قال المتنبي يوماً (من يَهن يَسهل الهَوان عَلَيهِ, ما لجرحٍ بمَيتٍ إيلام)، و الهَوان الذي وجده السودان في هذه السنوات الماضية، تحت مظلة حكم تجار الدين، بادٍ لكل ذي عقل راجح. فلقد أصبحت أرض السودان يتناوشها بغاث الطير و يقتطعونها لصالحهم من كل اتجاه، و سماؤه غدت مفتوحة على كل الجنبات للضربات الجوية، و التي تكررت اكثر من مرة ولا رد واحد يشفي الغليل، و راس الدولة – رمز سيادتها و كرامتها – مطارد كالجربوع الصغير في المطارات العالمية، يتلصص في الأجواء عند الذهاب و المجئ، و الشعب أصبح ينتمي لدولة هزيلة، دولة جبانة تدوس عليها الدول الخارجية بارجلها، و تبصق فيها، متى ما وجدت فرصة لذلك. هذا هو حال السودان – الذي اصبح ميتاً، لا يتاثر بآلام سحق الكرامة في الأرض - عندما اصبح البشير رئيساً، و عبد الرحيم محمد حسين وزيراً للدفاع و الدباب علي كرتي وزيراً للخارجية. ما دفعني للكتابة هي التصريحات غير المسؤولة التي يطالعنا بها قادة المؤتمر الوطنى عقب كل ضربة جوية من اسرائيل للسودان، و اخر هذه التصريحات السمجة، هي تصريح الدباب علي كرتي في حديثة لصحيفة اليوم التالي و المنشورة بصحيفة الراكوبة الغراء يوم 3 أغسطس 2012. و التي جاءت بعد الضربة الجوية الإسرائيلية لمستودعات الذخائر بالجيلي شمال الخرطوم، و عقب تهديدات إسرائيل للسودان بالمزيد من الضربات الجوية. أوردت صحيفة اليوم التالي حديث الدباب الذي قال فيه ( إن الحكومة تتحسب للتهديدات الإسرائيلية ضد البلاد وتأخذ الأمر مأخذ الجدية،). و دعونا نتسائل هنا كيف تتحسب حكومة ضعيفة هزيلة، قاهرة لشعبها، و غارقة حتى شوشتها في الفساد و الإفساد لمواجهة دولة قوية كدولة إسرائيل تمتلك كل التكنولجيا الحربية الحديثة، و تملك طائرات حربية مقاتلة أمريكية و أجهزة تشويش تستطيع ان تعطل كل الإنذارات الارضية، دع عنك ان السودان- في عهد وزير الدفاع الأهطل- لا يمتلك أي منها، فهو لا يمتلك من العتاد العسكرى اللازم للدفاع عن أجواء السودان المفتوحة من كل الاتجاهات حتى شروى نقير، اللهم إلا خطة الدفاع بالنظر التي أضحكت فينا العالمين. كما دعى الدباب (الشعب إلى اليقظة والانتباه لما أسماها الأعمال الصبيانية الإسرائيلية)، و هذه الدعوة للشعب باليقظة و الانتباه امام الهجمات الاسرائلية تعتبر اظرط من دعوة وزير الدفاع لجنوده ببورسودان بالوقوف امام الساحل لحراسته بالنظر، و رصد حركة الطائرات المعادية. و سوف تكون مضكحة جديدة، يهزؤ فيها العرب و الاسرائيلين مننا في مجالس أنسهم و سمرهم و في منتدياتهم الاسفيرية. و ماذا يستفيد الشعب السوداني المسكين من اليقظة و الانتباه، امام هجمات الطائرات الإسرائيلية او الصواريخ الموجه بالليزر لاهدافها، و التي تحدث عادة ب ( الليل و الطائرات طافية انوارها). ماذا تفعل اليقظة و الانتباه بشعب أعزل لهجمات جوية، يكون مخطط لها بأن تكون ضربات خاتفة سريعة، تستهدف مستودعات الذخائر الحربية و مصانع الأسلحة، و لا تقصد بيوت المواطنيين و أماكن تجمعاتهم. و يبدو ان الهجمات الإسرائيلية المتكررة علي السودان، و التي جلس فيها قادة الدفاع متفرجين، والتي شمتت فينا القريب و البعيد، قد افقدت قادة المؤتمر الوطني صوابهم، و صارت تخرج التصريحات من افواههم غريبة و مضحكة في آن واحد. فبالأضافة الى تصريح كرتي المخجل هذا و تصريح وزير الدفاع الذي اراق ماء وجوه السودانيين أجمعين، فعند ضربة مصنع اليرموك في 2012، خرج علينا الحاج آدم قائلاً (سنهزم الإسرائيلين بالسواطير إذا ما أتوا بالارض وليس بالجو)، وهو تصريح يَنَم ُعلى العقلية الساذجة، الغارقة في السطحية، الموغلة في اللاعقلانية، و هي التي ظل حاملوها يتبوأون دوماً مناصب عليا في حكومة المؤتمر الوطني. دعم القضية الفلسطينية، كان يمكن أن يتم عبر تصريحات كبار المسؤولين في الدولة، بإدانة العدوان و حث المجتمع الدولي على وقفه، و عبر الدعم اللوجستي في المنابر الدولية، التي فيها تطرح القضية للنقاش و التصويت. و لكن ان يتم الدعم بالأسلحة و الصواريخ المستجلبة من ايران و المهربة الى غزة، و التي بطبيعة الحال سوف تتضرر منها إسرائيل في عقر دارها، فهذا عينه ما سبب للسودان هذه الهجمات الجوية من الأخيرة. فإسرائيل تبرر هذه الهجمات بأنها تدافع عن ارضها و شعبها، فهذا مفهوم بمنطق السياسة الدولية، و لكن غير المفهوم هنا، كيف لدولة ضعيفة في دفاعاتها الجوية، لا تملك أي أجهزة حديثة لرصد الهجمات الجوية، و تعاني من الانهيار الاقتصادي و غياب الأمن الداخلي و اضمحلال دور قواتها المسلحة، و اسناد دور الدفاع لقوات الجنجويد غير النظامية، أن تقوم بهذه المهام الانتحارية. و لكن السر يكمن في أرضاء التنظيم العالمي للاخوان المسلمين، و الذي تنتمي له حماس الفلسطينية. فهذا التنظيم هو من يتحكم في مثل هذه القرارات التي يصدرها اخوان السودان بتهريب الأسلحة الى غزة، و لايهمهم ارض السودان و شعبه في شيء. و من المعروف ان هذا التنظيم ليس في ادبياته السياسية مفهوم الوطن او الحدود الجغرافية لاي دولة إسلامية، و انما يستبدله بمفهوم الأمة الإسلامية، التي تشمل كل الدول الإسلامية. و أي حكومة تنتمي لهم، تكون موجهة بالكامل لدعم إخوانهم في هذه الدول، و ليس لمصلحة الشعب في القطر الجغرافي المعين الذي تمسك فيه بزمام السلطة. أن إسرائيل دولة مغتصبة للأرض الفلسطينية، منهتكة للقوانين الدولية و لحقوق الشعب الفلسطيني، و لكنها في نفس الوقت دولة ديمقراطية، تحترم شعبها، و تحاسب مفسديها حتى ولو كانوا في أرفع المناصب في الدولة، تعد جامعاتها من أفضل الجامعات في المنطقة، تصرف على البحث العلمي نسبة معتبرة من ميزانيتها السنوية، لديها أحدث الأسلحة و التقنيات العسكرية. و يمكن القول إجمالاً أن سر تفوق إسرائيل على العرب هو الحرية و دولة القانون، حيث صوت المواطن فيها مسموع دوماً، يتنفس عبير الحريات صباحاً و مساء، و حيث لا كبير على المحاسبة، و الجميع سواسية تحت مظلة القانون. الدباب علي كرتي و جماعته من أهل الحكم، اصبحوا بين كل فترة و أخرى؛ (يجدعوا) في إسرائيل بالحجارة، و نسوا أن السودان أصبح تحت ظل حكمهم البغيض؛ بيت من ( قزاز)، إسرائيل لا تتأثر بنوعية الحجارة التي نطلقها عليهم، فبيوتهم محصنة تماما ضد مثل الضربات، المشكلة تبقى دوماً في ردهم علينا. من هنا نطالب " هؤلاء الناس" في الأوقات القادمة، بالسكوت و عدم ( تضريس) اذاننا بهذه النوعية الفطيرة من التصريحات عقب كل ضربة اسرائيلية للسودان، و مثل ما يقوله أهلنا البسطاء تعليقاً على مثل هذه المواقف، نقول لهم ( انتو وكت ما قادرين على إسرائيل دي، الموديكم تهابشوا فيها شنو).