أعلنت القوى السياسية التي شاركت في هبة سبتمبر المجيدة عن تشكيل كيان جامع لقيادة العمل السياسي المدني تحت مسمى تنسيقية الثورة وأشارت إلى أن هذا الكيان يضم قوى المجتمع المدني والشباب والنقابات الشرعية والأحزاب. إلا أن هذه التنسيقية لم تخرج لحيز الفعل حتى كتابة هذه السطور لعوامل مختلفة أهمهما أنها تشكلت بقرار فوقي لم يتم تنزيله على مستوى القواعد التي تقود العمل الميداني. وخوفنا أن تكون قد أصيبت بداء مزمن ظل يلازم تحالفات القوى السياسية السودانية على مدار التاريخ وهو داء إعلاء المصالح الخاصة على الهم العام. تجارب شعبنا في بناء التحالفات من التجارب الرائدة في المنطقة. فرضت الديكتاتوريات المتتالية على التنظيمات السياسية بناء تحالفات واسعة وفق برامج الحد الأدنى لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية فكانت جبهة الهيئات في أكتوبر والتجمع النقابي الذي قاد انتفاضة مارس/أبريل والتجمع الوطني الديمقراطي في مستهل انقلاب الإنقاذ ومن ثم قوى الإجماع الوطني في مرحلة لاحقة بعد المصالحة مع النظام. كلما اتسع وعاء التحالف كان ذلك ضماناً لمشاركة قوى المجتمع الفاعلة وجذب قطاعات أوسع للمشاركة في برنامج الحد الأدنى. نلاحظ أن هنالك عيوباً شابت التحالفات الواسعة في السابق والتي يجب الانتباه لها في المراحل اللاحقة ونجملها في ما يلي: * لم تستطع هذه التحالفات الاستمرار لحماية منجزاتها كما هو الحال بالنسبة لجبهة الهيئات بعد أكتوبر والتجمع النقابي بعد إقصاء النميري. رغم التوقيع على مواثيق حماية النظام الديمقراطي عجزت هذه القوة عن حماية الديمقراطية حيث أنفض سامرها فور نجاح الثورة/الانتفاضة و"كل قرداً طلع شجرتو" وبدأ البحث عن المغانم مما أدى لانكشاف ظهر الثورة/الانتفاضة لينقض عليها العسكر مرة أخرى عند أول سانحة. * محاولات بعض القوى الهيمنة على التحالفات وفرض وصايتها والإصرار على تولي المناصب القيادية عليه وكذلك العمل على إقصاء بعض القوى الجديدة مثل حركة حق من التحالف كما حدث بأسمرا. * عمل بعض القوى لصالح أجندتها الخاصة دون التشاور مع الأطراف الأخرى. * عدم تمكين قوى المجتمع المدني الأخرى من نقابات ومنظمات من لعب الدور المنوط بها وهيمنة الأحزاب على مفاصل العمل اليومي. * تقديم الأحزاب في بعض الأحيان لأجندتها الخاصة على حساب الأجندة الوطنية كما حدث من الحركة الشعبية وحزب الأمة بأسمرا حيث أبرما اتفاقيات أحادية مع المؤتمر الوطني دون مشاركة أو مشاورة بقية القوى السياسية والمدنية. هذا غيض من فيض فربما تكون هنالك العديد من السلبيات الأخرى التي يجب تلافيها مستقبلاً. هنالك حاجة ملحة للوعاء الشامل الذي يضم قوى المجتمع الفاعلة لقيادة العمل الجماعي للقوى المعارضة بما في ذلك الجبهة الثورية التي كان موقفها مؤيداً للحراك الجماهيري وداعماً له. ربما تكون التنسيقية هي الوعاء الأمثل لهذا التحرك وعليه من المأمول أن ترعاها قوى الإجماع الوطني لما لها من خبرات كبيرة في هذا المجال بحيث يعبر تنظيمها وعملها عن رؤية مجموع الشعب السوداني. لا ننسى هنا ضرورة استيعاب الكيانات الشبابية التي لعبت دوراً مؤثراً خلال الفترة الماضية مثل "قرفنا" و"مرقنا" والقوى التي قادت أعمال الإغاثة إبان السيول والفيضانات الأخيرة.لا ننسى هنا الدور المؤثر للقوى الوطنية بالخارج والتي وظفت كل طاقاتها لإدانة جرائم الإغتيال البشعة التي مارسها المؤتمر الوطني ضد شبابنا ونرى ضرورة إشراكها في العمل الجماعي من خلال منظماتها وكياناتها المختلفة. كما أن حماية الشباب من اعتداءات مليشيا المؤتمر الوطني تعتبر مهمة وطنية على درجة عالية من الأهمية يجب أن تتولاها قوى الإجماع الوطني والقوى الوطنية الفاعلة في الداخل والخارج خروج هؤلاء الشباب عراة الصدور أمام آلة البطش المتأسلمة مأساة بكل المقاييس ومسئولية وطنية بالمقام الأول يجب أن تتصدى لها القوى صاحبة الخبرة في العمل السياسي. راهن المؤتمر الوطني على أن ما أعده من قوة ومن رباط الخيل كفيل بردع التحرك الجماهيري وبث الخوف في النفوس وهذا وهم كل ديكتاتور على مر العصور ولقد اثبت التاريخ أن حركة الشعوب التي تنشد العدل لا توقفها الدبابات. تحفل الساحة السياسية حالياً بحالات التشظي والإنشطار الأميبي لمعظم القوى السياسية وعلى رأسها المؤتمر الوطني والقوى التي كانت داعمة له خلال ربع القرن الماضي. بعد خروج العراب الشهير خرجت مؤخراً مجموعة من أسموا نفسهم بالإصلاحيين ، ونفض الخال الرئاسي يديه من ابن أخته وقاد تظاهرة تحميها الشرطة من الجامع الكبير قوامها (150) شخص يمثلون ما يربو على عشرة أحزاب متأسلمة ورقية تحت مسمى "تحالف القوى الإسلامية الوطنية" وكذلك جمهرة المثقفين من منظري النظام السابقين الذين أطلقوا على أنفسهم "الحركة الوطنية للتغيير". رفعت هذه القوى شعارات الجماهير سعياً لتفريغها من محتواها وإعادة إنتاج نفس النظام بوجوه جديدة شائهة وهو أمر لم يكن ليخفى على فطنة شعبنا. لكن المؤسف أن بعض وسائل الإعلام صارت تحتفي بتصريحات كل من يشق عصا الطاعة على المؤتمر الوطني بغض النظر عن دوره التاريخ في استلاب وسلب شعبنا. نعود ونكرر مرة أخرى أن الوضع لن يعود أبداً لما كان عليه الحال قبل سبتمبر 2013 وبالتالي يجب على القوى الوطنية الفاعلة إعادة تنظيم قواها استعداداً لمعركة فاصلة تلوح نذرها في الأفق.وأولى المهام هي التنظيم الجيد للوعاء الشامل الذي تنضوي تحت لوائه كل القوى الفاعلة. [email protected]