أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كاتب المذكرات الساخنة وراء الانشقاق الثاني بالحركة الإسلامية في السودان
نشر في الراكوبة يوم 30 - 10 - 2013

هل لعب التاريخ لعبته القديمة فأعاد نفسه من جديد؟! وجد الإسلامي السوداني المخضرم صاحب «الجلباب الناصع» غازي صلاح الدين العتباني نفسه في ذات الموقف الذي وقفه في مواجهة شيخه، زعيم الإسلاميين السودانيين الدكتور حسن عبد الله الترابي، عام 1998، فيما عرف وقتها ب«مذكرة العشرة»، التي أدت تداعياتها إلى انقسام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وخروج الترابي من خارطة الحكم ليكون حزبا معارضا اسمه المؤتمر الشعبي.
المواقف والأزمنة تختلف، لكن في الحالين فالسبب هو «مذكرة»، كتبها الرجل أو شارك في كتابتها أو تبناها دون تحفظ، فإذا استطاع الترابي في المرة الأولى صد هجوم مذكرة تلاميذه، فإن أثرها تواصل حتى إبعاده، لتقضم الإنقاذ لحم أبيها! وقبل أيام قلائل تقدم العتباني ب«مذكرة مفتوحة» موجهة للرئيس عمر البشير، وقعها معه 31 من قادة حزب المؤتمر الوطني، ومهر اسمه على صدرها، تطالب بإصلاحات في الحكم والاقتصاد وتدين مقتل المدنيين في الاحتجاجات الأخيرة، وتدعو للتحقيق والمحاسبة، ولتكوين هيئة وطنية لمواجهة مشكلات البلاد، لكن حزب الرئيس البشير لم يقبلها واعتبرها على الفور خروجا على الانضباط الحزبي، وكون لجنة برئاسة رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر، وبسرعة لا تحسد عليها جمدت اللجنة عضوية المجموعة، فما كان من العتباني وجماعته إلا أن أعلنوا للصحافيين أنهم باقون في حزب المؤتمر الوطني، ومتمسكون بمواقفهم الإصلاحية، وأنهم لن يهربوا من المركب وهي على حافة الغرق، لكنهم مع ذلك وجهوا «انتقادات» بليغة لقادة في الحزب ولرئيس اللجنة، لم يستثنوا منها أحدا إلا الرئيس البشير.
أدى لهاث الأحداث والسرعة التي عملت بها لجنة الطاهر التي تعد من «اللجان النادرة» على عهد الإنقاذ التي تعمل بدأب وحرص وحسم كأنها تريد «اللحاق بشيء ما وعدم تضييع الفرصة»، أدى إلى صدور قرار من المكتب القيادي للحزب الحاكم بفصل العتباني وبعض رفاقه من الحزب وتجميد آخرين، وكان الاجتماع بقيادة الرئيس عمر البشير شخصيا! وبلهاث مضاد دعت المجموعة الصحافيين مرة أخرى ليقول الغازي لهم، إنه «شرع في تكوين حزب جديد»، وهكذا وجد الرجل نفسه في نفس الوضع الذي وجد الترابي نفسه عليه تقريبا، أما الفرق بين موقفي الرجلين، فقد كان الترابي ضحية مذكرة كتبها آخرون بينهم غازي، أما الثاني، فقد ركله الحزب بعيدا، وحوله لضحية مذكرة وقعها بيده، إنه غازي صلاح الدين العتباني زعيم الحزب «الإسلامي» الثالث الذي يتوقع أن يولد من رحم الحركة الإسلامية السودانية، وكاتب المذكرات الذي انفجرت في يده واحدة منها ربما دون قصد، وربما هو من نزع الفتيل برغبته ليرى لهيب الانفجار يحرق معه آخرين، أو ربما المعبد برمته!
* الاقتراب من المحظور
* في أبريل (نيسان) الماضي، وهو رئيس لكتلة نواب الحزب الحاكم، وصف إمكانية ترشح الرئيس البشير لدورة رئاسية جديدة ب«غير الدستورية»، ونقلت صحف محلية عنه أن الرئيس لا يمكنه الترشح إلا بإجراء تعديل على الدستور، لأنه أكمل فترة الدورتين المنصوص عليهما وفق الدستور الحالي، وكانت النتيجة أن أعفي من موقعه، ولم تشفع له محاولته لتصحيح تصريحه في وقت لاحق، بعد أن كان قد فقد منصبه مستشارا للرئيس في تعديلات وزارية قبل أشهر من فقدانه لمنصبه النيابي.
ومنذ ذلك الوقت علت النبرة الناقدة عند الرجل مرة أخرى، بعد أن خفتت قليلا أثناء تسنمه لتلك الوظائف، وحسب المراقبون فإن انتقادات الرجل كانت تعلو حين يكون بلا منصب، وتخفت حين يتسنم منصبا، ويفسرونها على طريقتين، البعض يرى أن مقتضيات المنصب تفرض عليه التقليل من الانتقادات، فيما يرى البعض الآخر أن الرجل «لا يستطيع العيش خارج المنصب»، لذلك يعلو صوته الناقد حين يفقده فيتم «إسكاته» بمنصب جديد! وفي مؤتمر الحركة الإسلامية - التنظيم العقائدي للإسلاميين السودانيين - الذي عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، كان الرجل أحد دعاة التجديد والناقدين الكبار لأداء الحركة، ما جعل قطاعات واسعة من شباب الإسلاميين ترشحه لمنصب الأمين للحركة الإسلامية، هو ورفيقه الذي فصل معه في المذكرة الحالية، نائب الأمين العام السابق للحركة الإسلامية بولاية الخرطوم الدكتور حسن رزق، خلفا لرجل الحكم القوي النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه الذي استنفد مرات ترشحه.
وسبقت انعقاد المؤتمر مذكرة أخرى أطلق عليها «مذكرة الألف أخ»، وقد هيئت تلك المذكرة التي تقدم بها عدد من قادة وشباب الوطني يطالبون فيها بالتغيير، وتلاقت أهداف موقعي المذكرة مع تطلعات العتباني الذي يحظى بقبول واسع بين الشباب والإصلاحيين داخل الحزب والحركة الإسلامية، ما جعلهم يهيئون المسرح له ليجلس على منصب الأمين العام للحركة الإسلامية، لكن وبحسب التسريبات التي خرجت من المؤتمر وقتها، فإن كلمة الرجل المهادنة ودعوته للحفاظ على وحدة الحركة الإسلامية، صبت ماء باردا على نار مؤيديه من الشباب فوصفه بعضهم ب«التردد».
وعلى عكس ما هو متوقع، فقد رفض الرجل الترشح للمنصب معللا ذلك بأن المنصب أفرغ من محتواه ومضامينه، وهو الأمر الذي فسره بعض مؤيديه ومعهم خصومه بأنه لا يرغب في الدخول في صراع مع نافذين في الحزب والدولة لا يرغبون في وجوده في تلك الوظيفة، ما جعل صفة «المتردد» تلصق به حتى عند مؤيديه ومعجبيه داخل الكيان الحاكم. وقبلها تقلد الرجل مناصب كثيرة طوال عمر حكم الإنقاذ للسودان تنفيذية وسياسية وتنظيمية، فبعد الانقلاب في يونيو (حزيران) 1989م، عمل وزيرا للدولة بوزارة الخارجية في الفترة (1991 - 1995)، ثم دخل منافسة شرسة على منصب الأمين العام مع أحد كبار قادة الحركة الإسلامية الشفيع أحمد محمد، وتردد وقتها أنه حصل على المنصب لأنه مرشح قيادة الحزب، وظل فيه (1996 – 1998).
وفي مرحلة لاحقة لعب العتباني دورا محوريا في مذكرة أخرى شهيرة «مذكرة العشرة» التي أفضت إلى الإطاحة بالأب الروحي للإسلاميين والانقلاب حسن الترابي، وترتب عليها ما عرف بمفاصلة الإسلاميين الشهيرة 1999، وحل الرئيس البشير للبرلمان الذي كان يرأسه الترابي، وخرج الترابي منشقا بمجموعة من الإسلاميين وكون الحزب المناوئ «المؤتمر الشعبي».
يقول وزير الدولة برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر في حوار أجري معه في أبريل 2009، بشأن دور العتباني في المذكرة التي أدت لانشقاق الإسلاميين الأول، إنه دخل ضمن المجموعة التي عملت على المذكرة في وقت باكر مع سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وعلي كرتي.
ومن عجب أن مذكرة العشرة التي كان العتباني أحد عرابيها أخرجت الترابي وشقت الإسلاميين، وها هو «ينشق» بمذكرة ال(31)، كأن المذكرات «لعنة فراعنة إسلامية» تطوق الرجل من كل الجوانب، فبمذكرة أخرج شيخه، وهو يعد من الحواريين المقربين له، وبمذكرة أخرى خرج هو الآخر بسيناريو شبيه، وبمذكرة «الألف أخ» كتب عند بعض مؤيديه مترددا، هل هو انتقام التاريخ، أم انطباق حرفي للمثل «يداك أوكتا وفوك نفخ»؟
وتقلد قبلها العتباني أحد أهم وظائفه «مستشار السلام»، الذي كان موكولا له التفاوض مع الحركة الشعبية الجنوبية المتمردة، الذي تقدم باستقالته منه بمحض إرادته، حين اصطدم بمطالب دولية لتقديم تنازلات ما بمقدوره تقديمها بحكم مرجعيته الفكرية وتشدده، وحين لاحت في ذلك الوقت بوادر الملف للنائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه. البعض لم يكن يرى أن غازي بمقدوره التنازل بما يكفي لتقريب المسافة بين المشروعين المتباعدين للمتمردين الجنوبيين السودان الجديد، ومشروع الإسلاميين الذي كان ممثلا له.
بعد توقيع اتفاقية السلام السودانية «نيفاشا» في عام 2005 بوقت قليل، اشتعلت حرب دارفور، وسلم له ملف الأزمة، لكنه لم يستطع الوصول بالأزمة التي لا تزال تشتعل إلى نتيجة ترك الملف بإرادته.
* تواريخ في حياة الرجل
* برز العتباني بشكل لافت أول مرة عقب العملية العسكرية التي نظمتها «قوى الجبهة الوطنية» لإسقاط حكم الرئيس جعفر النميري 1976، والمكونة من أحزاب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، والإسلاميين، وأطلق عليها نظام النميري «عملية المرتزقة»، فقد كان الرجل ضمن قوة الإسلاميين التي احتلت «دار الهاتف» تلك العملية التي اشتهر بها.
تنظم العتباني في الحركة الإسلامية حين دخل جامعة الخرطوم، التي فصل منها وذهب لبريطانيا ليكمل تعليمه وهناك ترأس اتحاد الطلاب السودانيين، والجمعيات الطبية الإسلامية، ومن هذه النقطة بدأت الطرق تمهد نفسها له داخل تنظيمات الإسلاميين إلى أن استولوا على السلطة في يونيو يقول الكاتب بابكر فيصل بابكر في مقال «على الرغم من أن الدكتور غازي صلاح الدين كان من ضمن العشرة الذين بدأوا خطوات إزاحة الأب الروحي لنظام الإنقاذ الدكتور الترابي، فإنه بعد فترة من الزمن خصوصا عقب إبعاده من رئاسة ملف التفاوض مع الجنوب، بدأ يظهر تمايزا في المواقف مع قيادة الحزب الحاكم وغطائها الديني المعروف باسم الحركة الإسلامية».
وحسب فيصل فإن تمايز العتباني أسفر عن «خلاف مكشوف» بعد إطاحته من منصبه مستشارا للرئيس وزعيما للكتلة البرلمانية للحزب الحاكم على خلفية مواقفه في مؤتمر الحركة الإسلامية نوفمبر 2011، ومحاولته الخفية للوصول لمنصب الأمين العام، لكن الممسكون بزمام الحزب حالوا بينه والمنصب، وحين أحس بأن «الأشياء» لا تسير حسبما يشتهي، لم يترشح للمنصب بحجة أن الحزب يتدخل بسفور في عمل الحركة.
ومنذ ذلك الوقت تحول غازي إلى «ناقد» لسياسات الحكومة، وهو نقد أقرب ل«النقمة» التي اكتملت بالمذكرة الشهيرة التي أطاحته خارج الحزب، وأجبرته على الشروع في تكوين حزب جديد.
ويقول بروفسور الطيب زين العابدين، في حديثه ل«الشرق الأوسط»، إن «صديقه» تأخر في موقفه من الحكومة كثيرا، ويضيف: «الموضوع ليس سهلا، أن تكون جزءا من النظام لأكثر من 20 سنة، فخروجك منه سيكون صعبا، كما أن الرؤى قد تتناقض فتظن أن وجودك داخل الحزب فيه المصلحة أكثر من خروجك عنه، لأن تأسيس حزب عملية صعبة، والخيار الثاني يواجه مشكلات كثيرة، فقد لا يسمحوا لك بتكوين حزب أو حتى الكتابة». ويضيف زين العابدين، أن «الرجل ينتقد بأنه ظل ينتقد أوضاعا وهو فيها، وظل يردد حتى بعد تهديده بأنه باق في الحزب، حتى جاء الفصل، وبدأ إنشاء حزب إصلاحي، قد يخرج للوجود وقد لا يخرج».
ونقل الصحافي يوسف حمد في يومية «القرار» عن من سماه «أحد أصدقائه الخلص»، أنه كان يشتري صحف الصباح ليرى ما إذا كان صديقه قد تقدم باستقالته من الحكومة أم لا؟ ويصفه بأنه يبدو كثير التبرم والنقد لأداء الحكومة والحركة الإسلامية في أحاديثه مع هذا الصديق، وأن الضجر هو بضاعته اليومية التي يستثمر فيها، ويتأبطها تحت عباءة المفكر.
لكن لصديقه بروفسور الطيب زين العابدين، وهو إسلامي من مجايليه، رأي آخر في شخصية الرجل الناقد، فحسب إفادته ل«الشرق الأوسط»، يقول: «هو شخص دقيق، ويبذل مجهودا كبيرا في أعماله، ولا يؤديها باعتبارها تكليفا، وهو يهتم بالنواحي الفكرية والقيمية، وهو شخص واضح ليس مثل غيره من السياسيين، وهذا هو السبب الذي قاد للخلافات بينه وبين قيادات المؤتمر الوطني».
ومن الانتقادات التي يكثر الرجل من ترديدها موضوعات مواقف الإسلاميين من الديمقراطية، والحقوق، والمرأة، والطوائف، والأقليات، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، بيد أن الكثيرين يرون أن بقاءه الطويل داخل التنظيم ودست الحكم وتقلبه في المناصب لا يتسق مع هذه التوجهات، بل ورغم نفيه القاطع بأن موقفه الأخير ليس هروبا من سفينة على وشك الغرق، فإن كثيرين يرون فيه استباقا للتحول والتغيير الذي يرى الكثير من المحللين أنه أصبح وشيكا.
* مرافعة وبيان
* حين اشتد عليه الحصار بعد شيوع أنه يفاوض الترابي سرا، ونشرت في صحف الخرطوم معلومات عن هذا الحوار، تقدم العتباني بمرافعة على شكل بيان مايو (أيار) 2002م دافع فيها عن نفسه ببسالة، يقول: «أحرص تصدر أقوالي من عندي راسية بأن المدخل الصحيح لحل مشكلات السودان السياسية هو توحيد جبهته الداخلية، فبعدم ذلك نكون جميعا صيدا مباحا لمن أراد أن يتخطفنا من أعداء».
ويضيف: «أؤمن بأن من يتولى أمر الناس من أهل السلطان أصحاب مسؤولية مضاعفة لاسترضاء نظرائه في العمل العام كي يتواضعوا معه على عهد بذلك».
وإنه حين تولى أمانة المؤتمر الوطني عمل من أجل توسيع المشاركة وترتب على ذلك مشاركة كل من الشريف زين العابدين الهندي، وفاوض المهدي، وحين تولى الأمانة السياسية 2001م، أدخل قوى أخرى في الحكومة بتكليف من المكتب القيادي.
وتعليقا على تلك المراسلات بينه والترابي قال الرجل في مرافعته، إن «تبادلها تمت فيه مناقشة الأفكار من وجهة نظره الشخصية، وأنه عرض الأمر على الرئيس البشير في وقت لاحق مبادئ هذا الحوار، فتقبله بسماحة رغم تشككه في مآلاته، لم يقطع الطريق أمامه هو عده ملزما ما لم يصل عده إلى نتائج مقبولة، بأمل أن يتوحد الإسلاميون بعد ارتفاع راية السلام لترتفع أسباب الشقاق بين السودانيين جميعا، وأن الرجلين تعاهدا على أن يبقى الحوار سرا، مشيرا إلى أن نشر منه منزوع ، ودون أن يسميه قال العتباني، إن « 19 2002»
* من ناقد لمعارض
* يرى كثيرون أن خروج العتباني من الحزب الحاكم ضربة كبيرة له، سيما وأن له مؤيدين كثرا بين مختلف أجيال الحركة الإسلامية معظمهم من الشباب، يرون فيه خليفة لأب الحركة الإسلامية الروحي د. حسن الترابي، لما يتمتع به من قوة شخصية واستقلالية، واطلاع ومعرفة واسعة، بل ونقلت يومية «المجهر» عن الترابي نفسه أنه أفضل خليفة له من حيث التفكير والتنظير، لكن إسلاميا معارض شهير رفض كشف اسمه، بدا في حديثه ل«الشرق الأوسط» متشككا في تأثير خروج المجموعة على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقال إنهم «ليسوا رموزا قومية، وستظل حركتهم صفوية»، فضلا عن المؤتمر الوطني نفسه دون السلطة لا يساوي شيئا.
وأضاف لو أنهم أرادوا تأسيس حزب فهم بحاجة لمساندة قومية غير متوفرة لهم، ولإمكانيات مالية هائلة يصعب توفرها لهم، وبدا غير متأكد من صمود المجموعة حال تعامل المجموعة الحاكمة معهم بعنف، وقال: «قد يتفرقوا إذا تعامل معهم بعنف»، لكنه في ذات الوقت استبعد رد فعل عنيف ضدهم لأن الحزب الحاكم ليس على قوته إبان المفاصلة مع د. الترابي، ثم عاد ليقول: «المعارضة ستقبلهم في كل الأحوال».
يبدو أن الخطوة التي يعتزم غازي وجماعته متوقعة من الحزب الحاكم الذي قلل منها بقول المتحدث باسمه ياسر يوسف في تصريحات، إن «حزب المؤتمر الوطني، لا يخشى اتجاه مفصولية لتكوين حزب جديد، ولا يملك (فيتو) لمنع تكوين أحزاب، وأن تعامله مع الأحزاب سيكون وفقا للخط السياسي الذي تنتهجه، أن الدستور يكفل للجميع حق إنشاء تنظيمات سياسية وفقا للقوانين».
نبذة من سيرة العتباني - اسمه غازي صلاح الدين محمد متولي العتباني، من مواليد أم درمان 1951، تلقى تعليمه بالجزيرة وسط السودان ودرس الطب في جامعة الخرطوم وفصل منها لاتهامه بالمشاركة في محاولة تغيير الحكم المعروفة ب«عملية المرتزقة» 1976، وأكمل تعليمه في بريطانيا، وهناك انتخب في الهيئة التنفيذية لاتحاد الطلاب المسلمين في المملكة المتحدة، كما ترأس المؤسسة الإسلامية بلندن.
- عمل وزيرا للدولة ومستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية 1991 - 1995، ثم وزير دولة بوزارة الخارجية 1995، ثم أمينا عاما لحزب المؤتمر الوطني الحاكم 1996 - 1998. ثم وزيرا للإعلام والثقافة والاتصالات 1998 - 2001. عين مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون السلام 2001 - 2003، ثم مستشارا للرئيس وعضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني. ورئيس كتلة المؤتمر الوطني بالمجلس التشريعي. - انفصل رسميا من حزب المؤتمر الوطني الحاكم 26 / 10 / 2013 ويقوم بإنشاء حزب جديد يقدم أطروحة جديدة حاليا، وقال الدكتور غازي صلاح الدين العتباني إن «الإجراءات التعسفية الأخيرة التي قام بها المؤتمر الوطني ضد بعض قادته وأعضائه قد أطلقت رصاصة الإعدام في جسد الإصلاح الذي يطالب به غالب أعضائه، وإن الباب بات الآن مفتوحا وواسعا أمام إنشاء حزب سياسي جديد، وإنهم قد اتخذوا قرارا بطرح صيغة حزب يقدم بديلا محترما يحمل أملا جديدا للسودان».
الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.