ملف قطر الذي أبهر العالم لساعات فقط، ما فتئ يفقد بريقه أمام ارتفاع درجات الحرارة في صيفها، وملف الفساد والرشاوى، وملفها الحقوقي الأسود. بقلم: سعيد الكتبي قريباً سيجتمع الاتحاد الدولي لكرة القدم ليعلن سحب تنظيم كأس العالم من الدوحة، واختيار دولة أخرى لتنظيم هذا الحدث في عام 2022. ليس الأمر نبوءة، ولا يحتاج إلى كثير من التحليل والتمحيص، فعلى الرغم من الحديث عن الفساد في أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم، والرشاوى التي قدمتها قطر لبعض أعضاء اللجنة العمومية فإن بقية الأعضاء الذين منحوا الدوحة أصواتهم إنما فعلوا ذلك لواحد من أمرين: أولهما الجهود الخليجية التي وقفت مع قطر حينها، وثانيهما الاقتناع بأن دولة خليجية تملك إمكانات مادية كبيرة مثل قطر وتحظى بدعم ومساندة جيرانها الخليجيين قادرة على تنظيم كأس العالم من خلال توفير العوامل الموضوعية وتحقيق الشروط التي يتطلبها هذا التنظيم. غير أن ملف قطر الذي أبهر العالم لساعات فقط، ما فتئ يفقد بريقه يوماً بعد يوم، بدءاً من مسألة درجات الحرارة المرتفعة في صيف قطر، مروراً بملف الفساد والرشاوى الذي فاحت روائحه في كواليس الاتحاد الدولي، وانتهاء بقضية حقوق الإنسان التي أثارتها منظمات حقوق الإنسان في أكثر من مكان. قد يكون ما دفعته قطر من مال قادراً على جعل "الفيفا" يتعامى عما يجري في قطر من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان في مجال العمالة التي تقوم بتنفيذ البنية التحتية، ولاسيما بعد وفاة أربعة وأربعين من العمال النيباليين جراء ظروف العمل غير الآمنة، وما صرحت به سفارة الهند كذاك عن أرقام مقاربة لوفيات بين العمال الهنود.ولكن الفيفا لن يغامر بإقامة كأس العالم في دولة تعرّض نفسها وجيرانها لخطر مقبل يقوّض الأمن والسلام في المنطقة كلها. تؤوي قطر الإرهابيين في دوحتها، وتدعمهم في كل مكان آخر، وتشتري بعضهم لتسوقهم إلى هذه الدولة أو تلك، وتفتح لهم منابرها الإعلامية ليبثوا أفكارهم وسمومهم، فأين هذا كله من رسالة المحبة والسلام التي ينبغي للرياضة والاتحاد الدولي لكرة القدم أن يكرساها. تحتاج كأس العالم إلى ظروف أمنية مثالية حتى تجذب إليها الجمهور من كل دول العالم؛ إذ لا يمكن لأحد أن يتخيل إقامة هذه البطولة من دون جمهور، فكيف سيأتي الناس إلى الدوحة بعد كل ما حدث ويحدث، وكيف يمكن للفيفا أن يطمئن إلى تنظيم البطولة في دولة قد تغلق جارتها الكبرى ورئتها الوحيدة على اليابسة حدودها البرية والجوية في وجهها، ما يعني أن صعوبات وعوائق كثيرة ستواجه شركات الطيران التي قد تضطر إلى تغيير مسارات رحلاتها ما يجعلها أطول وقتاً وأكثر كلفة؟. وكيف سيوافق الفيفا على استمرار الدوحة في تنظيم هذا الحدث بعد أن فقدت عوامل كثيرة أُخذت بعين الاعتبار عند دراسة الملف القطري؟ فلا شك أن استخدام مطارات الدول المجاورة وفنادقها ولاسيما البحرين والسعودية كان في حسبان الفيفا حين ناقش قضية تدفق الجمهور وحضوره إلى الدوحة، وهو بالتأكيد قلقٌ الآن مما يسمعه عن العلاقات المتوترة بين قطر وجيرانها، وهو لا يمكن أن يغامر بجعل آلاف الرياضيين والمشجعين يأتون إلى دولة تحوّلت إلى حقل ألغام يمكن أن تنفجر واحداً تلو الآخر أو مجتمعة في أي وقت. لقد بات صلف القطريين وتعجرفهم فوق كل تصور، فكأنهم أكثر من ينطبق عليهم قول الشاعر: "إن الزرازير لما قام قائمها،،، توهمت أنها صارت شواهينا". وهم لا يدركون أن تعنتهم هذا لن يجر عليهم إلا الويلات والثبور، وأن تماديهم في الخطأ يزيدهم ضعفاً وعزلة كل يوم. وإذا كانت المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة قد قبلت في الشهر الماضي وساطة الإخوة والأصدقاء الذي تعهدت قطر أمامهم بأمور كثيرة لم تنفذ منها أي شيء على أرض الواقع، فإن هذه الدول لم يعد لديها وقت لسماع الوعود وانتظار تحققها، ولن يرضيها بعد اليوم إلا إقرار الدوحة بالخطأ واعترافها بالذنب ورضوخها لكل ما يُطلب منها في جميع الملفات، وبغير ذلك ستجد قطر نفسها في نفق مظلم وقعر بئر لن تخرج منه بعد اليوم. ثمة أمر آخر، يزيد من فشل قطر وإخفاقها في الحدث الذي كانت تبني عليه الآمال، وهو أن قطر ربما تكون نجحت خلال السنوات الماضية في استيراد بعض النجاح الرياضي من خلال المال وعبر التجنيس "المبتذل"، وربما كانت فكّرت في شراء أطفال برازيليين من ذوي المواهب الكروية ليمثلوا علم قطر، غير أن الابتذال الذي مارسته قطر في التجنيس دفع لجنة الفيفا المعنية بملف التجنيس إلى وضع قوانين لمواجهة مثل هذا النوع من التحايل، معتبرة أن أي لاعب دولي يجب أن تكون له روابط مع البلد الذي يمثّله.وحددت اللجنة ثلاثة معايير أخرى هي: أن يكون اللاعب مولوداً في البلد المعني بالجنسية، أو أن يكون والده أو والدته قد ولدا في البلد المعني، أو أن يكون جده أو جدته قد ولدا في البلد المعني.ويجب أن يتوافر على الأقل أحد هذه الشروط الثلاثة كي يتمكن اللاعب من تمثيل البلد الذي يعرض عليه الجنسية. على القطريين أن يتذكروا أن سحب تنظيم كأس العالم من بلد وإعطاءه لبلد آخر ليس بالجديد، فقد سبق للاتحاد الدولي أن فعل ذلك في بطولة 1942 حين نقلت كأس العالم من ألمانيا إلى البرازيل بسبب ظروف الحرب وانعدام الشروط الموضوعية للأمن آنذاك، ولهذا لن يتأخر الاتحاد في إعفاء قطر من تنظيم البطولة سنة 2022 في رسالة قوية إلى القطريين مفادها أنه ربما يكون للمال دور في الأمور، ولكن المال من دون عقل وحكمة ورجاحة عقل يصبح عبئاً على أصحابه، ولا يمكن للاتحاد الدولي أن يكافئ دولة تدعم الرياضة بيمناها وتغذي الإرهاب والعنف بيسراها. وإن غداً لناظره قريب. سعيد الكتبي كاتب من الإمارات