لم تستطع السيدة سامية المقيمة في امريكا ان تضبط اعصابها.. هاتف من السودان اخبرها ان شقيقها الصغير في عداد المفقودين بعد حادثة غزو ام درمان من قبل حركة العدل والمساواة في صيف العام 2008.. ايام من القلق وترقب الأسوأ ..تنفست الاسرة الصعداء حينما آتاهم *خبر *يفيد ان الابن الناشط في العمل العام معتقل بين يدي الحكومة.. حاولت سامية ان تبذل قصارى جهدها لفك كربة شقيقها.. اتصلت ببعض المنظمات الطوعية لتمارس ضغطا على الحكومة السودانية .. لم تصدق سامية حينما اتصل عليها سناتور من مجلس الشيوخ مؤكدا لها تبنيه لقضية الشقيق المعتقل.. حينما وعدها الرجل *المهم ان إنقاذ شقيقها سيتم قريبا وسيأتي ليعيش معها على التراب الامريك حسبت ان الوعد من قبيل المبالغة .. لم تصدق سامية الرؤية الا حينما وصل الحبيس السابق مطار جون كنيدى بعد ان بذلت الولاياتالمتحدة جهدا دبلوماسيا لإطلاق سراحه. * عدت الى أهلي ياسادة بعد ست سنوات قضيتها في امريكا.."اها ما أدوك الجواز الامريكي".. كان ذلك سؤال راتب يجري على لسان الصغير والكبير من الذين التقيتهم بعد عودتي .. كثيرون من عامة الناس ونخبهم كانوا يسترسلون لمعرفة الواقع الامريكي.. معظمهم يحاول اعادة ضبط الصورة الخيالية لأمريكا التي صنعتها افلام (الكاو بوي) ورسخت لها السياسة الامريكية المنحازة بشكل دائم لإسرائيل ..في دواخل معظم اهل السودان صورة اخرى زاهية للولايات المتحدةالامريكية..امريكا الاخرى كانت منتهى أمال الأكاديميين الذين يطمحون لتلقي دراساتهم العليا في ما وراء المحيط الصاخب ..الرفاهية الاقتصادية والحريات اللامحدودة وبلاد الفرص المستحيلة كانت تلك بعض من الصور الإيجابية التي يختزنها اهل السودان لبلاد (العم سام). صورة السودان سالبة جدا في امريكا الرسمية .. حينما تأتي المناسبة وتعلن ان موطنك الاصلي هو السودان تنهال عليك بعض الأسئلة المحرجة جداً.. عوام الأمريكيون لا يدرون ان على البسيطة قطرا اسمه السودان .. وحتى لا تستشعر الهوان عزيزي المواطن فان هؤلاء الرجرجة *لا يعرفون من أقطار الشرق الاوسط والاقصي الا السعودية والعراق وأفغانستان ..أنصاف المثقفون يظنون ان السودان بعض من دارفور حيث يقتل الانسان أخيه الانسان..اما النخب صاحبة الشوكة فتظن وليس كل الظن اسم ان بلادنا تمارس قهر الانسان ..وان حكومتنا الأصولية تدعم شبكة الإرهاب الدولي وان بن بادن وضع أسس قاعدته في مقرن النيلين. الصورة السالبة بدات تتبدل والقائم بالأعمال الامريكي جوزيف استأفورد يفتح أبواب التواصل مع الطرق الصوفية.. في خلاوي (ام ضؤ بان ) يرتدي الخواجة الابيض جبة الدراويش .. ومثله مثل الحيران يحتسي الغباشة المصنوعة من الحليب .. ولم يجد ذاك السفير حرج ان يمدد جهده ويصل أبواب السلفية ..جماعة أنصار السنة المحمدية أهدت السفير مصحفا يحوي آيات الله..هذه الصورة تناقض الصورة التي جعلت جماعة متطرفة تقتل عامل الإغاثة الامريكي غرانفيل في ليلة راس السنة وبصحبته سائق سوداني. ودع السفير استافورد بلادنا بمقالة رائعة نشرتها بالتزامن عدد من الصحف اليومية.. السفير الذي لم يمكث في السودان سوى عام ونصف سطر شهادة عظيمة بحق بلادنا التي عداها وطنه الثاني.. كشف استافورد عن عشقه لأغنيات الباشكاتب ود الأمين .. وعدد فيما عدد فرقة عقد الجلاد الموسيقية .. حتى أصناف الطعام الشعبي ذكر منها (العصيدة) والشية.. لم يتوقف استافورد في الخلاوي فقد شهدت الجامعات السودانية بعض من نشاط الرجل ..شهادة السفير تكتسب أهميتها انها غير مجروحة باعتبار ان صاحبها قد قدم استقالته من خدمة وزارة الخارجية الامريكية جاعلا الخرطوم اخر محطاته المضيئة. بصراحة كان السودانيون قبل مجيء هذا السفير يحبون امريكا سرا.. لكن استافورد وعبر عمل دبلوماسي مدروس ومتقن قلب الطاولة وجعل الشيوخ قبل الشباب يتغزلون في الدولة الكبرى ويتمنون لها حسن الخاتمة .