجددة وحيوية.
ما الذي سيجعلك تترك المؤتمر الوطني؟
إذا شعرت أن الحزب انحرف انحرافا واضحا عن مبادئه المعلنة. يجب أن تكون لدينا القدرة على احتمال الأخطاء الجزئية لكن الأخطاء الجوهرية الاستراتيجية التي تنحرف بالحزب لا ينبغي أن تقبل أو تحتمل. كذلك إذا شعرت أن الحرية ضيقت داخل أروقة الحزب وأصبح التضييق على الرأي الآخر هو السمة، أو إذا فقدت لغة الاتصال مع الجماهير.. هذه أسباب وجيهة لينهي الإنسان ارتباطه بالحزب القائم وأنا لا أرى أنها تحققت بالدرجة التي تقود إلى اليأس من صلاحها وأرجو ألا تتحقق.
هل طلب منك أحدهم مغادرة المؤتمر الوطني؟
لا.. بالضرورة هناك من لا يروقه ما أقول لكن هذا ليس مهما.
صفتك الآن لا تسمح بإعطائك تكليفا كما كان في السابق (ملف دارفور، الجنوب، العلاقات السودانية الأمريكية) فأنت الآن تعبر عن آرائك الشخصية وبعيد عن رؤية القيادة والمؤسسية؟
توصيف ما أعبر عنه بأنه آراء شخصية غير دقيق. ما أعبر عنه يمثل وجهة نظر غالبة حتى وإن تخوف بعضهم من أن يتبناها علناً، هذا ينطبق على عضوية المؤتمر الوطني وكثيرين آخرين من عامة الناس غير الحزبيين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.