تحت عنوان (الحكومة تفتتح لافتة مرورية) جاء في الراكوبة بتاريخ 5/1/2014م ما نصَّه (تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لعدد من المسئولين يُعتقد انهم معتمد بربر وآخرون وهم يفتتحون لافتة مرورية ! وأثارت اللقطة موجة من السخرية وسط المعلقين عليها واستدلوا بها كمؤشر علي حجم التدهور الذي أصاب مؤسسات الدولة. ويظهر مع المعتمد ضابط شرطة وعدد من المواطنين و الاطفال وبعضهم يبتسم. ويبدو ان افتتاح اليافطة المرورية وإقامة الاحتفال بالمناسبة يجئ كاستجابة لنداء كان قد وجهه والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر نهاية العام قبل الماضي حين دعا عضوية حزب المؤتمر الوطني بضرب الطار للمشاريع التي تفتتحها الحكومة ليرى الناس ما فعلتم لهم). و قد علَّق ناشطون علي الصورة الأكثر تداولاً (وقتها) على صفحات التواصل الإجتماعي بسخرية فقال أحدهم: نحي السيد/ المعتمد ومدير المرور على هذا الإنجاز العظيم والكبير بالمحليّة وهو مؤشر لِقِمَّة التنميّة بالمحليّة و أن هذا الإنجاز الكبير يستحق وسام الجمهورية لذا نوصي بتكريم المعتمد و ترقيته إلى "والي"، وعلّق آخر "تصدقوا انو غرس هذه اللافتة كان متصدرا للأخبار بالتلفزيون المحلي"، و كتب أحدهم ساخراً "بسيطة ياشباب الراجل عايز يظهر بالشال المطرز دا مشتريهو جديد لنج وناس كِسِّير التلج ماقصروا اختاروا له "أعظم مناسبة"). عظمة المناسبة لا تقل عن عظمة مناسبة افتتاح المشير لكبري توتي وسط تعرجاته المثيرة للخجل علي صخب و أنغام فرقته الماسية قبل عدة سنوات. و حتي هذه اللحظة لا استطيع و الكثيرين غيري فهم الجدوي الاقتصادية لتشييد هذا الجسر الذي شوَّه المنطقة و غيَّب جمال النيل. و قد كنت أتساءل دائما كلما مررت بشارع النيل "من هو صاحب فكرة بناء هذا الجسر و ما الذي كان يدور بخلده ؟؟؟" و كنت أضحك دائما مع نفسي و أقول ربما كان تاجر ليمون (مع الاعتذار لمنتجي الليمون بجزيرة توتي العريقة). و لا نجد بدا إلا أن نهنئ أبناء توتي الطيبين لهذا الإنجاز العظيم الذي بالتأكيد أوجد لهم منفذا آمنا لتوريد الليمون للأسواق المجاورة. و لا يفوتنا أيضا أن نتقدم لجميع أبناء بربر داخل السودان و خارجه حار التهاني بهذا الإنجاز الكبير و نناشدهم الحرص (عند عودتهم لقضاء الإجازات مع الأهل) علي اصطحاب أسرهم و خاصة الأطفال لزيارة هذا المعلم البارز لشحذهم بالروح الوطنية و الإنتماء للبلد و معالمه البارزة و الطفرة العمرانية الهائلة التي يشهدها فهذه اللافتة العجيبة التي لا تقل في عظمتها و جمالها عن برج إيفل المائل او حدائق بابل المعلقة. و علي الرغم من أن الحدث كان مثارا للسخرية وسط السودانيين إلا أنه بلا شك يتفوق كثيرا علي إنجازات الطفل المعجزة وزير الاستثمار الذي أعلن بلا حياء أو خجل (كما جاء في الراكوبة يوم الثلاثاء 23 سبتمبر 2014م) عن افتتاح محكمة ونيابة خاصة بشكاوى ونزاعات الاستثمار في الأول من نوفمبر القادم. و هو في الحقيقة اعتراف صريح بفشل أكذوبة جذب الاستثمارات الأجنبية و اعلان نهايتها المحزنة كما توقعنا في مقالات سابقة بأن الحكاية كانت و لا زالت مجرد فقاعة و ذوبعة في فنجان و ضجيج بلا طحين. فافتتاح محكمة و نيابة خاصة لنزاعات الاستثمار يشير بكل بساطة إلي أمرين: الأول: أن حجم النزاعات و الشكاوي و الدعاوي جَرَّاء عمليات النصب و الإحتيال علي المستثمرين خاصة الأجانب من كل الأجهزة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالاستثمار و العاملين بها (كبارهم و صغارهم من منسوبي المؤتمر الوطني و أذيالهم) قد تضاعفت بشكل ملحوظ و متسارع للدرجة التي استدعت افتتاح محكمة خاصة لها. أما الثاني: فهو محاولة لفتح باب آخر للفساد بعد أن عزف العرب و الأجانب عن الاستثمار في السودان للتدهور الاقتصادي المريع و استمرار تدهور قيمة العملة المحلية و عدم الاستقرار السياسي و اتساع نطاق الحروب الأهلية و فوق كل ذلك انتشار الفساد و تحوله لسرطان ممتد في كل أجهزة الدولة المترهلة و التي أصبحت تمثل بحد ذاتها عبئا علي موارد البلاد و حاجات المواطنين الأساسية و حياتهم اليومية. فالمحكمة المزمع افتتاحها في نوفمبر القادم بالتأكيد ستتحول لأحد أكبر بؤر الفساد التي يتم من خلالها النصب علي المستثمرين العرب و الأجانب و المحليين و سيتسابق علي العمل بها قضاة بعينهم من ذوي الوجوه المُسَوَّمة بالظلم و الفساد و تطويع نصوص القانون لخدمة مصالحهم الخاصة. و علي نفس نهج قصة (عموم وزارة الزير) للكاتب المصري حسين مؤنس (التي استدعيناها في مقال سابق هنا في الراكوبة) ستتطلب محكمة الاستثمار الوليدة (عند احمرار بأس فسادها المؤكد) إلي محكمة أخري أعلي للنظر في قضايا الفساد الخاصة بها و لقضاة أعلي درجة في الفساد. و حتي هذه الأخيرة بعد فترة وجيزة من الوحل و العطن سيجد معها الطفل المعجزة نفسه مضطرا لافتتاح محكمة أعلي منها للنظر في فسادها هي الأخري و تتوالي المحكمة تلو الأخري و تصبح القصة (زي حجوة أم ضبيبينة) إلي أن يتم في نهاية الأمر تغيير إسم وزارة الاستثمار إلي (عموم وزارة محاكم و نيابات الاستثمار). أما تصريحه و اعترافه في نفس الإعلان المشار إليه بتكوين لجنة لحل مشكلة الأراضي وتوفير النقد الأجنبي للمستثمرين، و توقف كثير من الصناعات تماما لعدم توفر الطاقة وأن عدد من المصانع بمنطقة سوبا تعمل ب 50% من طاقتها فهو تصريح يكشف الفشل و يؤكد أن وزارة الاستثمار أصبحت بلا عمل أو انتاج و يمثل العاملين فيها من كبيرهم إلي صغيرهم (المنتسبين للمؤتمر الوطني و أتباعهم) مجرد عطالة مقنعة لا حاجة لها تشكل عبئا علي الإقتصاد الوطني. و كل الأموال التي تصرف في السيارات الفارهة و المكاتب الفاخرة و المخصصات التي لا طائل لها و المؤتمرات و المعارض الداخلية و الخارجية تبديدا مفضوحا لموارد البلاد ليس إلا دون أي حسيب أو رقيب. و من البديهي أن يتساءل كل من يطالع هذا التصريح (بلد يعاني مناخه الاستثماري مشاكل في الأراضي المخصصة للاستثمار، و عدم وجود عملة صعبة للمستثمرين، و فوق كل ذلك عدم توافر الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل المشاريع الاستثمارية) ما هي إذن الجدوي الاقتصادية من بقاء وزارة الاستثمار نفسها و هي لا تملك شيئا تقدمه و أو تقوله للمستثمرين الأجانب و الوطنيين. فالسيد الوزير يقول للمستثمرين ببساطة اقتصادنا منهار و عملتنا متدنية و لا توجد عملة صعبة و عندنا مشاكل في تخصيص الأراضي للمشاريع المصدق لها و لا توجد طاقة كهربائية تكفي حتي المشاريع القائمة و كل الأجهزة التي لها علاقة بالاستثمار فاسدة فلا تترددوا للاستثمار في السودان أو تخافوا علي أموالكم لأننا نُبَشِّرَكم بأننا بصدد افتتاح محكمة و نيابة خاصة للاستثمار في نوفمبر القادم ستعمل علي إرجاع أموالكم (التي ستتعرض حتما للنصب و الاحتيال) إليكم بالتمام و الكمال !!!. ما كل هذا الهراء ؟؟؟ و الهراء في اللغة (هو الكلام الكثير الفاسد الذي لا نظام له ولا رابط بين جُمله وفِقَره وهو كلمات أو عبارات دون معنى). من الأجدي أن تلغي هذه البؤرة الفاسدة المسماة وزارة الاستثمار من الوجود و تُحَوَّل إلي مجرد إدارة صغيرة في وزارة التخطيط أو جهاز مستقل يتبع لها كما كانت سابقا و توظف كل الموارد المهدرة فيها و التي لا طائل لها لتطوير القطاعات المنتجة التي لها ارتباط حقيقي بحياة الناس. و لكن ماذا نقول إنه زمن الجهل و الفوضي و المتاجرة بالدين و صدق ابن خلدون عندما قال في مقدمته (اذا دخل اهل التجارة في السياسة أعرف ان الدوله قد هرمت وفسدت) و قال في مكان آخر منها (انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش وبداية لشرخ يؤدي إلى انهيار الدولة. و قال أيضا (الذين يعتمد عليهم الحاكم في الدفاع عن الدولة من أهل المصالح الشخصية هم الذين يقضون على الملك) و أمثال الطفل المعجزة و غيره من عصبة المؤتمر الوطني الفاسدة و أذيالهم من أهل المصالح هم الذين قضوا علي الأخضر و اليابس و دمروا البلاد و أوصلوها إلي هذا الدرك السحيق. و في تصريحين لسعادة الوزير يجسد فيهما صدق المثل القائل (التاجر بعد يفلس بفتش دفاتره القديمة) يدعو فيه القطاع الخاص الوطني للمساهمة في الاستثمار بعد أن جفت منابع الاستثمارات الأجنبية و انفجرت فقاعتها. الأول: جاء في سياق التصريح المنشور بالراكوبة عن الانتباهة بتاريخ الأربعاء 24/09/2014م و الذي طالب فيه بخصخصة الكهرباء مُقِرَّاً خلال ملتقى استثماري بالخرطوم أن الكهرباء من أكبر المعيقات التي تواجه الاستثمار داعيا ولاية الخرطوم للتعاون مع القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء باعتبار أن وزارة الكهرباء ليس لديها تمويل لذلك ولا وزارة المالية لديها المقدرة لتوفير المال. ناسيا أن قطاع الكهرباء قد تمت خصخصته منذ أكثر من أربعة سنوات وفقا للقرار رقم 169 لسنة 2010م الصادر عن مجلس الوزراء بإلغاء تأسيس الهيئة القومية للكهرباء و أيلولة كل ممتلكاتها و عقاراتها و أصولها و التزاماتها للشركات المنشأة في مجال الكهرباء و منها الشركة السودانية لنقل الكهرباء، الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، الشركة السودانية للتوليد الحراري، الشركة السودانية للتوليد المائي، شركة كهرباء سد مروي، و غيرها و أصبح قطاع الكهرباء منذ وقتها ضمن القطاع الخاص و لا تدخل إيراداته ضمن بند إيرادات موازنة الدولة. و أصبح المستفيدين من إيرادات هذا القطاع (كما أوضحنا في مقال سابق في الراكوبة) هم حملت شهادات إجارة أصول الشركة السودانية لنقل الكهرباء المحدودة (شاشا) و حملت شهادات صكوك إجارة أصول الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء المحدودة (نور) و أغلبهم من البنوك الأجنبية و العرب و الأتراك و غيرهم من المنسوبين للحركة الإسلامية العالمية بجانب كبار تجار المؤتمر الوطني إما بأسمائهم مباشرة أو عن طريق مؤسسات و شركات يمتلكونها أو صناديق لهم فيها أسهم و حصص. أما الثاني: فقد جاء في سياق تصريحه المنشور في الراكوبة أيضا بتاريخ الثلاثاء 23/09/2014م الذي طالب فيه القطاع الخاص التعجيل بتنفيذ حصته من مشروعات الاستثمار والمحددة بنسبة 70% من جملة الاستثمارات بالبلاد وفقا لسياسات الدولة المطروحة بمنحها الأولوية للمستثمر الوطني للمساهمة في الاستثمار. و يبدو أن البقر قد تشابهت علي السيد الوزير و وقع في ذلة لسانه و خلط بين (المؤتمر الوطني) و (المستثمر الوطني) فقد كانت الأولوية دائما ليس فقط في الاستثمار بل في كل شئ للمؤتمر الوطني و دفاتر الرأسمالية الوطنية أصبحت خالية حتي من العظم منذ زمن طويل من عمر الإنقاذ بعد أن تم استهدافها بشكل منظم أُستُبِيحَت خلالها حساباتهم الخاصة في البنوك و كُشِفَت أسرار تجارتهم و صناعتهم و زُج بهم في غياهب السجون و تقاسمت عليَّة الطغمة الفاسدة ثرواتهم و ممتلكاتهم و من بقي منهم علي قيد الحياة إما تحول إلي فقير معدم لا يملك قوت يومه أو توقف تماما عن الانتاج و العمل التجاري و البعض الآخر حالفه الحظ بالنفاد بجلده و الهجرة بما تبقي له من ثروة لاستثمارها خارج البلاد في المنافي القريبة و البعيدة. و بالتأكيد لن يجد سعادة الوزير دفاتر قديمة يرجع إليها في دعوته للتعاون بين ولاية الخرطوم و القطاع الخاص غير دفاتر أمثاله من عصبة الفساد من تجار المؤتمر الوطني التي تكتنز خيرات ولاية الخرطوم عينك يا تاجر. و هذه (أي ولاية الخرطوم) منطقة مقفولة يحرسها عمالقة غلاظ لا يرحمون و لا يتركون رحمة الله تتنزل علي خلقه لهم مدرستهم الخاصة في الفساد لا يقوي عليهم سعادة الوزير شيئا فهو كما يقول المثل في شمال الوادي (لا يستطيع بيع الميه في حارة السقايين) و سيجد نفسه في نهاية المطاف و لو بعد حين هو و وزارته أسيرا لأوهامه الاستثمارية هائما في متاهته يجتر الإفك و ذلة اللسان و لغو الحديث الذي لا يخرج الناس منه بشئ غير الحكمة القائلة إن (فاقد الشئ لا يٌعطيه). من حق أي مواطن أن يسأل بكل بساطة لماذا لا تستطيع الولاية تمويل الكهرباء ؟ و لماذا تعجز وزارة المالية عن توفير التمويل ؟ أليس هذا هو دورها الرئيسي في توفير التمويل لمشاريع التنمية ؟ و لماذا فشل سد مروي في توفير الكهرباء لكل السودان كما أعلن المشير في احتفال خزان مروي الذي شهد صخبا و دويَّا من التهليل و التكبير (إن كان صادقا و نقيا و صادرا عن أناس خيِّرين و قلوب سليمة) لاهتزت له الأرض و تصدعت أمامه الجبال ؟ و أين هي الشركات التي تم تأسيسها علي إثر قرار خصخصة الهيئة القومية للكهرباء المشار إليه سابقا ؟ ماذا تفعل و أين تذهب إيراداتها ؟ و لماذا لا توظف إيرادات شهامة و شاشا و نور و أخواتها و بنات عمها في تمويل أحد أهم البنيات الأساسية للبلاد ؟؟؟ إلي متي يحتمل السودانيين هذا الدمل بين أجسادهم ؟؟؟ إلي متي يحتمل السودانيين هذا الدمل بين أجسادهم ؟؟؟ حسبنا الله و نعم الوكيل ،،، حسبنا الله و نعم الوكيل ،،، حسبنا الله و نعم الوكيل [email protected]