ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    "حكومة الأمل المدنية" رئيس الوزراء يحدد ملامح حكومة الأمل المدنية المرتقبة    الفوز بهدفين.. ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    لما سقطت طهران... صرخت بورسودان وأبواقها    "الأمة القومي": كامل ادريس امتداد لانقلاب 25 أكتوبر    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    الحكم بسجن مرتكبي جريمة شنق فينيسيوس    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    هل سمعت عن مباراة كرة قدم انتهت نتيجتها ب 149 هدفاً مقابل لا شيء؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    تقرير رسمي حديث للسودان بشأن الحرب    يوفنتوس يفوز على العين بخماسية في كأس العالم للأندية    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    التغيير الكاذب… وتكديس الصفقات!    السودان والحرب    الأهلي يكسب الفجر بهدف في ديربي الأبيض    عملية اختطاف خطيرة في السودان    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يعود لإثارة الجدل: (بحب البنات يا ناس لأنهم ما بظلموا وما عندهم الغيرة والحقد بتاع الرجال)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    شاهد بالفيديو.. ظهر بحالة يرثى لها.. الفنان المثير للجدل سجاد بحري يؤكد خروجه من السجن وعودته للسودان عبر بورتسودان    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبقة العاملة السودانية: النشأة والتحولات
نشر في الراكوبة يوم 19 - 09 - 2014


اولا: نشأة الطبقة العاملة السودانية:
* ترجع جذور نشأة الطبقة العاملة في السودان الي فترة الحكم التركي- المصري، حيث شهدت تلك الفترة بداية ظهور نمط الانتاج الرأسمالي، ومعلوم ان شروط ظهور نمط الانتاج الرأسمالي تتلخص في الاتي:
1- الارتباط بالسوق الرأسمالي العالمي(التجارة العالمية).
2- التوسع في اقتصاد السلعة- النقد.
3- تحول قوة العمل الي بضاعة.
والمقصود بتحول قوة العمل الي بضاعة هو تحرر المزارعين من الارض وتحقيق الحرية الشخصية ، أي حرية أن يبيع قوة عمله وحرية التنقل والحركة.
واذا اخذنا هذه الشروط في الاعتبار، نلاحظ أن الشكل الجنيني لنمط الانتاج الرأسمالي بدأ يحدث في فترة الحكم التركي عندما: ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي (عن طريق تصدير سلعتي الصمغ والعاج......الخ)، والتوسع في اقتصاد السلعة – النقد، حيث شهد السودان في تلك الفترة تداول عملات محلية وعالمية كثيرة، وظهرت المحاصيل النقدية (القطن ، الصمغ، النيلة،...الخ). كما تم اقتلاع اعداد كبيرة من المزارعين من أراضيهم(سواقيهم أو اطيانهم) نتيجة للضرائب الباهظة التي كان يفرضها الاتراك عليهم، وبالتالي هجروا أراضيهم وسواقيهم ونزحوا الي المدن التجارية التي كانت سائدة يومئذ مثل: الخرطوم، الابيض، سواكن...الخ، وبدأوا يعملون بأجر في المصانع الحكومية والمؤسسات الخاصة مثل: مصانع النيلة والذخيرة، المشارع، مؤسسات الدولة الخدمية...الخ، وبالتالي بدأت تظهر فئات تعمل باجر.
ولكن نظام الرق السائد يومئذ، كان يعوق انطلاقة نمط الانتاج الرأسمالي، اذ أن من شروط نمط الانتاج الرأسمالي واكتمال نمو الطبقة العاملة: هو حرية العامل في ان يبيع قوة عمله وتنقله بدون عوائق من مكان لاخر.
* الموجة الثانية لانطلاقة نمط الانتاج الرأسمالي في السودان كانت في فترة الحكم الانجليزي – المصري، حيث تم تحرير الرقيق واصبح العمل الماجور هو السائد، بعد ان اتسع اقتصاد السلعة- النقد، وتوسعت الأسواق وظهرت المدن التجارية والصناعية( عطبرة، بورتسودان، الابيض، الخرطوم،...)، بعد ان ادخل الاستعمار مشروع الجزيرة والسكة الحديد والتعليم المدني الحيث وقيام ميناء بورتسودان ومشاريع القطن الأخري (القاش، طوكر، جبال النوبا، مشاريع القطن الخاصة..)، كما ارتبط السودان مرة اخري بالسوق الرأسمالي عند طريق المحاصيل النقدية واهمها القطن...الخ. وفي نهاية فترة الاستعمار كان نمط الانتاج الرأسمالي هو السائد، وكان من نتائج نمط الانتاج الرأسمالي الذي تم تصديره للسودان اعادة انتاج التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلاد، من خلال قيام قطاع تقليدي وحديث، وتنميةغير متوازنة ادت الي نهوض حركات المناطق المهمشة..الخ)، تشويه القطاع الزراعي باعتباره المصدر للفائض الاقتصادي وتوفير الغذاء، من خلال التركيز علي السلع النقدية(القطن، الصمغ،..الخ)، وتم تدمير القطاع الزراعي وخاصة في عهد الانقاذ، وبعد اكتشاف البترول اصبح النفط يشكل 80% من الصادر(بعد انفصال الجنوب فقد السودان اكثر من 75% من عائدات النفط)، وتراجع القطن الي 3% ..الخ. كما تعمق التفاوت الطبقي(95% من السودانيين يعيشون تحت خط الفقر. كما تعمقت التبعية للعالم الرأسمالي(ديون خارجية بلغت 43 مليار دولار، في حين ان اصول الدين 12 مليار..). وبعد الانقاذ تم التوسع في الخصخصة ورفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة، كما تم تدمير البيئة عن طريق التوسع العشوائي في الزراعة الآلية، مما عمق النزاع بين المزارعين والرعاة، كما تم تدمير الصناعية الوطنية والذي كان له الأثر السلبي علي تشريد الالاف من العاملين من مصانع: النسيج، الزيوت، الأغذية...الخ، وبالتالي، فان طريق التطور الرأسمالي كان له الأثر في تدمير التطور الصناعي والزراعي، وبالتالي، كان له الأثر الواضح في تدهور اوضاع الطبقة العاملة.
أشرنا سابقا الي ان ظهور الطبقة العاملة في السودان بدأ يكتسب سماته العامة منذ بداية القرن الماضي، حيث ظهرت طبقة عاملة في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية، ومن سمات هذه الطبقة انها كانت تسكن المدن ومتفاوتة في تركيبها المهني والعضوي وفي مستوي تعليمها المهني والاكاديمي ومتفاوتة في الدخل وفي الاصول الاجتماعية، واكتسبت هذه الطبقة الوعي السياسي والنقابي من المصادر التالية:
من نضالها لتحسين مستوي معيشتها، واحتكاكها بتنظيمات الحركة الوطنية الحديثة(اللواء الابيض، اندية الخريجين، أندية العمال، مؤتمر الخريجين، الحزاب السياسية..)، اضافة لتأثرها بالنهضة الثقافية والأدبية والعلمية التي بدات تحدث في النصف الأول من القرن الماضي، مع تأسيس الصحافة والاذاعة ، هذا فضلا عن الدور الذي لعبه الخريجون في ادخال الوعي في صفوفها واحتكاكها بالعمال الأجانب(المصريون، الأرمن،..) من الذين جاءوا من بلدان كان الوعي النقابي فيها متقدما، اضافة للدور الذي لعبته الحركة السودانية للتحرر الوطني(الحزب الشيوعي فيما بعد) في ادخال الوعي والتنظيم في صفوفها ومساعدة عمال السكة الحديد في انتزاع اول تنظيم نقابي عام 1947(هيئة شئون العمال). كما نشير ايضا الي الدور الذي لعبه الجنود الذين اشتركوا في الحربين العالميتين الأولي والثانية والذين اكتسبوا وعيا سياسيا، وعندما عادوا الي بلادهم تم تسريحهم ومن ثم انضموا لصفوف الطبقة العاملة واسهموا في ادخال الوعي في صفوفها. هذا اضافة لمصدر آخر مهم كان له الأثر في ارتفاع وعي الطبقة العاملة وهو نضال الطبقات والفئات الأخري من اجل تحسين مستوي معيشتها مثل: معارك مزارعي الجزيرة واضراباتهم من اجل التوزيع العادل لمال الاحتياطي وانتزاعهم حق التنظيم النقابي، وكذلك من نضال الطلاب من اجل انتزاع شرعية اتحاداتهم وتنظيماتهم النقابية.
ومن السمات ايضا ان التنظيم النقابي الذي انتزعته الطبقة العاملة السودانية عام 1947 (هيئة شئون العمال) جاء ديمقراطيا وأصيلا ومعبرا عن ارادة العمال، وتم رفض صيغة لجان العمل التي حاولت الادارة البريطانية فرضها في العمل النقابي، كما ان الحركة النقابية كانت منذ البداية جبهة عريضة تضم العمال علي مختلف مشاربهم السياسية والفكرية، وتدافع عن مصالحهم، كما طرحت الحركة النقابية قضية الجلاء وحق تقرير المصير والمطالب العادلة مثل المساواة في الاجور بين عمال الجنوب والشمال وبين المرأة والرجل(الجر المتساوي لعمل المتساوي)، وتحسين اوضاع العمال المعيشية والثقافية ومشاركة العاملين في صنع القرارات والتضامن مع عمل وشعوب العالم، كما اسهم السودان في تأسيس اتحاد العمال العرب، وكانت وحدة العمال هي الصخرة التي تحطمت عليها محاولات الادارة البريطانية في شق وحدة الطبقة العاملة بفصل العمال المهرة(الفنيين) عن جسد العمال، ولكن انتصرت ارادة العمال من البداية وتم تاكيد ان الفنيين جزء من الطبقة العاملة، كما لعب الفنيون دورا قياديا في الحركة النقابية منذ البداية.
كما أشرنا سابقا ان طريق التنمية الرأسمالية الذي سارت عليه البلاد بعد الاستقلال ادي الي تدمير القطاعين الزراعي والصناعي، وبالتالي كان له الأثر في تراجع نمو حركة الطبقة العاملة، اضافة للانظمة الديكتاتورية التي حكمت البلاد 47 عاما من 58 عاما هي عمر الاستقلال، وما تبع ذلك من مصادرة الحقوق الديمقراطية والنقابية وتشريد الالاف من العاملين نتيجة لسياسات الخصخصة التي تم اتخاذها، وما تبع ذلك من هجرة العمال المهرة والكفاءات للخارج، اضافة لسياسات التعليم الخاطئة وخاصة بعد نظام الانقاذ التي اهملت التعليم الفني والمهني، مما ادي للنقص الكبيرة في العمال المهرة وما تبع ذلك من تزايد العمالة الاجنبية التي نشهدها الان في البلاد، هذا اضافة لتدهور اوضاع العاملين علي المستوي المحلي والعالمي بفعل سياسات النظام الحاكم اضافة للازمة الاقتصادية العالمية، وموجة الاضرابات الواسعة التي انتشرت من اجل صرف المرتبات والمتاخرات، ومن خلال تراكم هذه المعارك تستعيد الطبقة العاملة السودانية تقاليدها المتمثلة في المطالبة بقوانين ديمقراطية للنقابات والتنظيم النقابي المستقل عن السلطة، وحق العاملين والموظفين والمهنيين في ابتداع الاشكال النقابية التي تناسبهم، ومواصلة النضال من تحسين مستوي العاملين المعيشي والثقافي.
ثانيا : ماهي ابرز المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة السودانية في:
( الفترة 1956م--- 2010 م)؟
*كما اشرنا سابقا يمكن، القول أن الشكل الحديث لنشؤ وتطور الطبقة العاملة لم يظهر إلا مع بداية القرن العشرين عندما تم إلغاء نظام الرق والسخرة في السودان، وتم تعميم العمل المأجور كبديل لنظام الرق. وللقارئ الذي يرغب في المزيد من آليات التحول من نظام الرق إلى العمل المأجور يمكن أن يرجع إلي بحث د . أحمد العوض سكنجة: الانتقال من نظام الرق الي العمل المأجور (Slaves Into Workers ,1898 -1956 , )
هذا فضلا عن أن الإدارة البريطانية كانت محتاجة لهذا الشكل ( نظام العمل بالأجر ) ، حيث كانت ترغب في ايجاد عمال متحررين من قيود العبودية لكي يعملوا في المشاريع الاقتصادية والعمرانية التي كانت تخطط لها في بداية دخولها للسودان مثل : مشروع الجزيرة ، السكك الحديدية ، الميناء .... الخ . وان نظام العبودية كان نظاما متخلفا ولا يتناسب مع الشكل الجديد للاستغلال الرأسمالي الذي كانت الإدارة البريطانية تريد غرسه في السودان .
ومنذ نهاية القرن الثامن عشر اندفعت الثورة الصناعية في إنجلترا ومنها إلى بلدان العالم الرأسمالي الأخرى والمستعمرات . وبإعادة احتلال السودان عام 1898 م ارتبط السودان مرة أخرى عن طريق إنجلترا بالنظام الرأسمالي العالمي ، وبدأ السودانيون يعرفون القاطرات ، والعربات والشاحنات ، كما بدأت تحل طلمبات الري محل السواقي ، وحلت الطواحين محل المرحاكة ( والفندك والهون ) ، كما حلت عصارات الزيوت الميكانيكية محل عصارات الجمال ، وبدأت التراكتورات تدخل في الأساليب الحديثة للإنتاج الزراعي .
كل هذه التطورات والآلات الحديثة التي بدأت تدخل السودان واتسعت منذ بداية القرن العشرين ، كانت محتاجة إلى قوى عاملة جديدة ، وكانت محتاجة إلى نوع جديد من التعليم للتعامل معها ، وبالتالي طور الاستعمار نظام التعليم ليتواءم مع احتياجاته الجديدة لتسيير مشاريعه الصناعية والخدمية ، ولسد النقص في الإداريين والكتبة لتسيير دولاب الدولة
هكذا بدأت تظهر طبقة عاملة وفئات متعلمة تعليما حديثا ، وظهرت شركات ومشاريع زراعية وصناعية ، وبالتالي تطورت طبقة التجار الأجانب والمحليين واصحاب الملكيات الزراعية ، وهكذا ظهرت علائق انتاج جديدة ، وتوسع العمل المأ جور.
* ومع استقلال السودان عام 1956م ظهر قطاع صناعي كان يساهم بحوالي 9% من اجمالي الناتج القومي، وبلغ عدد عمال الصناعة حوالي 12 ألف عامل.
وكان عدد العاملين حوالي 100 ألف في بداية الخمسينيات من القرن الماضي. كما زاد عدد العاملين في قطاع الخدمات علي سبيل المثال: بلغ مجموع العاملين في السكة الحديد والنقل النهري (25,263) في عام 1953م ( سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان).
هذا ويعتبرالغاء نظام الرق والانتقال الي العمل المأجور وتعميمه ليصبح هو السائد من أهم المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة حتي نيل السودان لاستقلاله عام 1956م.
(للمزيد من التفاصيل حول ذلك: راجع تاج السر عثمان: خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2007م)
*المتغيرات بعد الاستقلال:
كان من أهم المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة بعد الاستقلال في الفترة( 1956-1969م)، وبتأثير الدفع الرأسمالي الذي حدث: ظهور عاملين في صناعات جديدة حديثة علي رأسها صناعة الغزل والنسيج وظهر تمايز في الطبقة العاملة بين العاملين في الانتاج الصناعي وقطاع الخدمات، فعمال الانتاج الصناعي نما عددهم من حوالي 12 ألف عشية الاستقلال الي اكثر من 20 ألف (الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص 175-176).
هذا اضافة للارتفاع في المستوي المهني للطبقة العاملة واتسع نطاق التعليم المهني والفني الذي ادي الي تطوير الطبقة العاملة نفسها.
( الفترة( 1969 م – 1985م)
في هذه الفترة تدهورت وتعمقت مشاكل الصناعات مثل : صناعة السكر ، الأسمنت ، الغزل والنسيج ، الزيوت ، الجلود ، الصناعات الغذائية .... الخ . هذا إضافة لتركز هذه الصناعات في الخرطوم والإقليم الأوسط ( مثلث الخرطوم – سنار – كوستي ) كما أوضح المسح الصناعي للعام 81/1982 ، فقد كانت 56,4 % من الصناعات بها 79 % من العاملين تبلغ مرتباتهم 80,9 % توجد في الخرطوم والإقليم الأوسط ، كما نلاحظ ضعف التعليم الفني اللازم للتنمية الصناعية والزراعية ، فقد كانت نسبة الطلاب في المدارس الفنية لا تتجاوز 20 % من مجموع الطلاب في التعليم العام ، كما أنها لا تتجاوز أيضا 21 % في التعليم العالي .
+ من حيث تركيب القوى العاملة ، كان 71,6 % يعملون في القطاع الزراعي ، والعاملون في مجالات الإنتاج غير الزراعي 12,6 % ، العاملون في الخدمات 7,6 % ، العاملون في البيع 4,5 % ( العرض الاقتصادي 76 /1977 ) .
+ كما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير في هذه الفترة بشكل لا يتناسب مع الأجور ، على سبيل المثال في عام 1985 ، كان الحد الأدنى للأجور 60 حنيها ، بينما كان الحد الأدنى لتكاليف المعيشة 536,326 جنية حسب دراسة قامت بها الجبهة النقابية .
كما تميز تطور الطبقة العاملة في تلك الفترة بتدهور أوضاعها المعيشية ، مما أدى إلى هجرة الآلاف من العمال المهرة إلى بلدان الخليج إضافة لتدهور الإنتاج الصناعي وإغلاق العديد من المصانع أو العمل بنصف طاقتها أو ثلث طاقتها ، كما انضم إلى صفوفها آلاف المهاجرين من الريف من ذوى الوعي المنخفض ، هذا إضافة لتشريد وهجرة مئات النقابيين المتمرسين ، وأصبح اتحاد العمال جزءا من الدولة أو رافدا من روافد الاتحاد الاشتراكي ، وتمت مصادرة حق الإضراب .
فترة الانقاذ ( 1989 – 2005م):
نلاحظ في هذه الفترة ظهور قطاعات جديدة في الصناعة مثل قطاع البترول والتعدين ، ومدينة جياد الصناعية في مضمار الصناعة التحويلية الذي يشمل قطاع صناعة المتحركات ( ورش وستة خطوط لتجميع التراكتورات ووسائل النقل المختلفة ) وقطاع الصناعات المعدنية الذي يشمل مصنع الحديد والصلب ، مصنع الألمنيوم والنحاس والكوابل ومصنع المواسير ومجمع سارية الصناعي ( الذي بدأ بمصانع الأحذية والبطاريات والملبوسات الجاهزة وتحولت ملكية المجمع للقطاع الخاص ، وبدأ في إنتاج سلع مثل مصنع الأجهزة الكهربائية ، مصنع البلاستيك ومصنع التغليف ) .
رغم هذه التطورات الجديدة في القطاع الصناعي، إلا أنه ظل يعاني من مشاكل مثل: الطاقة، ضعف القدرات التسويقية، مشاكل متعلقة بالتمويل سواء المكون المحلي أو الأجنبي لتوفير قطع الغيار، مشاكل القوانين المتعلقة بالاستثمار...الخ. .
كما أشار المسح الصناعي الأخير ( 2001 ) إلى توقف 644 منشأة صناعية ، ومن الأمثلة لتدهور بعض الصناعات : * صناعة الزيوت والصابون عملت بنسبة 16 % من طاقتها التصميمية ( تقرير بنك السودان 2003 ). * والمثال الآخر صناعة الغزل والنسيج : بلغ عدد مصانع الغزل 15 مصنعا ، العامل منها 6 مصانع فقط ، كما بلغ عدد مصانع النسيج 56 مصنعا ، العامل منها 4 مصانع فقط ، كما تعمل مصانع الغزل بنسبة 5,4 % بينما تعمل مصانع النسيج بنسبة 5 % من إجمالي الطاقة الإنتاجية ( تقرير بنك السودان 2003 ) . كما أوضح المسح الصناعي لولاية الخرطوم الذي تم عام 1997م أن اكثر من 60% من المصانع معطلة والعاملة منها تعمل بأقل من 30% من طاقتها الانتاجية( الصحافة 11/11/ 2001م)
هكذا نصل إلى حقيقة تدهور القطاع الصناعي بسبب تلك المشاكل وعجز الحكومة تماما عن مواجهتها ، رغم ذلك فقد ساهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 24,1 % وهذا يعود إلى ارتفاع نسبة البترول والتعدين التي بلغت 9,6 % في الناتج المحلي الإجمالي ( تقرير بنك السودان 2003 ).
وكان من نتائج تدهور القطاع الصناعي أن تقلص عدد العمال الصناعيين في الصناعة التحويلية والتعدين والكهرباء والمياه والبناء والتشييد من حوالي 320 ألف في عام 1992م الي حوالي 130 ألف في عام 130 ألف في عام 2003م ، وتقلصت نسبة المرأة العاملة في الصناعات " صناعات النسيج والأغذية" من 10% عام 1992م الي 8,5% عام 2003م( التقرير السياسي المجاز في المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني، ص 42- 45).
وتم تشريد الالاف من العاملين بسبب الخصخصة، وتدمير مؤسسات خدمية عريقة مثل السكة الحديد التي تقلص عدد العاملين فيها من 31,200 عام 1989م الي 11.250 عام 2003م( صحيفة الميدان ، فبراير 2003م).
وتقلص عدد العاملين في قطاع النسيج من 30 ألف عامل مطلع التسعينيات الي 8 ألف عامل فقط عام 2001م( صحيفة الايام: 4/ 9/2001م، تقرير رئيس غرف النسيج د. الفاتح عباس). كما بلغ عدد المتأثرين بخصخصة مؤسسات القطاع العام 32 الف عامل وموظف عام 2004م ( صحيفة الايام 14/ 4/ 2004م).
كما بلغ عدد العاملين في القطاع الأهلي للتنقيب عن الذهب اكثر من 200 ألف عامل يعملون في ظروف بيئية وأمنية قاسية، حيث بلغت عائداته خلال العام 2010م مليار دولار( الصحافة 1/ 10/ 2010م).
هذا إضافة لتمركز الصناعات في المدن ، فقد أوضح المسح الصناعي الأخير أن 64 % من المنشآت الصناعية الكبيرة في الخرطوم ( المسح الصناعي 2001 ) .
* ومن المتغيرات تدهور التعليم الفني والتدريب ، وظهور العمالة الأجنبية في البلاد( هنود، بنغال، مصريون، اثيوبيون..الخ)، علما بأن العطالة بين الشباب بلغت 1,4 مليون عاطل عن العمل، أي 15% من قوة العمل في البلاد" 15- 24 سنة"، كما بلغت نسبة العطالة بين خريجي الجامعات 49% ( صحيفة الأيام : 4/11/ 2001م). وفي ظروف يضرب فيها الفقر 97% من السكان، ويستحوذ 2% من السكان علي 88% من الدخل القومي( الأيام: 30/ 9/ 2001م).
اضافة للاستغلال البشع والاوضاع السيئة الذي يعاني منها العاملون في المصانع والمؤسسات في ظروف مصادرة الحقوق والحريات النقابية، وفرض نقابة المنشأة بدلا عن نقابة الفئة، والفصل والتشريد من العمل. علي أن اسوأ الاستغلال هو عمل السخرة الذي يعيدنا لفترة الحكم التركي والذي يتمثل في الخدمة الالزامية التي يتعرض لها الخريجون الجدد حيث تستحوذ الدولة او المؤسسة المعينة علي عرق وجهد الخريج بمرتب ضئيل حوالي 60 جنيها، وهو استغلال اسوأ من نظام الرق حيث كان الاسياد يستحوذون علي كل عائد عمل الرقيق مقابل معيشته واولاده، أي مايكفي لتجديد قوة عمله، أما الخريج الجديد فلا يكفي مبلغ ال 60 منصرفات مواصلاته!!.
* ومن المتغيرات ايضا أن اصبحت خدمات التعليم والصحة وقطاع خدمات الكمبيوتر من مصادر التراكم الرأسمالي فانتشرت في البلاد المدارس والجامعات والمستشفيات وشركات الكمبيوتر الخاصة والتي يملكها افراد أو شركات، يتعرض فيها العاملين من معلمين واساتذة جامعات واطباء ومبرمجي ومهندسي وفنيي الكمبيوتر الي استغلال رأسمالي بشع حيث يتم الاستحواذ علي قوة عملهم الذهنية مقابل اجور زهيدة وشروط خدمة مجحفة. وهذا يدخل في المتغيرات في تركيب القوي العاملة في ظروف الثورة العلمية التكنولوجية والتي اصبحت تضم فئات العاملين اليدويين والذهنيين الذين يتعرضون للاستغلال الرأسمالي.
وأخيرا تلك خطوط عامة لمتابعة المتغيرات في تركيب الطبقة العاملة السودانية، والتي تحتاج للمزيد من دراسة الواقع لمعرفة أعمق بتلك المتغيرات والتي تساعد في تنظيم الطبقة العاملة من اجل انتزاع حقوقها وتنظيماتها النقابية وتحسين اوضاعها المعيشية والثقافية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.