في عصر يوم الاحد 9 نوفمبر رحل إلى دار الخلود الأخ والصديق العزيز الذي كان يحمل قلباً ناصعاً أبيضاً كبيراً / الفاتح سعيد ضرار له الرحمة والمغفرة فقد كان من أحب الناس الينا لم يحمل يوماً حقداً ولا ضغينه تجاه احد نفتقده إذا غاب يوماً أو يومين لانه "ريحانة المجالس" يعطرها بأريجه الفواح في الغدو والرواح والفقيد والد سعيد بابوظبي وشقيق أبو المسرح السوداني المرحوم الفاضل سعيد ،ويقام المآتم بحي"الهجرة" بود نوباوي بأم درمان..وقد قدم أبناء الجالية السودانية التعازي في الراحل الكبير بدار المركز الإجتماعي السوداني بأبوظبي للفقيد الرحمة والمغفرة وحسن العزاء، إنا لله وإنا إليه راجعون ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ----------------------------------------------------------------------------------------------- مقال عن الفقيد نُشر عام 2008وقد أدلى لأول مرة بأسرار لم تُنشرمن قبل عنه وعن شقيقه المسرحي الراحل الفاضل سعيد المسرحى الفاتح سعيد:أنا وشقيقى الفاضل سعيد وجهان لعملة واحدة فى طفولتى تقلدت دور حفيد بت قضيم أشفقت على الفاضل من شدة التعذيب عندما أندمج في دور الصحابي بلال الفاضل سعيد بدأ تراجيديا فى الروايات التاريخية مع ميسرة السراج خالد أبو الروس: الفاضل سعيد هو الحوار الذى غلب شيخه نذر حياته للمسرح ولفظ أنفاسه الأخيرة على الخشبة فى (الكِسكِته) حاوره من أبوظبى:محمد خوجلى الكرراوي منذ صغره كان يعشق التمثيل وهذا ليس بغريب عليه فهو من بيت فنى خرج منه أكبر وأعظم ممثل شهده السودان وهوالراحل المقيم المسرحي السودانى الفاضل سعيد ويحكى لنا الممثل الفاتح سعيد الذى لازم شقيقه الأكبرالفاضل منذ نعومة أظفاره عن تلك العلاقة التى تسودها الحميمية والألفة وعن كيف تعلم منه أبجديات التمثيل فألى الحوار: منذ أن وعيت وتفتحت عيناى على هذه الدنيا وجدت الفاضل سعيد ماثلا أمامى وكان بمثابة الأب والشقيق والصديق وكان بحق هدية من السماء منحها الله تعالى للشعب السودانى وقد غرس فينا الفاضل سعيد منذ البداية حب المسرح والفن والشعر وعند ولوجى دنيا التمثيل منذ طفولتى أسند الى دور حفيد بت قضيم وفيما بعد تقلدت أدوارا رئيسية فى مسرحية ما من بلدنا وأكل عيش وأبو فانوس والحسكنيت والعم صابر والنصف الحلو وأفتخر باننى عاصرت عمالقة التمثيل فى ذلك الوقت أمثال السر قدور وحسن عبد المجيد وأسماعيل خورشيد وياسين عبد القادر وأبراهيم حجازى ومحمد خيرى المراحل الدراسية: درست فى خلوة الشيخ خليل فى مسجد عبد الماجد جد السياسى المعروف د. منصور خالد وأنتقلت بعدها الى مدرسة الهجرة الأولية ومن بعد ذلك الى المرحلة الوسطى أمدرمان الأميرية التى تجاور سينما أمدرمان ومن معالمها ساعة الحائط الكبيرة ألتى تتصدر بهو المدرسة وكان الأستاذ الحورى معلم اللغة العربية يولى أهتماما خاصا بفن المسرح المدرسى وفى أمسيات الجمعية الأدبية كانت تقام العروض ومن أهمها تقديم البروفيسور الماحى اسماعيل الخبير فى علم الموسيقى وأظنه الآن يقيم بألمانيا منذ فترة طويلة وكانت مقطوعات موسيقية تخلب الألباب وفى ذات مرة حضر لزيارتنا شقيقى الفاضل سعيد وزميله أسماعيل خورشيد وقدموا لنا أسكتشات حية أذكر مطلع منلوج للفاضل سعيد يقول فيه :أوع تبص وراك ياشاطر .. والأستاذ فى الفصل..وآخر يحث على المثابرة فى العلم وعدم تأجيل عمل اليوم الى الغد . أنتقلت بعد ذلك الى المرحلة الثانوية فى مدرسة أمدرمان الأهلية وكان الأستاذ ياسين يشجعنى كثيرا لأداء أدوار مسرحية وفى أحتفال المدرسة بأستقبال الطلبة الجدد ووداع القدامى وجهنا دعوة للفاضل سعيد وقدم أول منلوج من تاليفه ومطلعه :أنا فنان فنان/أنا بعرف أتفنن/ بطلع فى الخشبة وأتجنن/واحدين بيقولوا ده عنده مواهب/وناس يقولوا حالته تحنن. تأثر الفاضل سعيد كثيرا بأستاذه الراحل خالد أبو الروس بأدائه وشعره ومنلوجاته وقال عنه أبو الروس بالحرف الواحد: أنه الحوار الذى غلب شيخه تواضعا وأعترافا من أبو الروس بموهبة الفاضل، ومن ضمن الشخصيات التى كنت ألتقيها فى دارنا المنلوجست الراحل (بلبل) الذى رحل فى ريعان شبابه وكان ملازما للفاضل يسهرون الليالى الطوال خارج المنزل لتقديم فقرات فنية فى المنتديات وبيوت الأفراح وكانت والدتنا لها الرحمة تعامله كأبنها وتعطف عليه كثيرا لأنه كان ضعيف البنية ولايهتم بصحته كثيرا الكثيرون من أبناءالجيل الحالى لايعرفون أن الفاضل سعيد بدأ ممثلا تراجديا للروايات التاريخية مع المسرحى ميسرة السراج فى فرقة السودان للتمثيل والموسيقى ويواصل المسرحى الفاتح سعيد حديثه فى هذه الحلقة عن رحلته الفنية مع شقيقه الفاضل سعيد ويقول عنه بأنه شاعر متمكن وله ديوان وأغانى عاطفية أشهرها أبوى يايابا ما تقول ليه لأ.. التى يؤديها الفنان الشعبى محمد أحمد عوض ومنى الخير المسرحية التى حققت أكبر أيراد فى تاريخ المسرح هى الحسكنيت و الحسكنيت هو نوع من الأشجار الشوكية التى تنبت على شكل نجمة وهى مشهورة ب لسعة أشواكها المؤلمة ، مسرحية نبتة حبيبتى تم تصنيفها فى المرتبة الثانية ومثلتا علامات فارقة لفن المسرح ويسترجع الفاتح سعيد شريط الذكريات قبل أنشاء دار الفنانين كان الموسيقيون يجتمعون فى بوفيه الأذاعة ولم تكن لهم دورات لتطوير مهاراتهم وبحضور الموسيقار الأيطالى ماسترلى الى السودان فكر فى أنشاء فصل تعليمى للموسيقى داخل الأذاعة بأمكنيات متواضعة وبدأ فى تعليم ألف باء الموسيقى ومن تلاميذه الفنانون حسن عطية وأبراهيم الكاشف وأبراهيم عوض والتاج مصطفى وأحمد المصطفى وعثمان حسين وعثمان الشفيع والحويج والتجانى مختار وخليل أسماعيل ومحجوب عثمان وصلاح محمد عيسى وعلى ميرغنى وعلى مكى ومحمدية وعربى وعبد الفتاح الله جابو وخميس مقدم ومحمد نصير (ترمبيت) وعثمان ألمو أول من صدح بأغانى الجاز، وشهدت تلك الحقبة فى آواخر الخمسينات قدوم مصطفى كامل مدرس آلة القانون والذى جاء قادما من مصر كمعلم منتدب أحب الفاضل سعيد أرض الكنانة وكانت له صداقات وطيدة مع الأشقاء فى مصر وخاصة فاروق الجوهرى مدير أذاعة ركن السودان والذى كان عند حضوره للسودان يحل ضيفا فى منزل الفاضل سعيد ببحرى وقد تأقلم سريعا مع عادات السودانيين وكذلك الأعلامى المصرى المعروف فؤادعمر مقدم برنامج حبابك عشرة وأول مسرحية عربية سجلت لتلفزيون القاهرة فى 1969م هى مسرحية أكل عيش وشارك الفاضل سعيد فى بطولة فيلم رحلة عيون أنتاج مصرى سودانى مشترك مع محمود المليجى وسمية الألفى وأمين الهنيدى وصلاح أبن البادية وأخراج أنور هاشم، وعن علاقتى بالأذاعة السودانية التى بدأت عام 1955م وكان يعمل بها كوكبة من المبدعين ومنهم الأعلامى عبد الرحمن الياس وكان رجلا هادئا ويميل الى التصوف وله معرفة تامة بعلم الفلك والأساتذة محمد صالح فهمى وأبو عاقلة يوسف وياسين معنى الذى كان يقدم من الشرق والغرب وأحمد الزبير صاحب برنامج أشكال وألوان وعمر عثمان فى فرصة سعيدة و ساعة سمروكانت الأذاعة تتبع لوزير الأستعلامات والعمل اللواء محمد طلعت فريد وكانت تسمى بهذا الأسم وقتذاك ووكيلها محمد عامر بشير فوراوى، العنصرالفنى النسائى كان وجوده نادرا فى الحقل الأعلامى أمثال الفنانة عائشة الفلاتية ومهلة العبادية وفاطمة الحاج وحواء الطقطاقة والرحمة مكى ومنى الخير وكورس الأذاعة النسائى مجتمع أم درمان: كشخص خرج من صلب مجتمع مدينة أم درمان وأحاول أن اصفه لك وصفا دقيقا بحكم معايشتى له عن قرب فقد كان ومازال تسوده روح الألفة ولو أنها ليست بذات القوة اليوم لأن عدد القاطنين كان محدودا ويعرفون بعضهم البعض ومشهود لهم بالتآذر والترابط يتماهى الكل فى بوتقة واحدة لذلك تجد العمال والموظفين والرأسماليين طبقة متساوية فى الحقوق والواجبات وأخوة فى الأفراح والأتراح و الأندية الرياضية والثقافية لها دور فاعل فى مجتمع مثل مجتمع أم درمان ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نادى الأصلاح بحى مكى والزهرة بابى روف وأم درمان الثقافى الذى يجاور منزل رائدة المجتمع السودانى حاجة كاشف في حي بيت المال بالقرب من منزل الزعيم أسماعيل الأزهرى وأيضا نادى التاج بحى البوستة للوسيلة العكام وكذلك كنا نقوم بأعداد ورش عمل للنصوص الأذاعية ونلتقى فى بوفيه ودرو الذى يديره العم أبوسليم وأحيانا تكون لقاءتنا فى مقاهى أم درمان التى لها نكهة خاصة ولكل مقهى طابعه الخاص مثل جورج مشرقى فى سوق الموية وأحمد خير جوار السينما الوطنية ويوسف الفكى يلتقى الشعراء مع الأدباء والفنانين والعمال والموظفين ولأأنسى كذلك مقهى ود الأغاء وودالحسين ويضيف الفاتح سعيد : عندما حضرت مع فرقة الفاضل سعيد لأبوظبى بدولة الأمارات العربية المتحدة بدعوة كريمة من الوجيه كمال حمزه مدير بلدية دبى آنذاك وكان بمثابة الأب الروحي الذى رغم مسؤلياته الكبيرة فقد وظف جل وقته لرعاية الفرقة الفنية التى أحيت ذكري ألأستقلال المجيد شاءت الظروف أن أعمل وأستقر فى أبوظبى وفيما بعد أحضرت الفرقة مرة أخرى على نفقتى الخاصة وقدمت عروضا فى جميع الأمارات ولكننى منيت بخسارة مادية ولكن حبى الشديد للمسرح وفنه لم يقف حاجزا أمام المادة والى الآن مازلت أقيم فى أبوظبى، هذا قليل من كثير فالفاتح سعيد المسرحى المخضرم شاهد عيان لأغلب الأحداث الهامة فقد عاصر ثلاثة أجيال وكل مرحلة لها دورها ويقوم الآن بأعداد وتأليف كتاب شامل يوثق فيه لرحلة الفاضل سعيد الفنية على مدى نصف قرن من الزمان. أردنا أن نسلط الضوء على تلك الحقب وخاصة تاريخ المسرح السودانى ومسيرة الفاضل سعيد الحافلة بالعطاء وشخوصه التى أستوحاها من عامة البسطاء لقد لفظ الفاضل أنفاسه الأخيرة على خشبة المسرح بينما كان يؤدى دوره فى مسرحية الكِسكِته فى مدينة بورتسودان تلك المدينة التى أحبها دوما وكما يقول المثل يموت الزمار وأصابعه ممسكة ب مزماره ولنقل أعطنى مسرحا أعطيك شعبا . وبرحيله أطفئت أضواء المسرح وأسدل الستار ومات الضحك، لكنه مازال حيا فى وجدان الأمة السودانية. محمد خوجلي الكرراوي