محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    مقتل البلوغر العراقية الشهيرة أم فهد    محمد وداعة يكتب: المسيرات .. حرب دعائية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    إسقاط مسيرتين فوق سماء مدينة مروي    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    كهرباء السودان: اكتمال الأعمال الخاصة باستيعاب الطاقة الكهربائية من محطة الطاقة الشمسية بمصنع الشمال للأسمنت    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(أبوالعفّين) مرةً أخرى..!ا
نشر في الراكوبة يوم 20 - 01 - 2011

على المعارضين لنظام الإنقاذ أن يكفوا عن الدعوة للإطاحة بالحكومة. (أبوالعفّين) يتكفّل بذلك !
فتصريحاته كلها خلال الأيام الماضية تشكّل مادةً خصبة لإثارة الشعب السوداني وتحفيزه من أجل اقتلاع (أبوالعفّين) من جذوره. ويبدو أن (أبوالعفّين) هذه الأيام مصابٌ ب(داء الكلام). فهو لا يكف لحظة عن الحديث. وليته كان حديثاً مفيداً موضوعياً ومنطقياً. إنه من الشاكلة التي يُطلق عليها السودانيون في عاميتهم المبدعة (هردبيس) !
(أبوالعفّين) بطبيعة الحال لم يقرأ مقولة النفّري: "كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة". لكن ذلك لمن أوتي نصيباً عظيماً من الحكمة والتأمل. و(أبوالعفّين) معذور، فهو لا يقرأ. وكيف يجد متسعاً من الوقت للقراءة؟ و(أبوالعفّين) لا يفكّر. وكيف لمن أدار جهاز الأمن بعقلية (بيريا) الرهيب في عهد الرئيس جوزيف ستالين أن يفكّر. (بيريا) كان رجلاً يخلو من الاحساس علاوةً على ضآلة قدراته العقلية. (بيريا) كان مجرد (زر) في آلة القتل والعنف الروسية العملاقة. استخدمه ستالين لتصفية رفاقه في الحزب البلشفي. (بيريا) هذا لاحق واحداً من (مفكري) الثورة الروسية العظام، تروتسكي، إلى المكسيك وقتله هناك. لابد أن الأمر كان ينطوي، إضافة إلى أوامر ستالين، على احساس شخصيٍ بالحقد على تروتسكي. فالإثنان على طرفي نقيض. تروتسكي مثقف ومؤلف لم يطوه النسيان رغم مقتله. و(بيريا)، (أبوالعفّين روسيا) كان محدود المقدرات إلا في جانب العنف.
(أبوالعفّين) يشعر بالحقد ذاته على بعض قادة المعارضة لأنهم مثقفون وهو كما خلقته أمه في مجال الثقافة والوعي. وهم ناضجون فكرياً، وهو لا يختلف كثيراً في وعيه السياسي عن تلاميذ المدارس الإبتدائية. وهم مسالمون وعفيفو اللسان، وهو لا يملك إسهاماً وطنياً غير عنفه وبذاءة لسانه.
وعيُّ تلاميذ المدارس الإبتدائية هذا يمثل (نسقاً) مضمراً وظاهراً في طريقة تفكير وتعبير (أبوالعفّين) الذي يمثل (ظاهرةً) فريدةً من نوعها في السياسة السودانية الموبوءة منذ 21 سنة بضحالةٍ لا نظير لها وجهالات بالغة وازدراء بالعقل.
(أبوالعفّين) في آخر تجلياته الصبيانية قال:(الداير يقلع الحكومة يقوي ضراعو)، وأضاف: (نحن بنجهز ليهو ضراع قوي من عندنا). (أبوالعفّين) حسب تصريحات له لدى مخاطبته شورى المؤتمر الوطني في ولاية الجزيرة، طبقاً لصحيفة (الرأي العام) أكّد أن (الإنقاذ هي التي حفظت للسودان ماء وجهه بالشريعة الإسلامية) !!.
(الداير يقلع الحكومة يقوي ضراعو) !! و(نحن بنجهز ليهو ضراع قوي من عندنا) !!
بالله عليكم هذا (أستاذٌ جامعي) أم (فتوّة) جاهل من فتوّات الروائي المصري نجيب محفوظ؟
(بيريا) الروسي ذاته كان يعمل في صمت. لكن (أبوالعفّين) يذهب بالشطط السياسي إلى مداه الأبعد.
(أبوالعفّين) يدرك أن أجهزة أمنه تصدت بعنف بالغ خلال الأسابيع الثلاثة الماضية لمسيرات سلمية في شندي وفي مدني والحصاحيصا والفاشر. أردت طالباً جامعياً على الأقل في الفاشر، وشجّت رأس شيخٍ أنصاري في ال 74 من العمر. وحطمت ساعد الدكتورة مريم الصادق.
(أبوالعفّين) يستفز الشعب السوداني كلّه بتصريحاته هذه، لأنه لا يرى فيه إلا شعباً جباناً مستسلماً لقدره ومستسلماً ل(أبوالعفّين) ليفعل فيه ما يشاء !
(أبوالعفّين) يطلق سيل التصريحات المستفزة البذيئة هذا لأنه خائف. خائفٌ من تنامي الاحتجاجات ومظاهر الرفض الشعبي. (أبوالعفّين) يحاول الكذب على الشعب بوعود (هلامية) حول مفاجآت نفطية بعد 9 يوليو المقبل. هذا لأنه يريد اسكات الشعب إلى يوليو المقبل. حسناً فلنقل إن كل شبر في السودان، أو ما تبقى من السودان نضح نفطاً، فما الذي سيجنيه الشعب؟
ما الذي جناه الشعب السوداني طيلة السنوات العشر الماضية من النفط الذي تدفق على (أبوالعفّين) ورفاقه في المؤتمر الوطني، ومتوسط دخل الفرد السوداني يومياً أقل من دولار أميركي واحد، طبقاً لمجلة (قلوبال فاينانس)؟
(الداير يقلع الحكومة يقوي ضراعو) !! و(نحن بنجهز ليهو ضراع قوي من عندنا) !!
(أبوالعفّين) لا ينسى أن هذا الشعب هو الذي انتصر في (شيكان) و(قدير)، وهو الذي مرّغ أنف وكرامة الجنرال غوردون – ناهيك عن (أبوالعفّين) – في التراب، وصعد إلى المشانق بعزةٍ وكرامة كما فعل (ودحبوبة)، وانتظر الموت على (فروته) كما فعل الخليفة عبدالله التعايشي، وقابل الموت بوجهٍ باسم كما فعل الأستاذ محمود محمد طه.
(أبوالعفّين) لا ينسى هذا كله، كما لا ينسى (أكتوبر) و(أبريل)، لكنه يريد أن يوهم نفسه بأنه هو وأجهزته الأمنية أقوى من الشعب.
(أبوالعفّين)، ربما لا يعرف أن (العهد القديم) ذكر بسالة (الكوشيين)، أجدادنا: (يا أرض حفيف الأجنحة التي في عبرِ أنهار كوش، المُرسلة رسلا في البحر وفي قوارب من البردي على وجه المياه.اذهبوا أيها الرسل السريعون إلى أمةٍ طويلة وجرداء، إلى شعبٍ مَخُوفٍ منذ كان فصاعدا، أمةِ قوةٍ وشدةٍ ودوس.قد خرقت الأنهار أرضها.يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض، عندما ترتفع الراية على الجبال تنظرون، وعندما يُضربُ بالبوق تسمعون)
(أبوالعفّين) لا يعرف نضالات قبيلة دينكا أقار – مثلا – بقيادة ميانق ماتيانق ضد المستعمر البريطاني. ولا قبائل الدينكا والشلك والنوير التي قاتلت المستعمر البريطاني طويلاً، ولا قبيلة الزاندي التي انتفضت ضد المستعمريين في 1905.
لا يعرف (أبوالعفّين) أن شعراء بريطانيا "العظمى" تغنوا ببسالة وشجاعة محاربي قبائل البجة في شرق السودان. ولا الأدوار الكبيرة التي لعبها مناضلون عظماء في جبال النوبة ضد المستعمر مثل السلطان عجبنا، أو دور السلطان بحر الدين، سلطان المساليت في مقاومة الجيش الفرنسي الذي كان يحاول التسلل إلى دارفور.
نعم يا (أبوالعفّين)، نحن لسنا بحاجة لشاب يحرق نفسه كي تتفجر الثورة، لأن الثورة في دمنا الباسل كما ذكرنا (العهد القديم). الثورة في دمنا مثلما كانت في دم أجدادنا الذين ماتوا بشمم وإباء في (كرري).
(أبوالعفّين) يقول إن (الإنقاذ هي التي حفظت للسودان ماء وجهه بالشريعة الإسلامية) !!.
لن نرد على (أبوالعفّين)، ولنقرأ ما ذكره مثقف عروبسلاموي بارز في 2006 هو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني (مستشار رئيس الجمهورية حاليا):
"أشد الادواء التي اصابت الحركة الاسلامية هو الاحساس الذي انتاب كثيرا من اعضائها بتآكل المشروعية وفقدان المصداقية الذاتية الذي اضعف الايمان بالنفس وبأحقية المطلب الذي اجتمعوا عليه وتواثقوا على نصرته ، مشيرا الى ان ذلك قاد الى ضمور العمل الاسلامي وسط التيارات الحية والمتجددة في المجتمع ، والتي كانت للحركة الاسلامية الصدارة فيها على من سواها" !!
إذا كان هذا هو "احساس" أعضاء الحركة الإسلاموية حسب التعبير "الرومانسي" الرقيق للدكتور غازي صلاح الدين، وهو تآكل المشروعية، وفقدان المصداقية الذاتية "الذي أضعف الايمان بالنفس وبأحقية المطلب الذي اجتمعوا عليه وتواثقوا على نصرته"، إذا كان هذا هو "احساس" أعضاء "النظام"، تُرى ما الذي حلّ بالملايين الذين اكتووا بهذا المشروع؟ وإذا كان هذا رأي واحد من غلاة العروبسلامويين، وواحد من زعاماتهم، فما الذي تبقى في مشروعيتهم في نظر المواطن السوداني الذي تجرّع السمّ دفعة واحدة، فأُلقي به في الشارع، وحُرم الحق المجاني في العلاج ليموت على أرصفة الخرطوم، وحُرم حقّ تعليم أبنائه مجاناً، ولا يزيد متوسط دخله اليومي عن دولار؟
هل يسرق؟
لكنّ القوانين تردعه بقطع اليد !
هل يتسوّل؟
لكن الشحذة ستريق ماء وجهه !
هل يقبل الرشوة؟
لكن دينه يحذره من ذلك !
هل يغض الطرف عن ابنته إذا كسبت المال عن طرق غير مشروعة؟
لكن ذلك حرام وربما يجلب له العار !
ماذا تبقى غير أن يتوكل على الله ويعلن انضمامه إلى جماعتهم ليحصل على "الفتات" من موائدهم، عسّاه ينتقل من خانة وطأ الجمر إلى خانة "الاحساس" بالألم كون المشروع "فقد مشروعيته"؟
هذا هو السبيل الوحيد الذي تركته جماعة (أبوالعفّين) أمام بعض الناس. لكن الغالبية العظمى استنكفت عن هذا الطريق الذي منتهاه (قتل الضمير) و(بيع الذات) بثمن بخس.
إن لله جنوداً من عسل - حسب تعبير الخليفة الأُموي -، وجنوداً من تضييق، وجنوداً من إفقار، وجنوداً من إراقة ماء الوجه، وجنوداً من تدجين !
ولنقرأ مرة أخرى للدكتور حسن مكي (أحد المثقفين العروبسلامويين البارزين):
"ما جدوى هذا المشروع الحضاري إذا كان الاتجاه العام للحياة في السودان يمضى لانكماش وانقباض وتأزم , وأنها ماضية إلى المزيد من الأزمات نتيجة للانخفاض المستمر في قيمة الجنيه, ونتيجة للتضخم, ونتيجة للخلل في السياسات الاقتصادية" .
ويمضي لما هو أهم، بل هو جوهر المسألة:
"إن الإسلام يقوم على النموذج والقدوة وما زالت الأوضاع في السودان بعيدة عن حضارة النموذج." ورصد ما طرأ من تغيرات على حياة الإسلامويين: " إن هذه الفئة الجديدة تستفز المواطنين بمسكنها وملبسها ومأكلها ومركبها"
ولنذكر هنا أن البند الثاني من بنود "أهداف" حزب المؤتمر الوطني (العروبسلامويين) عبر مرسومه الأساسي، يؤكد "حاكمية الله" !!
والحقيقة طبعا أن الإسلام عبر شخوصه لا يحقق عدلا ولا دولة كفاية ولا يكفل حقوقا انسانية - من خلال الحكم - لأنه ما من وسيلة لمراقبة "خائنة الأعين وما تخفي الصدور". ولا سبيل لمحاسبة الحاكم "الفاسد" الذي يرفع المصحف بيمينه. ولا يمكن لأي مواطن أن يعترض على أي أمر، لأن الحاكم أشبه ب"ظل الله على الأرض"، ومعارضة الدولة، هي معارضة الله !!
الإسلام يمكنه تحقيق ذلك كله من خلال الفرد. فالتكليف فرد، والحساب فردي. والدولةُ "مؤمنة" كانت أو "كافرة" لن تُحاسب يوم القيامة. والحديث، مجرد الحديث عن دولة إسلامية ليس كافياً أبداً لقيامها. بل لا معنى لها أبداً إن لم تكن عملاً محسوساً دون هياج وصراخ بأن أنظروا، ها هي دولتنا الإسلامية. هذا سلوكٌ طفولي. الله قد ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. هذه المقولة الذهبية التي تنهض من بطن التراث الإسلامي تعني أن العدل هو الأساس بنظر الإسلام، لا الترديد كالببغاوات بأن "هذه دولة إسلامية"، تعني أن مقاصد الإسلام هي مطلب الدولة، لا الشعارات. ومقاصد الإسلام هي العدل والمساواة والرحمة. هي لا ضرر ولا ضرار. هي القدرة على محاسبة الحاكم ونقده وتغييره بالطرق السلمية. هي احساس المواطن بمشروعية وجوده في الدولة، لا خوفه من ظله وبيع نفسه في مزادٍ سياسي أحادي ليتمكن من تدبير ثمن الدواء.
الدولة التي لا تستطيع أن ترفع متوسط دخل الفرد فيها إلى ما هو أكثر من نصف دولار عليها أن تصمت عن أي حديث عن الدين.
عليها أن تطعمنا من جوع وتؤمننا من خوف أولاً قبل أن تأمرنا بالفضيلة.
الدولة التي لا توفر لنا علاجاً مجانياً وتعليماً مجانياً عليها أن تكف عن ترديد الشعارات. فالشعارات في هذه الحالة "كلمة حق أُريد بها باطل".
الدولة التي لا تحصّن مجتمعها ضد الفقر والعوز والجوع عليها أن تخجل من قرن نفسها بالدين، أي دين.
الدولة التي تفعل ذلك هي دولةٌ ضد الإنسان وضد تكريمه الذي أكرمه به الله سبحانه وتعالى.
الدولة التي تقتل بدمٍ بارد، وتستخدم العنف في أقصى صوره لا تستحق أن تحمل صفة الإنسانية.
الدولة التي تفعل كل ذلك وتكذب على شعبها بإسم الدين، أي دين، هي عارٌ على الدين.
دولة (أبوالعفّين) هي دولة الشعارات بلا منازع، لا دولة الفعل والعدل والرعاية الإجتماعية والكفاية. لذا يجب أن تذهب. لا نريد شعارات، بل نريد أن نأكل ونتعلم.
ولأننا حين نتحدث عن محض شعارات انسحبت على كل شيء حتى الدين لم نبارح الحقيقة قيد أُنملة. فلنقرأ من البيان الأول للسيد عمر البشير:
"لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول علي ضرورياتهم إما لانعدامها أو ارتفاع اسعارها مما جعل الكثير من أبناء الوطن يعيشون علي حافة المجاعة وقد أدي التدهور الاقتصادي إلي خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج بعد أن كنا نطمع أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود" !!
لا تعليق سوى أن النتيجة، نتيجة الشعارات والاستبداد كانت خراباً شاملا. رفعُ الشعار الديني وحده غير كافٍ. الأهم من الشعار هو العمل الجاد. فالعمل قيمة دينية وقيمة دنيوية. وبالعمل - لا الهتاف - تعمر البلدان. ولا أدري كيف يبرر السيد البشير ورفاقه هذه النتيجة التي آلت إليها الزراعة في السودان رغم سياساتهم "غير الرعناء"؟ وماذا إذا كان بشرنا في صبيحة 30 يونية 1989 بتطبيق سياسات "رعناء"؟
ما جرى ببساطة هو أن الدولة كفّت عن تقديم أيّ خدمة للمواطن "السعيد". فهي تغلّبت على مشكلات صفوف الوقود "المدعوم" في العهد الديمقراطي، وصفوف الخبز "المدعوم" في العهد الديمقراطي، وصفوف السكر "المدعوم" في العهد الديمقراطي بحلٍ كان سهلاً وبسيطاً أمام الحكومة الديمقراطية "الرعناء"، لكن العقول الجبّارة التي كانت تحكم آنذاك لم تتنبه لسهولة الحل الذي أخرجه "حاوي" إنقلاب الإنقاذ من جيبه، صائحاً صيحة أرشميدس الشهيرة: وجدتها ..وجدتها !
الحلُّ بسيط، لكن "رعونة" الحكم الديمقراطي حالت دون رؤيته. الحل: رفع الدعم !
فبدلاً من الفوضى التي تنشأ عن صفوف المواطنين الذين كانوا يفضلون الخبز المدعوم والسكر المدعوم والوقود المدعوم عوض الابتياع من "السوق السوداء"، رفعت الدولة يدها عن تلك السلع، وتركت المواطنين لغول "السوق السوداء" التي استحالت بقدرة قادر إلى "سوق بيضاء" برعاية الدولة و"مباركتها" !!
والحكومة الديمقراطية كانت تبدد أموال الشعب في صرف لا معنى له. فهي كانت تنفق مئات الملايين من الدولارات على التعليم والعلاج المجانيين. وكان بمقدور أيّ طالب متفوّق في الجامعة أن يتعلم تعليماً فوق جامعي في بريطانيا – مثلاً – على حساب الدولة. وكان المزارعون والرعاة والعمال يحصلون على علاجٍ مجاني. كل ذلك الصرف "البذخي" على أمور غير ضرورية كان على حساب الأولويات: القطاع السيادي (القصر الجمهوري) الذي يستأثر ب 100 مليون دولار شهرياً، أي مليار ومئتي مليون دولار سنوياً، والأمن والجيش اللذان يحوزان على 74% من الميزانية. لم يبق شيء يُذكر للمسائل ذات الأولوية المتدنية كالتعليم والعلاج. يمكن للمواطنين – الذين لا يتعدى متوسط دخلهم دولار يومياً – أن يتكفلوا بذلك !
أرأيتم؟؟
إنها حلولٌ في غاية السهولة، لكن ماذا نفعل مع العقول التي كانت تحكمنا 1986 – 1989؟
لا، بل وإن عنّ لهذه الحكومة "الرعناء" أن تنقص من دعمها للسكر مثلا بضعة قروش، ثارت ثورة الشعب السوداني في ما تسمّيه أدبيات "إنقلاب الإنقاذ".."فوضى" ! إذ كيف يُسمح للشعب السوداني أن يعبّر عن رأيه في أمرٍ يخصه في ظل وجود حكومة "غير رعناء"؟
الرعونة ألا تُطلق الرصاص الحيّ على المحتجين على أيّ أمر يخصهم كما جرى لمواطنين في كجبار شمال السودان، وبورتسودان شرق السودان على سبيل المثال. هذا ما يُسمى "هيبة الدولة". فالدولة "الإسلامية" ينبغي أن يهابها الجميع، غضّ النظر عن أن رسول كسرى إلى رئيس دولة المؤمنين أتاه فوجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يغط في النوم تحت شجرة. ومن الغرابة - طبعاً - النظر إلى فعلٍ كهذا على أنه فعلٌ يمثل "هيبة الدولة"، فكيف لدولة مهابة أن تنام تحت شجرة دون أن تسبقها سيارات النجدة والشاحنات الصغيرة الملأى بالجنود المدججين بالسلاح؟
كيف للدولة أن تسعى بين الناس دون أن تكون "دابتها" سيارات "البي إم دبليو" و"المرسيدس" من آخر طراز، وبألوانٍ مختلفة، ربما واحد للأوقات الصباحية والآخر للأوقات المسائية، إذ لا يُعقل أن تلتقي الدولة بضيوفها وبشعبها بلون السيارة ذاته في الصباح وفي المساء !!
سنغض الطرف أيضاً عن أن رئيس الوزراء السابق لم يتقاض راتباً من الدولة، وكان يطلب طعام غدائه له ولطاقمه من بيته. كيف للدولة ألا تُظهر هيبتها بطلب طعام الغداء من فنادق النجوم الخمس في الخرطوم، وليذهب التلاميذ المطالبين بمجانية التعليم، والمزارعين المطالبين بمجانية العلاج، ليذهبوا جميعاً إلى الجحيم. ولتقتل حكومة (أبوالعفّين) واحداً منهم في الفاشر (20 يناير 2011) !!
السياسات "غير الرعناء" أذاقت الشعب السوداني الأمرين. ف90% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر (إذا كان متوسط دخل الفرد يقل عن دولار يوميا فماذا نتوقع)، ويعيش 20% من السودانيين خارج وطنهم في رحلات البحث عن لقمة عيش. وعلى الرغم من رفع الدعم عن السلع الضرورية وإلغاء مجانية العلاج والتعليم، فإن الحكومة "الإسلامية" فرضت على مواطنيها الفقراء ضرائب باهظة للغاية. كانت الحكومة الديمقراطية تفرض ضرائب معقولة في مقابل خدمات محسوسة يحصل عليها الناس مثل مجانية التعليم والعلاج ودعم السلع. لكن هذه الخدمات أضحت شؤوناً لا تتعلق بالدولة، فما معناها الاقتصادي إذن؟
ويكون الأمر منطقيا لو أن رجالات دولة الإسلام السياسي يعيشون بالكيفية ذاتها التي فرضوها على المواطن السوداني. فقد كانت جملة الاعتداءات على المال العام، باستثناء قطاع المصارف من سبتمبر 2004 وحتى نهاية اغسطس 2005 تقدر ب(542 مليون دينار، يعني 5 مليارات جنيه)، ولنلاحظ أن ما تم تخصيصه لجهاز الدولة من ميزانية العام 2003 (أي العام السابق) كان 913.000 مليار جنيه.
كانت جرائم سرقة المال العام وصلت إلي 813 مليون دينار (8 مليار جنيه) في 2002 لم يسترد منها الا 8.32 مليون دينار أي 9% تقريبا. المفاجأة المزلزلة فعلا، هي أن الاعتداء علي مال الزكاة كانت نسبته 11% من إجمالي المبالغ المسروقة. هذا يعني أن أموال "السائل والمحروم" التي تقوم بجمعها دولة الإسلام السياسي، من "السائل والمحروم" ذاته، سرقت منها أكثر من مليار جنيه!!
ولنقرأ مرة أخرى بتمعن، ففي 2003 هدد العاملون في 21 ولاية بالإضراب عن العمل لذات الأسباب. وكانت مطالبهم وقتها لا تتعدى 6 مليار جنيه سوداني.
من يسرق، ومن يجوع ؟ من يعتدي على أموال الزكاة، والمال العام؟
حسنا. من يتستر عليهم؟
من يفعل ذلك، خاصةً إذا علمنا بأن غالبية من يعملون في أجهزة الدولة، هم من الإسلاميين؟
وما تم رصده هنا، هو ما تكشف عنه الحكومة بنفسها.وهذا ما تكتب عنه صحافة الخرطوم المراقبة. وبالطبع فإن أرقام الاعتداءات على المال العام متواضعة جدا، بالنظر إلى ترتيب السودان المتقدم في الشرق الأوسط وإفريقيا كدولة "فاسدة".
على (أبوالعفّين) أن يدرك جيداً أن غضبة الشعب السوداني بدأت، هدد هو أم لم يهدد. عليه أن يفهم أن الطرف الذي ينبغي أن يخاف هو الطرف الأضعف في المعادلة، لا الطرف الأقوى. فلا مجال للمقارنة بين 5% تعيش في 7 كيلومترات في الخرطوم حياة الرفاهية والدلال الكامل، وبين نحو 95% لا يعيشون البتّة.
على (أبوالعفّين) أن يدرك أن الجنرال غوردون سبقه إلى التهديد، وكذا فعل الجنرال إبراهيم عبود والجنرال جعفر نميري، فماذا كان مصيرهم؟ ذهبوا وبقي الشعب السوداني صانع الثورات. وستذهب أنت يا (أبوالعفّين) إلى موئلك الطبيعي الذي تستحق، وسيبقى الشعب السوداني العظيم..علماً بين الأمم
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.