:: قبل أسابيع، عندما أطلق الأستاذ حسين خوجلي - عبر برنامجه - حملة (حضانة أمل)، فاتحا باب التبرع بحضانات الأطفال للمشاهدين بالداخل والخارج، توقعت أن تتصل به وزارة الصحة لتصحح مسار الحملة وأهدافها، ولكنها لم تفعل ..مشافي البلد، العامة والخاصة، ليست بحاجة إلى ( حضانات الأطفال)، أو كما تنادي حملة البرنامج..واليوم، بالمشافي العامة - بالخرطوم فقط - أكثر من ثلاثمائة حضانة، وقيمة الحضانة لا تتجاوز (20.000 جنيه)، ومكدسة في المشافي ..وأسرة المولودة أمل لم تحتسب مولودتها لعدم توفر الحضانة، بل إحتسبتها بحزن وألم لعدم توفر ( جهاز التنفس الصناعي لأطفال حديثي الولادة)..وعليه، الحضانة (شئ) وجهاز التنفس الصناعي (شئ آخر)..ونأمل من الذين يرغبون التبرع لمشافي السودان - عبر برنامج مع حسين خوجلي أو غيره - أن يتبرعوا بالشئ الأخر (غير المتوفر)..!! :: والمهم، أي جهاز التنفس الصناعي لأطفال حديثي الولاة، يُعالج به المولود المصاب بمتاعب في التنفس لأسباب خُلقية أو غيرها.. وتترواح قيمة الجهاز ما بين ( 25/ 30 الف دولار)، حسب الجودة..وألمانيا هي التي إشتهرت بالجودة في صناعة الأجهزة والمعدات الطبية، ومنها هذا الجهاز ( الشايل حس بلد بحالها)..وهذا الجهاز في حد ذاته - مهما إرتفع سعره - ليس بقضية، ويمكن توفيره بين ليلة وضحاها بواسطة ( أي تاجر أو سمسار)..ولكن، القضية الكبرى التي تعاني منها مشافي البلد لحد التسبب في موت الأطفال هي كيفية إدارة وتشغيل هذا الجهاز ( المهم جداً)..نعم، فالأزمة ليست أزمة أجهزة التنفس بقدر ما هي أزمة إدارة وتشغيل ..وتقريباً هكذا كل قضايا البلد، ولكن - كما حال النعام - نتقن دفن رؤوس القضايا والكوارث في رمال الإنصرافية.. ولذلك، ليس في الأمر عجب بأن نصرح ونصرخ بأزمة الأجهزة ونتجاهل أزمة الإدارة..!! :: وإليكم هذه القصة، ولكن توقف عن قراءتها إن كنت مصاباً بداء القلب والسكري.. في العام 2007، تعاقدت إدارة مستشفى جعفر بن عوف مع إحدى الشركات على إستجلاب أجهزة تنفس صناعي للأطفال حديثي الولادة، وهي الأجهزة ( الشايلة حس بلد بحالها)، فأستجلبتها الشركة وإستلمت قيمتها، ثم طالبت الإدارة بإرسال كوادرها لتتدرب على تشغيل وإدارة الأجهزة مجاناً - أي على حساب الشركة - حسب العقد..قبل أن تكمل الكوادر إجراءات السفر بغرض التدريب على تشغيل تلك الأجهزة، تم تغيير إدارة المستشفى بإدارة أخرى بعد أشهر من (صراع المدراء)، أو الأصح ( صراع مراكز القوى )..ورفضت الإدارة الجديدة التعامل مع كوادر الجهاز بتبرير : ( في الصراع داك انتو كنتو واقفين مع المدير السابق).. رفضت التعامل معهم وحرمتهم حتى من نثريات السفر .. !! :: أحد الأخيار، لا علاقة له بوزارة الصحة ومرافقها العامة، علم - بالصدفة – بحال الكوادر وبحاجة المستشفى للأجهزة، وتبرع للكوادرالأربعة المختارة للتدريب بالنثريات ( مائة دولار لكل كادر).. سافروا، ثم عادوا بعد أسابيع قضوها في كيفية تشغيل وإدارة الأجهزة..ثم قصدوا مكان عملهم لتشغيل وإدارة الأجهزة التي دفع شعبنا قيمتها ( من قلبو)..ولكن، هناك فاجأتهم إدارة المستشفى بخطاب الفصل..نعم، فصلوهم يوم عودتهم، بتيرير : (إنتو أصلا كنتو مناصرين الادارة القديمة في الصراع داك، وكمان غبتو من الشغل)، هكذا كان التبرير.. حولوا فترة تدريبهم إلى غياب ليسهل فصلهم التعسفي..ومنذ ذاك العام، و إلى يومنا هذا، بمستشفى جعفر بن عوف ( 10 أجهزة تنفس للأطفال حديثي الولادة)، تعمل أسبوعاً ثم تتعطل عاماً، ليموت أطفالنا، لعدم توفر الكوادر المدربة على التشغيل والإدارة..هذا نموذج حال خدمة مدنية بالبلد، وما أكثر النماذج التي تبكيك دماً ودموعاً ..ولذلك، نقترح لمن يتبرعون لمشافي البلد بالأجهزة الطبية بأن يرفقوا مع أجهزتهم عقول إدارية واعية وقلوب تخاف الله ثم تحب هذا الوطن المنكوب..تلك العقول الواعية والقلوب المحبة لهذا السودان هي (المفقودات)..وتلك المفقودات هي (أصل الأزمة)، وليست الأجهزة ..!! [email protected]