لم يشك أحد في أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيحسم الجدل حول مصرية حلايب، بعدما أرسلت الرئاسة المصرية، لنظيريتها السودانية رسالة واضحة، أنه لا حديث نهائيا عن حلايب لأنها مصرية، ولا يجب أن توضع ضمن المناقشات الثنائية بين البلدين خلال زيارة البشير الحالية لمصر، وهو أمر راوغ فيه البشير مدعيا في البيان المشترك أنه يجب أن توضع الخلافات الثنائية بين البلدين جانبا، وهو يعرف جيدا أنه لن يستطيع الحديث عن هذا المحور. وجاء الحسم المصري بوضع البشير أسفل خارطة تؤكد أن حلايب داخل الحدود المصرية، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل تعداه إلى تعمد تغييب العلم السوداني من خلفية البشير، الأمر الذي حمل العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت الإهانة من السيسي للبشير أم للسودان كبلد يفترض أن يوضع علمه بجوار العلم المصري؟ وحسب الدوائر المقربة، فإن البروتوكول المصري اعتمد منذ وقت مبكر وضع البشير أسفل خارطة القطر المصري، ولم تحاول الرئاسة السودانية أن تغير الموقف نهائيا، أو حتى تبادر بمحاولة إخفائه، خاصة أن الشعب المصري كان مهيئا لظهور السيسي قويا في أي حديث حول حلايب، وكانت الرسالة واضحة في هذا الشأن، لكن الشيء المؤسف أن يدخل البشير القاعة التي سبق أن جلس فيها خلال زيارات سابقة، ويعرف مقوماتها وما تحتويه من خارطة، ثم لا يعبأ بالأمر، كما يرى غياب العلم السوداني ولا يهتم بالأمر، من هنا تكمن نظرية الوطنية والإهانة، فلو افترضنا أن السيسي يريد إهانة رئيس دولة وبلد، فهل يليق برئيس دولة أن يقبل إهانته وإهانة بلده، اللهم إلا إذا كان هذا الرئيس لا يعبأ بالدولة ولا بالوطن ولا بالأرض، ولا يبحث إلا عن كرسي يجلس فيه، ويتربع عليه بلا منغصات، وهو السر الذي فطنت له مصر وعرفت أن البشير لا يهتم كثيرا إلا بكرسي، فخصصت له ما يريد وغيبت عنه ما لا يهتم به، فغاب العلم السوداني الذي حتما يجب ألا يكون خلف البشير، تأكيدا لعدم شرعية البشير في تولي دولة بحجم السودان، وعدم استحقاقه الهالة في الحديث عن أراضي وحدود، لعدم جدارته بالحديث لغياب شرعيته. أما البشير فلم يعترض أو حتى يوجه صوت لوم ، أو يتنحى إلى كرسي آخر ليدلل على وطنيته، لكنه كان كمن يلهث إلى ذاك الكرسي خلف أي خريطة وتحت أي علم، معلنا عدم تحمله الوقوف أو الدخول في لعبة تغيير المقاعد، خاصة أن ركبتيه لم تعد تحملاه إلا أقرب كرسي تحت أي مظلة كانت ولو في ظل القطر المصري. ولم يخف عن البشير ومن ولاهم أمر البروتوكول السوداني أنه عندما استقبل السيسي وضع له علما مصريا خلفه، ويعرف أيضا أن السيسي قبل أيام فقط وضع علما ليبيا خلف رئيس الوزراء الليبي، ووضع علما آخر أثيوبيا عندما استقبل قبله رئيس وزراء أثيوبيا، إذن لماذا غاب العلم السوداني من غرفة اللقاء المشترك؟ لذا فإن الإهانة المصرية لم تكن في يوم ما للسودان كشعب، ولدولة، لكن المشكلة باتت بعيدة جدا عن هذا الأمر المرتبط باللعبة البروتوكولية، ليذهب إلى أبعد من ذلك، حيث الاستغلال في من يريد السلطة، ويريد الحماية المصرية، ومن يريد أن يخدع الشعب السوداني بأن العلاقات الثنائية متكافئة بين البلدين، محاولا إخفاء أن الندية لم ولن تكن حاضرة في يوم ما لا في الاقتصاد المتبادل ولا في السياسة المتبادلة، فعلى أي شيء يتم التفاوض إذن. مصر كانت قوية عندما وضعت خطتها وخارطتها وعلمها، ومطالبها، فأين كان البشير من كل هذا، وهو يذهب بلا خارطة أو خطة أو حتى علم، فقط كمن يمثل أمام المحكمة ليدلي بأقواله فيما فعل وعما ارتكب وماذا سيفعل، وكيف سيفعل؟ أما مصر فرتبت منذ وقت مبكر ملفاتها بوضوح للبشير، والتي تتضح في عدة محاور أولها دعم البشير للإرهابيين المصريين، ودعمه للجماعات المسلحة في ليبيا ودعمه للحوثيين، ثم التقارب مع إيران وتهديد أمن الخليج، بالإضافة إلى الأمن المائي المصري، ليبقى السؤال ما المقابل الذي سيعود به البشير إلى شعب يعرف عدم شرعية من يتولى حكمه وبعد ذلك ينظر لإهانة البشير في الخارج على أنها موجهة إليه، فهل فاق الشعب، أم عليه قبول أمر من جاء بانقلاب في عام 1989 ويعلنه رئيسا شرعيا في تصويت كاسح في مايو 2015؟