ربما لا يختلف إثنان بأهمية الحوار كأسلوب علمي و مدنى فى البحث عن حلول تخرج البلد من الأزمة العامة و الخانقة له و للناس فيه , سنوات ليست قليلة مضت و المعارضة تطرح المؤتمر القومى الدستوري و ذهبت فى ذلك مدىً طويلاً و عميقاً إذ أنها لم تكتفِ بطرحه كشعار و إنما أنتجت فيه أطروحات نظرية علمية و عملية قابلة للتحقيق فى جوانب الأزمة المختلفة , الإقتصادى و السياسى و الامنى ....الخ قابلته السلطة الحاكمة بالرفض الدائم و المتكرر رغم نصاعة رؤيته للقضايا المحيطة بالوطن و كيفية القفز بها بما يجعل البلد آمناً مطمئناً و يتمكن أهله من إنتاج الخيرات التى تقيهم من الجوع الكافر , و على هدى الصلح خير ظلت قوى المعارضة الوطنية تناشد المؤتمر الوطنى عله و لو لمرة تكون البلد و مشاكل أهلها أكبر همه و ميس غاياته و لكنه دوماً كان هيهات بل كان بإستمرار يوسع من سيطرته و استبداده و فساده حتى يئست منه المعارضة و حزمت أمرها بأن لا سبيل للحلول إلا بذهاب النظام إلى مذبلة التاريخ . و فجأة طلع علينا النظام بمصطلح ( كرت كرتونه أسمه الوثبة ) , حينها حضرت بإلحاح أسئلة عديدة و هامة : لماذا !؟ كيف !؟ . الآن و بعد أن عبس المؤتمر الوطنى و تولى عن المؤتمر القومى الدستوري , إذ لم تكن الإجابة عصية و لا خفية على أحد بعد أن أصبح جلياً للعالم أجمع بأن مشروع الإسلام السياسى و الإرهاب هما وجهان لعملة واحدة و باتت الحرب عليهما ضروس من صنوف المقاطعة الاقتصادية إلى التصنيف فى قائمة المهددين للسلم العالمي , و الأمثلة لا تبتدئ ب ( الصومال) و لا تنتهى ب (مالي) و السودان أوضح النماذج , كما بات معلوماً أن شعاراً مثل ( الإسلام هو الحل ) لا يدغدغ وجدان الجوعى و المرضى و جيوش العاطلين عن العمل فى حين أصبحت الحاجة لبرنامج إقتصادى و سياسي و إجتماعى يخرج البشرية نحو أفق الحياة الكريمة هو هم الناس الأول و المقدم على دين الدولة أو كُفرها الأمر الذى باءت بالفشل فى تحقيقه كل نماذج الدولة الدينية يهودية كانت أو مسيحية أو إسلامية ( شيعية كانت أو سنية ) و ليست إيران , تركيا , الجزائر , السودان عنكم ببعيد . كما حصار طروادة الذى فرضته المملكة العربية السعودية و الخليج على بلدان الإسلام السياسى و السودان أكبر المتأثرين به , و لا ننسى الثورة المستمرة على فكرة الدولة الدينية و أهلها فى دول الربيع العربى( مصر , تونس , و الآن ليبيا ) . مما يزيد الطين بلة الضائقة المعيشية و التى تضرب بأطنابها البلاد و العباد بشكل غير مسبوق , الانفجار الجنوني للأسعار , التصاعد المذهل للدولار فى مقابل العملة المحلية التى تتوالى فى الانهيار فى حين ينحو الدولار نحو ( 10 ) جنيهات, الوضع فى جنوب السودان الذى يستمر فى الاشتعال يحرم السودان من عائدات عبور النفط , الحرب الدائرة فى دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق تبدد ما لدينا من أموال , مسلسل الفساد و التعدي على المال العام بطرق شتى مازال مستمراً زد على ذلك سوسة التشرذم التى نخرت عود التنظيم الحاكم و جعلته أشلاء ( قوش , ود أبراهيم ثم غازي صلاح الدين ) . و خلاصة القول و بالبلدي الصريح ما كان للمؤتمر الوطنى مجرد أن يطرح الحوار ( لو لا جاتو فى الرقبة ) و بالمثل يصبح من حق أى مهتم أو مراقب للوضع السياسى و مجرياته أن يستعير و بتصرف من الأغنية السودانية الشهيرة : ( بعد أيه جيت تحاورنا !!؟) . على كل حال , لن يرفض أى عاقل مبدأ الحوار مطلقاً و فى الذهن لعل الإنقاذ تزكت أو تذكرت فنفعتها الذكرى و فى ذات الوقت و أيضاً فى البال إنها ( الإنقاذ) جماعة أدمنت نقض المواثيق و العهود من اتفاقية الخرطوم للسلام مروراً بجدة , جيبوتي , نيفاشا , القاهرة , أبوجا , الشرق و ها هى الآن تتنكر و تتملص عن الدوحة , فهى بذلك مجربة كثيراً عليه كان من حق قوى الإجماع الوطنى التشديد على : إن أراد المؤتمر الوطنى حواراً جاداً و منتجاً فليعد له العُدة من حيث الأهداف المرجوة منه و آلياته و جداوله الزمنية و توفير البيئة السياسية له فى جوانب إطلاق الحريات العامة بإلقاء أو تجميد القوانين المقيدة للحريات فهى على تعددها و كثرتها تقيد حركة النشاط السياسى بل تلجمه , وقف الحروب و العدائيات فى جبهات القتال , القبول بمبدأ الحكومة القومية الانتقالية , إطلاق سراح المعتقلين السياسيين . ولكن بدلاً من ذلك و على عادة أهل السلطة و قبل أن يجف الحبر الذى كُتبت به (الوثبة) صارت الحكومة و نافذيها يطلقون من القول ما يدل على تنكرهم و التفافهم عن أى حوار جاد , بدأ ذلك من مؤسسة الرئاسة فى أقوال الرئيس فى بورتسودان: بأن لا حكومة انتقالية , لا تفكيك للإنقاذ , و الانتخابات فى ميعادها . ثم نائبه غندور الذى ظل يردد بأن الحديث الذى يطلقه قياديون فى المؤتمر الشعبى عن الحكومة الانتقالية هو مجرد فتنة و خالى من الصحة , و الأمثلة لذلك كثيرة من حيث الأقوال لكن السلطة رسخت القول بالفعل إذ أنها مازالت مُقيدة حرية الصحافة تصادر هذه و تعلق صدور تلك ثم الشيء الوحيد الذى وعدت به لم تفِ به حيث لم تطلق سراح المعتقلين فى انتفاضة سبتمبر بل اضاقت لهم عدداً من كوادر حزب البعث فى وقفته الأخيرة و كثيراً من طلاب قوى الإجماع الوطنى بجامعة الخرطوم , كما التعنت فى حل قضايا الجامعة الأخيرة و إغلاقها و تشريد نحو (2000) طالب من طلابها و طالباتها , محاكمة الطبيبة مريم يحى , اعتقال السيد الصادق المهدي , نشر قوات الدعم السريع , مما يؤكد صحة موقف قوى الإجماع الوطنى من الحوار و رغم ذلك كله رأت أحزاب كبيرة مثل الأمة و الشعبى أن تذهب للحوار بإنبهاله هذا و دوماً ما قُدم الرأي و النُصح لقياداتهم و فى الخاطر : (إن تظهروا عليهم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ) هاهو الشق الأول ( يرجموكم ) قد تحقق لحزب الأمة فى شخص زعيمهم باعتقاله و وصفه بالخيانة الوطنية و تقويض الدولة, أما الشق الثانى من التنبؤ ( يعيدوكم فى ملتهم ) أصدق دليل عليه تصريح الأستاذ كمال عمر الذى كان مرجواً فينا : ( وحدة الحركة الإسلامية ضرورية و قادمة ) . الميدان