رغم فتوى الشيخ يوسف القرضاوي بحرمة تصويت المسلم الجنوبي لصالح انفصال جنوب السودان عن شماله، أكد القيادي الجنوبي المسلم، والوزير السابق بحكومة الإنقاذ عبد الله دينق أنه أدلى بصوته لصالح «الانفصال»، قائلاً: إن الحكمة تقتضي السباحة مع تيار الانفصال الغالب في الجنوب. وفي حوار مع مراسل «أون إسلام» بالخرطوم، قال دينق إن «الشيخ القرضاوي لا يعرف حقائق الواقع الذي نحن فيه ولا اتجاهاته، وتابع: «نحن نعيش في مجتمع متنوع عرقياً ومتعدد دينياً والمسلمون فيه أقلية..». وعن أسباب اختياره التصويت لصالح الانفصال كشف دينق أن تيار الانفصال هو التيار الغالب، وأن الحكمة تقتضي «السباحة مع هذا التيار»، مؤكداً أن موقف حزبه من قضية تقسيم السودان هو القبول بانفصال الجنوب إذا اختار أهل الجنوب الانفصال عن الوطن، بالإضافة إلى وجود إجراءات للاستفتاء تتّسم بالشفافية والنزاهة. القيادي الجنوبي عبد الله دينق نيال، من مواليد منطقة بور بجنوب السودان، وهي نفس المنطقة التي ينحدر منها جون غارنغ مؤسس الحركة الشعبية لتحرير السودان، الذي وقع اتفاقية سلام مع الحكومة السودانية عام 2005 بعد عشرين عاماً من الحرب الأهلية بالجنوب. وينحدر دينق من أسرة كبيرة بالجنوب، ودرس المرحلة الجامعية بالأزهر الشريف، وتولى منصب أول وزير للإرشاد والأوقاف في حكومة الرئيس عمر البشير عام 1989، وشغل في التسعينات منصب وزير السلام وإعادة التعمير، وقدمه حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه حسن الترابي مرشحاً لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات السودانية التي جرت في نيسان 2010م. وساهم دينق في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغة الدينكا، وهو عضو في «المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان». وفي ما يلي نص الحوار: - أعلنت أنك صوّت لصالح انفصال الجنوب عن شمال السودان، فهل يتسق هذا مع فكر الحركة الإسلامية السودانية التي تنتسبون إليها؟ * نعم يتفق هذا الموقف مع فكر الحركة الإسلامية، وهو فكر يجيز حرية الاختيار للإنسان لما يراه صالحاً وصائباً.. حتى المواطنة والوحدة في فكرنا تقوم على الطوع والاختيار لا الإكراه، هكذا فكّرنا في المؤتمر الشعبي. وإذا اختار أهل الجنوب الانفصال عن الوطن وتأسيس دولة مستقلة فإننا في المؤتمر الشعبي سنرحب بهذا الاختيار إذا اتسمت إجراءات الاستفتاء بالشفافية والنزاهة. - مبدأ الحرية المطلقة للأقاليم الجنوبية قد يفتح الباب لأقاليم أخرى أن تنفصل عن جسد الوطن؟ * صحيح سيحدث ذلك إذا استمرت سياسة حزب المؤتمر الوطني (الحاكم) السيئة، التي فشلت في إدارة التنوع الديني وإدارة الشأن العام وكبتت الحريات العامة، فإن العاقبة ستكون انفصالات أخرى هنا وهناك. - تحدثت في المؤتمر الشعبي قبل عدة شهور أنكم مع الوحدة الطوعية، والآن أنت اقترعت لصالح الانفصال، فلماذا هذا التناقض؟ * الآن إرادة الانفصال هي الموجة الغالبة عند أكثر الجنوبيين والتيار العام في الجنوب، ونحن نريد أن نسبح مع هذا التيار أيضاً، لأسباب سنفصح عنها في حينها. - هل هي أسباب شخصية أم أسباب خاصة بحزب المؤتمر الشعبي؟ * هي أسباب عامة وليست شخصية ونرجو أن نحقق من خلال هذا الموقف بعض المصالح العامة، ولا أستطيع أن أقول لك أكثر من ذلك. - هل تأييد الانفصال هو موقفك الشخصي أم موقف كل المسلمين الجنوبيين في حزب المؤتمر الشعبي الذي تنتمي إليه؟ * ترك حزبنا (المؤتمر الشعبي) لمسلمي الجنوب اختيار الموقف الذي يراه كل واحد منهم صواباً في قضية الوحدة والانفصال. - أفتى الشيخ يوسف القرضاوي وأيد فتواه مجموعة كبيرة من العلماء بحرمة تصويت المسلم الجنوبي لصالح الانفصال، فما موقفكم من هذه الفتوى؟ * مع تقديري واحترامي للشيخ يوسف القرضاوي وللسادة العلماء إلا أنهم لا يعرفون حقائق الواقع الذي نحن فيه ولا اتجاهاته، وهم يفتون من خلال وجودهم في مجتمع متجانس دينياً بل مسلم 100%، ونحن نعيش في مجتمع متنوع عرقياً ومتعدد دينياً والمسلمون فيه أقلية، نحن لا نعيش في ذات الظروف التي يفتي فيها الشيخ القرضاوي ولذا فإن فتواه تصبح محل نظر. - هل تعني أن هناك رؤية أو فتوى أخرى تبيح للمسلم الجنوبي أن يقترع لصالح الانفصال؟ * إذا كان هدف الاجتهاد في الإسلام هو تحقيق أرجح المصالح فإن للمسلمين الجنوبيين فسحة في اختيار الموقف الذي يحقق مصالحهم ، ولا أظن من مصلحتهم ألا يقفوا الآن معارضين لهذا التيار. - نجد الآن الإسلاميين الجنوبيين ممزقين بين حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) وحزبكم المعارض (المؤتمر الشعبي)، وبينكم من الخلاف ما لا يخفى.. فما هو الأفق أمام المسلمين في جنوب السودان؟ * نحن نتجاوز انتماءاتنا الحزبية كمسلمين جنوبيين ونعمل معاً، وقد كوّنا «المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان» الذي يجمع مسلمين جنوبيين من كل ألوان الطيف السياسي، ونعمل بتنسيق ومساعدة من حكومة جنوب السودان والحكومة المركزية في الخرطوم، لخدمة مصالح مسلمي الجنوب وحماية حقوقهم. - هل هذا المجلس صيغة حزبية جديدة للمسلمين في جنوب السودان؟ * ليس حزباً سياسياً بل هو جمعية طوعية. - إذن كيف تخاطبون قضايا المسلمين وبعضها قضايا سياسية من خلال جمعية خيرية طوعية؟ * نحن من خلال هذا المجلس أدرنا حواراً طويلاً مع حكومة الجنوب حول قضايا المسلمين ومشكلاتهم، وأوضحنا لهم أن المسلمين جزء من جنوب السودان، وأن المسلمين الجنوبيين «مفردة» من مفردات المجموعة الجنوبية ولن تكون هذه الكتلة مفيدة بغياب أو تغييب المسلمين، وكان حواراً جاداً وعميقاً، وقد أعلنت حكومة الجنوب تبنيها لتوصيات هذا الحوار. - هل أنتم واثقون من أن حكومة الجنوب لن تنكص عهودها معكم؟ * نحن واثقون من حكومة الجنوب القائمة الآن، ولا نتكهن بما يحدث في المستقبل، لأن الانفصال سيفرز –بلا شك– واقعاً جديداً على جميع المستويات. وما سنحرص عليه في كل الأحوال هو إقرار الدستور الجديد في جنوب السودان، وفيه حق اختيار العقيدة وممارسة شعائرها وضمان حق التجمع وتكوين الجمعيات والأحزاب. وهذه الحقوق منصوص عليها في دستور الجنوب الانتقالي ودساتير الولاياتالجنوبية، وسنحرص نحن مسلمو الجنوب على أن تتأكد هذه الحقوق والمبادئ في الدستور الجنوبي الجديد بعد الانفصال، ونلاحظ أن هذه المبادئ والحقوق عامة لكل الجنوبيين ويشمل ذلك بالطبع المسلمين الجنوبيين. - في ظل هذه التداعيات هل ترى من الضروري أن يبادر المسلمون الجنوبيون بالعودة إلى جنوب السودان لتأمين هذه الحقوق؟ * نحن مع الحرية وحق الاختيار الحر لكل واحد في كل موقف، وأي مسلم جنوبي حرّ في اختيار البقاء في الشمال أو العودة إلى الجنوب، ونترك لكل فرد أن يقدر أيهما أصلح له وللإسلام في المرحلة المقبلة. - على مستواك الشخصي، ما هو اختيارك؟ * سأذهب إلى الجنوب مع البقاء جزئياً في الشمال، فأنا مواطن أصيل في الدولة «السلف» وسأكون مواطن أصيل أيضاً في الدولة «الخلف». - هل سيؤسس المؤتمر الشعبي حزباً في جنوب السودان بعد إعلانه دولة مستقلة؟ * لن نؤسس حزباً في هذه المرحلة ولكننا سننتظر ما تتجه إليه الأوضاع في جنوب السودان.. قد نؤسس حزباً بذات المسمى هناك، وقد نؤسس حزباً جديداً مع آخرين في جنوب السودان.. على كل حال لن نقف مكتوفي الأيدي في الجنوب. - بعض المصادر تقول إن شقيقة سيلفا كير (رئيس حكومة الجنوب) متزوجة من مسلم، وأن أحد أبنائه يدين بالإسلام، هل هذا صحيح؟ * عموماً الأسرة الجنوبية الواحدة فيها المسلم وفيها المسيحي وفيها من لا يدين بأي منهما، وأنا شخصياً شقيقتي قسة مسيحية وتقيم الآن معي في بيتي، ولا أعلم إن كانت شقيقة سلفا كير مسلمة أو متزوجة من مسلم.. وإن صح ذلك فلا تستغرب له، فهناك تسامح ديني على مستوى المجتمع في جنوب السودان. الامان