كانوا حوالى عشرة شبان جلسوا القرفصاء في وسط ساحة التحرير ليؤكدوا بحماس انهم يمثلون الاكثرية الصامتة التي قررت اليوم اسماع صوتها، ليس فقط لاسقاط نظام حسني مبارك بل ايضا للتأكيد انهم لا يريدون لا دولة دينية ولا دولة عسكرية مكانها. ميدان التحرير في قلب القاهرة تحول الى ساحة هايد بارك فعلية، توزعت فيها الحلقات التي تخصص بعضها بالهتافات وبعضها الاخر بالنقاشات الهادئة او الحادة حول مستقبل مصر, والمشاركون فيها جميعهم من الطارئين على النقاشات السياسة. موضوع رحيل الرئيس المصري لا جدال فيه يؤكده الشبان عبر الاصرار بانهم لن يغادروا الساحة قبل ان يتنحى، ولا يحتد النقاش الا لدى مناقشة الخطوات المقبلة. الجامع المشترك بينهم ان احدا منهم لم ينتم يوما الى حزب، كما لم يشارك اي منهم في اية انتخابات. محمد على سلامة، 27 عاما، حامل ماجستير في الشريعة الاسلامية يريد «دولة مدنية» ولا يريد «دولة يحكمها المشايخ ورجال الدين». وما اذا كانوا يبحثون عن شخص مثل جمال عبد الناصر يقول محمد وسط تأييد رفاقه «اذا كان المقصود ان يتمتع مسؤول بزعامة وشعبية عبد الناصر، نعم، لكننا نقول لا لسياسته ولا لحكمه العسكري». محمد صلاح الدين، 25 سنة، خبير كومبيوتر يقول «نريد دولة مؤسسات وليس دولة الشخص الواحد» مضيفا «نحو نوافق تماما على الديموقراطية بمفهومها الاوروبي من دون نظرة هذه الديموقراطية الى الدين لاننا نرفض اي قانون يتعارض مع الدين اكان مسلما ام مسيحيا». وكلما اكدوا رفضهم لتسلم اسلاميين متشددين السلطة في مصر، يؤكدون بالمقابل على ان «المصريين شعب مؤمن متمسك بدينه من دون ان يكونوا متطرفين». ومع اتساع المجموعة لتضم عشرات الاشخاص الذين تسابقوا للادلاء بآرائهم، خرج النقاش من دائرة هذه المجموعة من الجامعيين الشبان لتضم اشخاصا لا يبدو انهم منسجمون مع هذه المجموعة. صرخ شاب كان واقفا حول المجموعة التي كانت جالسة على الارض «الحل هو بالاهتداء بالشيخ محمد حسان» فكانت ردة الفعل سريعة ورافضة تماما لدور هذا الداعية الاسلامي المصري الذي اشتهر بطلاته التلفزيونية. كما صاح شاب آخر وهو يتقد حماسة بعد ان دخل بشكل مفاجئ في النقاش «نريد شخصا عسكريا قويا يحكم مصر ليفرض الامن» فقوبل على الفور بصيحات الاستهجان واسكت ما اضطره الى الانسحاب. محمد صلاح، 23 عاما، حامل بكالوريوس تجارة يعقب «قد نقبل بعسكري لفترة محدودة انتقالية فقط». احمد الشرقاوي محام في الثلاثين من العمر حضر الى ميدان التحرير مع اربعة من رفاقه وحمل كل منهم ورقة كتب عليها مرحلة من المراحل الخمس التي يريدونها للانتقال الى «الدولة المدنية» التي ينشدون. والمراحل الخمس هي «استقالة مبارك، تعيين نائب للرئيس لفترة انتقالية، انشاء لجنة حكماء برئاسة احمد زويل لتعديل الدستور، حل مجلس الشعب، ثم اجراء انتخابات رئاسية تحت رقابة قضائية وشعبية ودولية». واللافت ان محمد سمح للمارة بتغيير ما يريدونه، فقام احدهم بزيادة «الغاء حالة الطوارئ» وشطب آخر «الرقابة الدولية» على الانتخابات، في حين اضاف ثالث «حل مجلس الشورى» الى حل مجلس الشعب. ويشرح احمد الشرقاوي رأيه في التطورات قائلا «انا غير متخوف ابدا من حصول الاسلاميين على اكثرية فالشباب المصري متعلم ومعتدل والناس سيعرفون قوتهم على حقيقتها بعد الانتخابات». لدى سؤال المجموعة عن المعارض احمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتعض الاكثرية في حين يدافع البعض عنه من دون حماس. يقول احد الشبان «البرادعي لم يعش في مصر ولا يشعر فعلا بمعاناة الشعب المصري». أوروبا : مخاوف من وصول الأصوليين للحكم في مصر مواقف منفردة لدول أعضاء حول تطورات الأوضاع بالرغم من صدور بيان مشترك لوزراء الخارجية الاوروبيين عقب اجتماعاتهم التي انتهت مساء الاثنين، وتناول البيان تطورات الاوضاع في مصر، الا ان تصريحات لعدد من رؤساء الدبلوماسية الاوروبية بعد ساعات من صدور البيان، أظهرت وجود مواقف منفردة لعدد من الدول الاعضاء في التكتل الموحد بشأن ما يجري في مصر حاليا، وبعد أن انتقد وزير الخارجية ونائب المستشار الاتحادي النمساوي ميشائيل شبندليغر أداء الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون في التعامل مع هذه التطورات قال رئيس الدبلوماسية ان التطورات في مصر، «أصابتنا جميعا بالدهشة» و«نحن بحاجة إلى التركيز على التطورات الجديدة على مدار الساعة». وأقر شبندليغر بأن «الاتحاد المتوسطي لم يعمل كما هو واضح، اذ كان يتوجب عليه أن يتكهن بهذه التطورات قبل وقوعها». وأضاف «إذاً، هناك بالتأكيد نقص، ويجب علينا أن نغير سياستنا». من جانبه حذر وزير الخارجية ونائب المستشارة الألماني الاتحادي غيدو فيسترفيلي مما سماه «صعود القوى الراديكالية الاصولية» في مصر ونقلت عنه وسائل الاعلام الاوروبية قوله ان «أوروبا تقف إلى جانب العملية الديمقراطية، ولكن أيضا لها مصلحة في أن يستمر الاستقرار في مصر». وأضاف «أي أن يتم التطور الديمقراطي بصورة حقيقية وليس أن يصل الأصوليون والمتطرفون في النهاية بطريقة ملتوية إلى السلطة». وأشاد الوزير الألماني بدور الرئيس المصري، بالقول «لقد قام الرئيس مبارك في الماضي بدور بناء للغاية في عملية السلام في الشرق الأوسط، وهذا ما لا يمكن للمرء أن ينكره». وحول نفس الموضوع، شددت المنسقة العليا للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون على ان للشعب المصري الحق في اختيار رئيسه من دون اي تدخلات خارجية. وقالت اشتون «ان نظام مبارك يجب ان يبدأ حوارا مع المعارضة لادخال اصلاحات حقيقية وتلبية تطلعات الشارع ويجب الاستجابة للتظلمات الشرعية للشعب المصري ولتطلعاته العادلة لمستقبل افضل عن طريق ايجاد حلول عاجلة وملموسة وحاسمة واتخاذ خطوات حقيقية». واضافت «يجب ان تكون هناك طريقة سلمية تقوم على حوار مفتوح وجدي مع احزاب المعارضة وكافة اطراف المجتمع المدني، ونعتقد ان ذلك يجب ان يحدث الان». وأعربت آشتون، عن القناعة بأن المعارض المصري زعيم الجمعية الوطنية للتغيير محمد البرادعي قد لعب «دورا هاما» في الاحتجاجات الأخيرة في بلاده. وتجنبت آشتون الحديث عن تفضيل التكتل الأوروبي الموحد للبرادعي بوصفه بديلا مقبولا، وقالت في هذا الصدد «نحن لا نريد التدخل فيما نعتبره شأنا داخليا مصريا، ولكننا نشدد على ضرورة الحوار المفتوح بين الحكومة والمعارضة»، وشددت على رأي الاتحاد الداعي إلى عملية «إصلاح شاملة» في مصر تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة، و«لا يحتاج الشعب المصري لأن نقول له من يجب أن يقوده، نحن فقط نركز على ضرورة الإصلاح والحوار واحترام الحريات»، وشددت المسؤولة الأوروبية على ضرورة الامتناع عن استخدام العنف وسماع صوت الآلاف المتواجدين في الشارع المصري، مشيرة إلى ضرورة أن تتحول الاحتجاجات إلى حوار بين الحكومة والمعارضة، مذكرة ببيان الاتحاد الأوروبي الذي دعا السلطات المصرية إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين والشروع بعمليات إصلاح عميقة وفعلية وتجنب كل ما من شأنه أن يؤدي إلى تصاعد العنف في البلاد. وطالب الاتحاد الاوروبي، بضرورة العمل على اعادة الامن والاستقرار في مصر، مع ضمان اجراء المزيد من الاصلاحات السياسية، كما طالب كافة الاطراف المصرية باطلاق حوار جدي وسلمي ومنفتح لايجاد الحلول للوضع الحالي.