كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    تنويه هام من السفارة السودانية في القاهرة اليوم للمقيمين بمصر    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    مطار دنقلا.. مناشدة عاجلة إلى رئيس مجلس السيادة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    بعد حريق.. هبوط اضطراري لطائرة ركاب متجهة إلى السعودية    نهضة بركان من صنع نجومية لفلوران!!؟؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    نتنياهو يتهم مصر باحتجاز سكان غزة "رهائن" برفضها التعاون    شاهد بالصورة والفيديو.. في مقطع مؤثر.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبكي بحرقة وتذرف الدموع حزناً على وفاة صديقها جوان الخطيب    رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة يلتقي اللجنة العليا للإستنفار والمقاومة الشعبية بولاية الخرطوم    شاهد بالصورة والفيديو.. في أول ظهور لها.. مطربة سودانية صاعدة تغني في أحد "الكافيهات" بالقاهرة وتصرخ أثناء وصلتها الغنائية (وب علي) وساخرون: (أربطوا الحزام قونة جديدة فاكة العرش)    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوار من جانب واحد.. البشير ومن حول المائدة يمثلون ايديولوجيا العقيدة والعنصر يحاورون أنفسهم.
نشر في الراكوبة يوم 20 - 04 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد حموده حامد
مقدمة:
الدعوة التي أطلقها الرئيس البشير للحوار الوطني هب لتلبيتها نفر كبير , لكن الذين لبوا الدعوة يمثلون ذات اللفيف الذي تؤلف بين مكوناته ايدلوجيا العقيدة والعنصر اللتان هما اس بلاء السودان : عقيدة الاسلام السياسي الاقصائي المتطرف الذي لا يعترف حتى بالجماعات الاسلامية الأخرى غير المنتمية له , وايدلوجيا العنصر العروبي الاستعلائي الذي يرفض بل ويحتقر الهوية السودانية الجامعة ويحتقر تبعاً لذلك نفسه هو , ناهيك عن الأعراق والعناصر السودانية الأخرى التي تشكل فسيفساء تنوع المجتمع السوداني بتكويناته الافريقية والنيلية والنوبية والبجاوية والزنجية والصحراوية التي تمثلها اثنيات الفور والبجا والهدندوة والنوبة والنوبيين والانقسنا والوطاويط والمحس والسكوت والزغاوة والمساليت وكردفان وتقلي والبديات وغيرها عشرات بل مئات المجموعات الأصيلة أصالة السودان منذ فجر التاريخ . غيبت هذه المكونات العريضة عن مائدة الحوار . من ذا الذي أعطى الحق لهذه المجموعة ان تهيمن وتلغي االمكونات السودانية الأخرى غير الظلم والتجبر والطغيان؟؟ كما غابت ايضاً كل التيارات الفكرية والعقائدية التي لا تنتمي للفكر الأصولي الاقصائي المنغلق :
غاب التقدميون واللبراليون والناصريون والشيوعيون وأحرار السودان وشبابه ومستنيروه واسلاميو الوسط المعتدل , كما غاب عنه ما يربو على ست ملايين من سودانيي الشتات الذين اجبروا قسراً على مغادرة البلاد يضربون في أرض الله الواسعة طفشتهم من البلد ذات المجموعة التي تجلس اليوم لتتحاور (فيما بينها) . الذين لبوا دعوة الحوار هم ذات المجموعة التي تؤلف بينها ايدلوجيا العقيدة والعنصر , جاء وصفهم بدقة على لسان الاستاذ فاروق ابو عيسى بأنهم "ينتمون لذات العائلة" – فأهل العائلة هم سبب كل بلاء السودان ورزاياه بسبب رفضهم الدائم لسنة التنوع الكونية التي جاء ذكرها في محكم التنزيل "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم" (صدق الله العظيم) . هم اليوم يجلسون يحاورون أنفسهم مع تغييب تام لكل مكونات التنوع السوداني الأخرى التي لا تتفق معهم في ايدلوجيا العقيدة والعنصر . ولقد شهدوا عى أنفسهم جميعاً وعلى رؤوس الأشهاد بأنهم قد فشلوا في إدارة التنوع منذ فجر الاستقلال وبزوغ فجر الدولة الوطنية التي ظلوا ممسكين بزمام الامور فيها , يراكمون الفشل بعد الفشل , يجتمعون اليوم لا ليعلنوا للشعب السوداني عن اعتذارهم لفشلهم وخيبتهم بما يحتمه عليهم واجب اللحظة , بل ليجترحوا صيغة محدثة لاستدامة ذات الفشل بائناً من الوهلة الأولى في تغييب متعمد لمكونات التنوع السوداني الاخرى . هذا التغييب والاقصاء الذي ظل ديدن ممارستهم واس فشلهم الذي لازم مسيرة ادائهم في إدارة الدولة حتى اليوم .
ضرورة التصالح مع الذات ثم مع مكونات المجتمع السوداني الأخرى:
يتطلب الحوار الجاد أول ما يتطلب ان يتصالح هؤلاء مع انفسهم , ثم يؤبون الى راكوبة السودان الجامعة , يتصالحون مع حقيقة هويتهم السودانية , ثم يقبلون بمكونات السودان الأخرى: زرقة وصفرة وحمرة وخضرة . الناظر الى مشهد المجتمعين حول المائدة بسيماهم وابهتهم البهية وجلابيبهم والملافح البيضاء الناصعة واللحى المرسلة يدرك للتو الهوة السحيقة والانفصام التام بين هذه الكوكبة المتطلعين دوماً الى الجاه والمال والزعامة والسلطان وبين المجتمع السوداني العريض الذي أفقروه وأصابوه بالجوع والهزال . لم يأتوا يحملون هموم الأسر المفجوعة في موت عائليها في حروب التدمير ولا هموم الاسر الجائعة ولا هموم المرضى الذين لا يجدون الدواء ولا هموم الشباب العاطل عن العمل ولا ال 95% من السودانيين الذين يكابدون الفقر والجوع والمرض والشقاء اليومي . لكنهم اتوا ليتداولوا في امر الحكم والدولة والسلطان . هم طلاب السلطة والتسلط ليفوزوا بنصيب منها , وليس فيهم من لم يفز بالسلطان والامتيازات : المجتمعون فيهم من تبوأ الوزارة ورئاسة الوزراء , فيهم القاضي ومن تبوأ رئاسة القضاء , فيهم الولاة والمحافظون ووكلاء الوزارة , والمدراء , فيهم الدكاترة والعلماء والبرفسورات , فيهم اللواءات والعقداء ورؤساء الأركان . جميع المجتمعين اتيحت لهم فرصة القيادة في مؤسسات الدولة السودانية الآن ومن ذي قبل , لكنهم فشلوا في إدارة شؤون الدولة حسب شهاداتهم هم . فما الذي يجعهلم يجتمعون ليقرروا مرة أخرى في مصير البلاد التي اوصلوها الى الدرك الاسفل وفي ذيل الأمم ليكرروا سيرة الفشل بسبب سياساتهم الخرقاء؟؟ فليستح القوم . السودان بلد حباه الله بكل مقومات الدولة القوية الغنية العظيمة , لكنهم حولوه الى دولة فاشلة ضعيفة يعيش غالب شعبها على صدقات ذوي القلوب الرحيمة من دول العالم الأخرى التي ليس لديها 10⅟ مما لدى السودان من مقومات الثراء والنجاح.
هل خوفاً على الاسلام والثقافة العربية؟
يجب التأكيد للمجتمعين حول مائدة الحوار ممن تجمع بينهم ايدلوجيا العقيدة والعنصر انه اذا كان ائتلافهم وتحزبهم هذا بدافع الخوف على الاسلام والثقافة العربية , فليطمئنوا ان الاسلام والعروبة لا خوف عليهما , وانهما باقيان ما بقي السودان ان شاء الله . فأكثر من 90% من السودانيين اليوم هم مسلمون , وأكثر من هذا العدد متمسكون بالثقافة العربية وان لم يكونوا عرباً. فلماذا يتحزب هؤلاء ويقاتلون بكل ضرس وناب لاقصاء كافة مكونات المجتمع الأخرى ؟ بالتأكيد ليس دفاعاً عن العقيدة الاسلامية ولا الثقافة العربية . يستخدم هؤلاء ايدلوجيا الدين والعنصر ليس خوفاً على العقيدة والعروبة كما يدعون , بل لاقصاء الآخرين وهضم حقوقهم وأكل أموالهم بالباطل تحت راية التحزب الديني العنصري الذي هو سبب انفصام العرى بين مكونات المجتمع السوداني . فالخوف ليس على العقيدة الاسلامية ولا على الثقافة العربية فهما باقيان في السودان باذن الله . لكن الخوف كل الخوف على بقاء السودان كدولة في ظل الاستقطاب والتحزب بدعاوى العقيدة والعنصر كما يتجلى في مائدة الحوار التي غيِب فيها أهل المصلحة الحقيقية – الشعب السوداني بمكوناته وتنوعه العريض .
العنصريون يهذبون بالتربية والقدوة الحسنة وإلا أخذوا بالقانون:
المجتمعون حول مائدة الحوار ينتمون لذات ايدلوجيا العنصر الاستعلائي يرفضون الانتماء للهوية السودانية الجامعة , بل يزدرونها ويزدرون أنفسهم تبعاً لذلك في أغرب حالة فصام لمجتمع بكامله كما شخصها المفكر اللماح الدكتور الباقر العفيف في دراسته الموسومة "متاهة قوم سود ذوي ثقافة بيضاء" . وكما شرحها الكاتب الانجليزي جيمس كبنول في كتابه الجديد الصادر حديثاً بعنوان : A Poisonous Thorn In Our Hearts: Sudan And South Sudan's Bitter And Incomplete Divorce, James Copnall. تتجلى هذه الحالة الفصامية في النزعة المدمرة للعنف والقتل والجريمة دونما أدنى احساس ان ما يرتكب هو انتهاكات فظيعة ترفضها كافة الاديان القوانين ومعايير الاخلاق والفطرة السليمة . المجتمعون يتداولون في امور الحكم والدولة تحت رعاية ذات الحاكم الذي ترتكب جيوشه وطائراته ومليشياته ابشع انواع الانتهاكات في ذات الوقت الذي يتداولون فيه ترتكب في مساحات واسعة من الوطن دون ان يحرك فيهم ذلك ساكناً – فقط لأن الفظائع التي ترتكب لا تمس بني جلدتهم , بل تمس العناصر الأخرى المختلفة , ما معناه ان السودان بالنسبة لهم سودانان : سوداننا وسودان آخر بعيد لا ينتمي does not belong . كثيرون نتمنى لهم الشفاء من "الشوكة السامة المغروسة في الصدور" في وصف جيمس كبنول للحالة النفسية المدمرة لبعض السودانيين بعضهم بعضاً وفي تدمير بلدهم .
العنصرية القبيحة هي اس البلاء تتلبس بلبوس الدين وتمارس في مؤسسات الدولة تحت حماية القانون تجدها في استمارات التقديم للوظائف العامة وفي كل شيئ . كنا قد كتبنا من قبل ان البغض على اساس اللون والعرق والدين والثقافة موجود بين الناس في كل زمان ومكان , لكن مسؤولية الدولة والنخب تلقي عليها تهذيب سلوك المجتمع بالتربية والقدوة الحسنة بقصد التماسك المجتمعي المبني على الاحترام المتبادل لبث الطمأنينة ودرء الفتن . هذا واجب لا تهاون فيه اذا اراد ولاة الأمر العدل والانصاف وتهمهم الطمانينة العامة ودرء الفتنة . فاذا لم تردع الناس حسن التربية والاخلاق فليردعوا بالقانون . يكون ذلك بسن التشريعات والقوانين الرادعة للمارسات العنصرية قولاً وفعلاً وأخذ الأفظاظ الغلاظ المأفونين والجهلة والجبارين بقوة القانون حتى لا تكون فتنة يتأذى منها الناس والمجتمع بأكمله .
سنت كثير من الأمم التشريعات في تجريم العنصرية سلوكاً وفعلاً – في اروبا وامريكا وكندا وغيرها . ولعل خير مثال المملكة العربية السعودية . قرأنا قبل فترة خبر الطبيبة السودانية التي اعتدى عليها أحد الشباب السعوديين بالضرب بالعقال في مقر عملها بالمستسفى وسبها بالفاظ عنصرية . فكان جزاؤه الحبس حتى يلقى جزاءه المستحق , وقد رفض لذويه حتى الافراج عنه بكفالة . كما طالعتنا الاخبار أيضاً بقصة الكابتن(ة) طيار السعودية من أصول هوساوية عيرها أحد السعوديين بعبارات عنصرية , فتقدمت بشكوى لرد اعتبارها وأخذ حقوقها المكفولة بالقانون وحتى ينال المعتدى جزاءه المستحق . هذا ركن أصيل في التشريع السعودي القصد منه تماسك المجتمع بإشاعة الاحترام المتبادل بين الناس ودرءاً للفتنة . فكيف حالنا في السودان والفتنة العنصرية يوقظها رأس الدولة فعلاً وقولاً تجري على لسانه كما يحتسي كوباً من الشاي , ومجموعات كاملة من السكان تباد بدوافع عنصرية بينما مجموعات أخرى تتحاور فيما بينها في شأن الحكم وكأن أمر الابادات لا يعنيها.
حال الانشطار القائم في بنية المجتمع السوداني تتطلب قيادة ذات بصيرة تتسامى فوق الخصوصيات الذاتية وشح الأنفس لرحاب إعلاء الشأن الوطني الجامع . كنت اتمنى ان لو التأم مثل هذا اللقاء للحوار في كاودا أو الفاشر للتأكيد للمجموعات المغبونة بان ناس المركز قد تساموا على خصوصياتهم واتوا بقلب مفتوح الي المجموعات المغبونة في عقر دارهم يطلبون الصفح والتسامع وبدء صفحة جديدة لبناء السودان الموحد المعافى من الامراض والأحقاد , مثلما فعل المهاتما غاندي حين اشتدت الفتنة الطائفية في الهند بين الهندوس بزعامته هو وبين المسلمين . فما كان من المعلم العظيم – حين استشعر خطورة الفتنة المحدقة – إلا أن احتمى بمنزل زعيم الطائفة المسلمة لثلاث أيام بلياليها كانت كافية ان تهدئ روع الأكثرية الهندوسية الغاضبة وتنزع فتيل الفتنة , وتعبد الطريق لبناء الأمة الهندية على أسس متينة من التعايش السلمي بين كافة مكونات المجتمع وطوائفه لتصير الهند مثالاً لأكبر وأنجح الديمقراطيات في العالم اليوم . من المفيد ان نؤكد هنا مرة أخرى الفشل الكبير في حالة السودان مقارنة بحالة النجاح الباهر للهند على الرغم ان البلدين مرا بظروف متطابقة تقريباً لازمت تاريخ استعمارهما واستقلالهنا من الدولة الاستعمارية الام : بريطانيا . هلا أخذ قادة السودان العبرة من تجربة الهند حتى يتبينوا سبب نجاح اولئك وأسباب فشلهم ؟؟
سوف لن يجدي الحوار من جانب واحد , فهو ان مصى في هذا الاتجاه إما انتهى الى مزيد من تمزيق الوطن , أو الى رواندا أخرى في افريقيا في أسوأ الافتراضات . حكمة القيادة تقتضي تجنيب البلاد كلا الخيارين الكارثيين باجراء مصالحة وطنية حقيقية تخاطب اس المشكلة السودانية المتمثلة في هيمنة أحادية من عنصر واحد وثقافة واحدة وفكر واحد على باقي مكونات المجتمع السوداني بتنوعه العريض . وتقنضي المصالحة الوطنية الحقيقية الا يترك الأمر في أيدي ذات الناس الذين كانوا ولا زالوا هم حداة الفتنة بسبب قصر نظرهم وقصر قامتهم الوطنية القزمة التي قزمت الوطن الكبير . لا أعتقد ان الذين تحلقوا حول مائدة الحوار مؤهلين للقيام بدور المصالحة فهم لا يمكن ان يكونوا الخصم والحكم في آن واحد . الحوار الجاد بجب ان يوكل الى فئة محايدة بعيدة عن الاستقطاب الحاصل الآن , ونقترح لذلك الآتي في نقطتين:
النقطقة الاولى:
يجب إجبار حكومة المؤتمر الوطني على الموافقة على قيام حكومة انتقالية مدتها خمس سنوات تشكل من التكنوقراط كجهة وطنية محايدة تقف على مسافة واحدة من كافة المجموعات والكيانات والاحزاب . يتم الاتفاق بين كل القوى السودانية في الحكومة والمعارضة وحاملي السلاح والجبهة الثورية والشباب وسودانيي الشتات والمنظمات المدنية على الضغط على الحكومة بالقبول بالوضع الانتقالي درءاً للفتنة الوطنية الشاملة ولا مساومة على مصير الوطن الذي يتمزق.
النقطقة الثانية:
ان ينصب الحوار الجاري فقط حول مهام الحكومة الانتقالية , ونقترح ان يشمل ذلك :
أولاً : الامور الملحة التي لا تقبل الارجاءً :
وقف الحروب فوراً والتدخل السريع لحل الازمة الانسانية في مناطق النزاعات ثم معالجة الازمة الاقتصادية والبدء الفوري في رفع المعاناة عن كاهل المواطنين .
اعادة هيكلة القضاء وإعادة هيبته وحيدته كأهم جهاز للاشراق القانوني على انفاذ مهام المرحلة الانتقالية بتقويته وتمكينه من الاضطلاع بهذا الدور الهام في هذه المرحلة المفصلية , يوكل الى شخصيات قانونية وطنية عرفت بالنزاهة والعدل والالتزام الاخلاقي المهني.
حل المليشيات والاجهزة الامنية المسلحة التي اصبحت أخطر مهددات الأمن الوطني , وتحويل ميزانياتها للخزينة العامة لدعم ضروريات الحياة في الاكل والعلاج والتعليم .
ثانياً : ينتقل الحوار الى المواضيع الأخرى والخلافية للفترة الانتقالية مثل المساءلة القانونية عن الانتهاكات واستراداد الاموال العامة المنهوبة والدستور وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة في الخدمة المدنية والقوات النظامية وغيرها. القصد من مدة خمس سنوات اتاحة وقت كاف لاعادة شؤؤن البلاد الى الوضع الطبيعي وتنفيس حالة الاحتقان والاستقطاب ولتهيئة الناس لمعرفة وتلقي اطروحات الوضع الجديد والافكار الجديدة والتعرف على القوي الجديدة التى ظل النظام يكبت صوتها على مدى 25 عاماً المنصرمة .
سنن الحياة وعبر التاريخ تؤكد هزيمة المتخلفين:
سنن الحياة وعبر التاريخ تعلمنا ان مسيرة الحياة تمضي في صراع سرمدي بين الخير والشر , بين قوى النور والظلام , بين الحق والباطل , بين الانسان والشيطان , تنتصر فيها قوى الخير والنور والحق والانسانية . يحدو هذه المسيرة الانبياء والمرسلون الذين جاءوا لخير الانسانية مبشرين ومنذرين . ثم جاء من بعدهم العلماء والفلاسفة والمفكرون والانسانيون يبشرون بذات الرسالة النبيلة لخير بني آدم . تنتظم العالم اليوم قيم الخير والعدالة والحرية واحترام الحقوق الانسانية والكرامة الآدمية متسقة مع تعاليم الاسلام "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثيير مما خلقنا تفضيلا" (صدق الله العظيم). هذه القيم صارت قوانين تحميها الشرائع الدولية والمجتمعات الانسانية في كل مكان من العالم . يعني ذلك بداهة ان ناعقي الشر والفساد والطغيان والظلم يتخلفون عن مسيرة الانسانية القاصدة فلا مكان لهم في عالم اليوم ومصيرهم التساقط والاندثار والانقراض لا محالة , مهما تمترسوا خلف أدوات القمع ومليشيات الارهاب وفلول المجرمين . سوف يتحرر السودان عاجلاً أم آجلاً من هذه الشرور إن شاء الله , لكن نرجو ألا تطيل هذه القوى التي رهنت السودان وقعدت به حبيساً لديها على مدى ستين عاماً المتصرمة , الرجاء – وهي على عتبة الانقراض - ألا تطيل القعود بالوطن أكثر من ذلك وتطيل معه أمد معاناة الناس الطيبين . نرجو ان تفك اسر السودان حتى ينطلق الى رحاب النمو والازدهار والرفاهية التي تؤهله لها امكاناته المادية والبشرية الضخمة التي حبانا بها سبحانه : هذه النعم التي تستوجب الحمد والشكر لله سخرها هؤلاء في الاتيان بالمنكرات من خراب ودمار وفساد , وفي الكبائر في الحروب وسفك الدماء وفي قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق , في انكر صور الجحود والكفر بالنعمة الموجبة لنقمته سبحانه نسأله اللطف ومن غضبه ومن سخطه بما اقترفه السفهاء منا.
السبت 19 جمدى الآخر 1435 ه الموافق 19 ابريل 2014 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.