كرر الرئيس الاميركي باراك اوباما عزم بلاده على ضمان «انتقال حقيقي ومنتظم» للسلطة في مصر، في وقت كانت الادارة الاميركية تدرس تداعيات سلطة عسكرية في مصر في حال ما تم تولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة قيادة البلاد. وفي تصريحات مقتضبة حول مصر، قال اوباما: «نريد من كل المصريين ان يعرفوا أن أميركا ستدعم عملية انتقال حقيقية». وبينما كانت الأمور في القاهرة غامضة ترقبا لإلقاء الرئيس المصري حسني مبارك خطابه، فضل اوباما انتظار تصريحات مبارك قبل التعليق على التطورات في مصر. لكنه قال: «الامر الواضح تماما هو اننا نشاهد التاريخ وهو يصنع، شباب مصر والشعب المصري يطالب بالتغيير». واضاف: «الشباب المصري كان في المقدمة، جيل جديد يريد الاستماع الى صوته». وتابع: «نريد الشباب المصري وكل المصريين ان يعلموا بأننا سنقول بكل ما في وسعنا من اجل انتقال حقيقي ومنتظم في مصر». وحصل اوباما على اتصالات عدة من مستشار الامن القومي الاميركي توم دونيلون، ليبقيه على علم بالتطورات في مصر بينما كان اوباما يزور ولاية ميتشيغان في زيارة مجدولة مسبقا. وقال الناطق باسم البيت الابيض روبرت غيبس ان اوباما «يتابع الاحداث عبر التلفزيون» على متن الطائرة الرئاسية. وقال غيبس للصحافيين من على متن الطائرة الرئاسية «اير فورس»: «اننا نتابع وضعا شديد التقلب. الرئيس يشاهد الشئ نفسه» عبر شاشات التلفزيون. وجاءت تصريحات اوباما بعد ظهر امس في توقيت واشنطن بعد ان التزم الناطقون باسم البيت الابيض ووزارة الخارجية الاميركية بالصمت، حول التطورات في مصر، مفضلين انتظار خطاب الرئيس المصري. الا ان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي.آي.ايه» ليون بانيتا كان قد صرح صباح امس بأن الرئيس المصري «قد يتنحى الليلة»، مما اثار توقعات بتنحي مبارك. الا ان بانيتا سارع لينفي حصوله على معلومات مؤكدة حول تنحي الرئيس المصري، قائلا ان تصريحاته مبنية على تقارير صحافية. ولكن تحدث بانيتا خلال جلسة استماع امام الكونغرس الاميركي، عن اهمية دور الجيش المصري في المرحلة المقبلة، قائلاً إن «ولاء الجيش امر يهمنا الآن». ودارت اجتماعات متواصلة في وكالات الاستخبارات الاميركية، بالاضافة الى وزارتي الدفاع والخارجية والبيت الابيض حول مصر، وحول تبعات تولي مجلس القوات المسلحة القيادة في البلاد. وتشدد الادارة الاميركية على اهمية ان تكون هناك سلطة مسؤولة تضمن عملية انتخابات حرة وعادلة، تشمل جميع اقطاب المعارضة. يذكر ان الادارة الاميركية تقليديا ترفض التعامل مع حكومات تنتج عن انقلاب عسكري، ولكن في الوقت نفسه تواصلت الاتصالات بين البنتاغون وقيادات الجيش المصري لضمان المرحلة الانتقالية. وتزامنا مع التطورات في مصر، كان وكيل وزير الخارجية جيم ستاينبرغ يقدم شهادته امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الاميركي. وبينما حرص ستاينبرغ على عدم توضيح اذا كان لديه معلومات حول مصر ورئاسة مبارك، شدد المسؤول الاميركي على اهمية المرحلة المقبلة في ضمان مشاركة واسعة للمعارضة في المرحلة المقبلة والاستعداد للانتخابات. وقال ستاينبرغ: «التغييرات للشرق الاوسط، لا محالة منها»، ولكن يجب العمل على ضمان سلامة هذه التغييرات. واضاف: «الامر يتطلب خطوات دستورية، وانهاء حالة الطوارئ وانتخابات حرة وعادلة.. السلام بين اسرائيل ومصر ليس فقط من مصلحة اسرائيل بل المنطقة كلها». واضاف «نتوقع من الجيش ان يقر بأهمية التواصل». وبينما سأل عدد من اعضاء الكونغرس حول استمرار الدعم المالي لمصر وخاصة القوات المسلحة، في حال سيطر الجيش على القيادة، دافع ستاينبرغ عن اهمية مواصلة الدعم المالي لمصر، قائلاً ان المساعدات المالية «جزء اساسي من قوتنا الناعمة». ولكنه اضاف: «علينا ان نكون واضحين مع المصريين بأن هناك نتائج في حال لم تكن نتائج التغيير تتماشى مع قيمنا ومبادئنا». وسأل النائب مايكل بنس عن توقعات وزارة الخارجية بتنحي مبارك، ليمتنع ستاينبرغ عن الرد، قائلاً: «لقد وضعنا مبادئ عدة نتوقع الالتزام بها». وطالب عضو مجلس النواب الاميركي الجمهوري ايد رويس ب«حكومة تحترم شعبها وليست فاسدة، اضيفوا ذلك لتصريحاتكم»، في حديثه لستاينبرغ وموجها كلامه للمسؤولين الاميركيين. من جهة اخرى، اعلنت وزارة الخارجية الاميركية وفاة موظف مصري لديها في القاهرة. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في بيان امس: «اقدم تعازي لأصحاب وأحباء خيري رمضان علي، وهو عضو في عائلة سفارتنا في القاهرة، الذي اختفى يوم 28 يناير (كانون الثاني) وقد تم تأكيد وفاته». ولم تكشف الخارجية الاميركية تفاصيل وفاة علي، الذي عمل 18 عاما مع السفارة الاميركية. وفي باريس ذكرت الخارجية الفرنسية بأنها ما زالت متمسكة بمبدأ عدم التدخل، ردا على سؤال حول التوتر الذي ظهر الاربعاء بين واشنطنوالقاهرة، بسبب قيام مصر بإصلاحات غير كافية بحسب الولاياتالمتحدة. وردا على سؤال خلال مؤتمر صحافي حول موقف فرنسا حيال الانتقادات الاميركية، أشار المتحدث باسم الخارجية برنار فاليرو إلى تصريح ادلت به الثلاثاء وزيرة الخارجية الفرنسية. وكانت ميشال اليو ماري قالت امام الجمعية الوطنية ان «اتفاقا بين كافة الاطراف لن يكون سهلا» و«من الضروري ان اذكر بأن مبادءنا، مبادئ سياستنا الخارجية تنص على عدم اتخاذ قرارات عن الشعوب، بل دعمها وتشجيعها». واضاف فاليرو ان اليو ماري قالت ايضا ان «عملية الانتقال الى الديمقراطية تتم تدريجيا في مصر، كما سبق واعربنا عن املنا». فبراير.. شهر المفاجآت في حياة مبارك شهد تخرجه وبلوغه أرفع درجاته العسكرية.. وأسوأ الأزمات في تاريخه يعتبر شهر فبراير (شباط) شهرا مباغتا في حياة الرئيس المصري حسني مبارك.. ففي مطلع عام 1949، كان الطالب (آنذاك) محمد حسني مبارك في سنته النهائية بالكلية الحربية يحلم بيوم تخرجه القريب، وما إن هل شهر فبراير حتى لمعت نجمة فوق كتف الملازم ثان محمد حسني مبارك كأول رتبة عسكرية يحصل عليها، وليرتبط الرجل بالشهر طيلة حياته بعدها. في فبراير عام 1974، حصل مبارك على أعلى رتبة عسكرية في حياته وهي رتبة الفريق، قبل أن يخلع زيه العسكري إلى الأبد منذ عام 1975، حين اختاره الرئيس الراحل محمد أنور السادات كنائب له. وكما اقترن مبارك في حياته العملية بفبراير، فإن حياته الاجتماعية أبت أن تستثنى من ذلك تماما، حيث إن رفيقة دربه وشريكة حياته وأم ابنيه السيدة سوزان صالح ثابت، المعروفة بسوزان مبارك من مواليد يوم 28 فبراير من عام 1941. وفي حقبته الرئاسية، ورغم احتفال العالم أجمع بيوم 14 من فبراير كعيد للحب، فإن مبارك شهد في هذا الشهر عددا من الأحداث التي قد يشيب لهولها الولدان.. ففي 25 فبراير من عام 1986 استيقظ العالم على أحداث تمرد بأحد معسكرات الشرطة بالجيزة، فيما عرف بأحداث الأمن المركزي، التي تدخل على أثرها الجيش وفرض حظر التجوال، للمرة الأولى في حقبة حكم مبارك. كما شهد يوم 20 فبراير من عام 2002 حادثة اشتعال النيران بأحد القطارات بصعيد مصر، وأسفر عن مقتل نحو 370 راكبا احترقوا حتى التفحم.. في حين شهد يوم 2 فبراير 2006 غرق العبارة «السلام 98» القادمة من ميناء جدة قبالة ميناء سفاجا بالبحر الأحمر، ووفاة نحو 1033 من ركابها العائدين من أداء مناسك الحج.. وفي 22 فبراير من عام 2009، انفجرت عبوة ناسفة بميدان مسجد الحسين، مما أسفر عن مقتل فتاة فرنسية وإصابة نحو 25 آخرين من مصريين وعرب وأجانب. ولكن فبراير حمل لمبارك مفاجآت أخرى، إذ يبدو أن الشهر قد تحالف مع كل القوى المضادة له في الأزمة المصرية الأخيرة على نحو عجيب.. فإذا كانت ثورة الشباب التي بدأت في يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي قد أديرت إلكترونيا عبر مواقع الدردشة، فإن موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي (الذي كان إحدى أدوات الشباب المناهض لمبارك) قد تم تدشينه في «فبراير» من عام 2004. كما أن المدون كريم عامر قد حرك الرأي العام المصري والدولي ضد مبارك، وذلك عندما حكمت عليه محكمة عسكرية بالحبس لمدة 4 سنوات في يوم 22 فبراير من عام 2007 بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. وإذا كانت قائمة المرشحين المحتملين للرئاسة أمام مبارك تحوي أسماء الدكاترة محمد البرادعي وأيمن نور وأحمد زويل والإخوان المسلمين، فإن البرادعي عاد إلى مصر عقب انتهاء فترة رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 19 فبراير من عام 2010، لتطالبه بعض القوى السياسية والنشطاء بترشيح نفسه للرئاسة. كما أن أيمن نور، الذي حصل على المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية في عام 2005، سجن في ذات العام بتهمة التزوير لمدة 5 سنوات، قبل أن يفرج عنه في 18 فبراير من عام 2009. أما الدكتور أحمد زويل، العالم البارز الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، مستشار الرئيس الأميركي للعلوم والتكنولوجيا، فقد ولد في يوم 26 فبراير من عام 1946. أما الإخوان المسلمين، فيربطهم بهذا الشهر حادثة مقتل مؤسس الجماعة وأول مرشديها الإمام حسن البنا في يوم 12 فبراير من عام 1949، وهي الحادثة التي لم يجد لها التاريخ تفسيرا أو مدانا حتى اليوم. ولا ينسى التاريخ أن اللواء حبيب العادلي، قد عين في منصب مساعد أول لوزير الداخلية الأسبق حسن الألفي في 19 فبراير من عام 1995، ليخلف الألفي في منصبه عام 1997، عقب حادثة الهجوم الإرهابي على سياح بمدينة الأقصر الذي خلف 58 ضحية. وعليه، فقد ارتبط «فبراير» بشخص الرئيس المصري ارتباطا وثيقا، بين بعض الأحداث السارة والكثير من الأحداث الضارة.. فهل يكون الشهر الذي شهد إطلالة الطالب محمد حسني مبارك على بدايات الحياة العسكرية في عام 1949، هو ذاته الذي يتحدد فيه مصيره كرئيس مصري؟ وعلى صعيد المشهد السياسي، شهدت أيام 8 وحتى 11 من فبراير معركة المنصورة في عام 1250 ميلادية، التي أسر فيها قائد الحملة الصليبية السابعة (الفرنجة) آنذاك لويس التاسع بدار القاضي بن لقمان بعد فشل الحملة. وفي التاريخ الحديث، ارتبط فبراير بزعماء وحكام مصر بشكل أو بآخر، حيث توفي الزعيم المصري مصطفى كامل (مؤسس الحزب الوطني في نسخته الأولى) في 10 من فبراير 1908، بعد حياة قصيرة بلغت 34 عاما ولكنها فارقة في تاريخ مصر. وشهد عهد الملك فؤاد الأول تصريح 22 فبراير من عام 1922، الذي أدى إلى استقلال المملكة المصرية عن المملكة المتحدة في مارس (آذار) من العام ذاته. وفي 11 فبراير من عام 1920 ولد فاروق الأول، آخر ملوك مصر قبل ثورة يوليو (تموز) من عام 1952، الذي شهد عهده اغتيال أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء في يوم 24 فبراير من عام 1945. ولعل الحادثة الأبرز في عهد فاروق، هي محاصرة القوات العسكرية البريطانية لقصره في حي عابدين بالدبابات يوم 4 فبراير من عام 1942، لإرغامه على الاختيار بين أمرين، إما أن يكلف الزعيم الوفدي مصطفى النحاس باشا بتأليف الوزارة، وإما التنحي عن العرش، وهي الأزمة التي انتهت برضوخ فاروق لشروط الإنجليز. كما تحتفل مصر بيوم الشباب في يوم 9 فبراير سنويا، الذي يوافق ذكرى وفاة العديد من شباب جامعة فؤاد (القاهرة حاليا)، بعد أن أمر رئيس الوزراء، وزير الداخلية، محمود فهمي النقراشي باشا بفتح كوبري عباس لإيقاف مسيرتهم المضادة للاحتلال الإنجليزي في عام 1946.. وهو ذات اليوم الذي شهد مقتل رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، عرّاب الملك فاروق، في حادث سير، وإن أشارت أصابع اتهام إلى فاروق ذاته بالضلوع في قتله دون وجود أدلة حقيقية على ذلك. وشهد يوم 22 من فبراير أزمة أخرى لأول رئيس مصري، حيث استقال فيه اللواء محمد نجيب من منصبه كرئيس للبلاد في عام 1954 عقب خلافه مع مجلس قيادة الثورة، لينزوي الرجل بعدها قيد الإقامة الجبرية في المنزل المصادر من زينب هانم الوكيل (قرينة النحاس باشا) بضاحية المرج شمال القاهرة حتى وفاته. وفي عهد الرئيس المصري الثاني جمال عبد الناصر، أبى فبراير أن يمر مرور الكرام.. حيث شهد يوم 22 فبراير من عام 1958 إعلان الوحدة المصرية مع سورية تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، التي لم تستمر إلا لثلاث سنوات. وكانت ذكريات الرئيس الثالث أنور السادات مع فبراير أيضا شحيحة ولكنها مؤثرة، إذ حكم عليه فيه بالسجن في عام 1942، وذلك إثر رفضه قطع علاقته بالفريق عزيز باشا المصري، السياسي والعسكري البارز، الذي عرف بميوله لدول المحور، في وقت كانت فيه مصر إحدى الدول الخاضعة لإنجلترا أحد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. إلى ذلك، يرتبط شهر فبراير بذكريات مصرية حميمة.. فهو شهر مولد شاعر النيل حافظ إبراهيم في يوم 24 من فبراير عام 1872، وهو من أبدع العديد من القصائد التي حفظها المصريون. ولعل الحديث عن القصيدة السالفة يفضي إلى أن الشهر ذاته ارتبط بفقد الوطن العربي من شدت بها، كوكب الشرق أم كلثوم، التي وافتها المنية في 3 من فبراير عام 1975، بعد أن أطربت العرب وداعبت مشاعرهم بغنائها العاطفي، وأججت أفئدتهم بغنائها السياسي والوطني. وإذا كنا نتحدث عن الذكريات، فلا بد من تذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، الذي ولد في 8 من فبراير من عام 1889، وتعد كتبه مرجعا مهما لكل دارسي تاريخ مصر الحديث. ويذكر التاريخ أيضا ميلاد عبد الرحمن بدوي في 4 فبراير من عام 1917، أحد أبرز الفلاسفة العرب وأغزرهم إنتاجا في القرن العشرين. كما ولد في 4 فبراير من عام 1928 (ذات العام الذي شهد مولد مبارك) عالم الجغرافيا المصري جمال حمدان، الذي يكفي أن يذكر أن من بين مؤلفاته العديدة موسوعة «شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان».