سلطات الرقابة غائبة، والسوق المركزي للخضر والفاكهة في الخرطوم مسرحا لمخالفات عديدة، غير أن ما دفعنا إلى زيارة السوق هذه المرة، شكوى من بعض المواطنين مفادها أن تجار الفاكهة وتحديداً عددا من أصحاب ثلاجات حفظ الفاكهة وإنضاجها يستخدمون أساليب غير صحيِّة كي (تلحق) بضاعتهم السوق. ومن هذا المنطلق زرنا السوق المركزي وتحدثنا إلى عينات من التجار والمواطنين، فتكشفت لنا حقائق مذهلة: حامض "كبريتيك" و"كانون" أحد التجار في منطقة (الثلاجات) بالسوق قال ل(اليوم التالي ): إن عدداً من التجار يستخدمون غاز الإيثانول وحامض الكبريتيك لإنضاج الفاكهة، طلبنا منه أن يشرح لنا أكثر، فاستطرد: (الفاكهة خاصة الموز تحتاج إلى الإيثانول لتنضج وهو غاز مستخدم في كل أجهزة الإنضاج، لكن البعض يضيف إليه حامض الكبريتيك الذي يُسرِّع الإنضاج ويُكسِب الفاكهة لوناً أصفر رائعا بالذات في الساعات الأولى بعيد إخراجها من الثلاجة). معلوم أن مادة الإيثانول وحامض الكبريتيك يكونان في حالة سيولة، لذا يقوم التاجر بمزجهما كيفما اتفق، ووضعهما في إناء وإشعال نار في كانون يوضع في أحد أركان الثلاجة والتي دائما ما تكون في شكل غرفة مساحتها 6×4 أمتار تزيد أو تنقص، والنار التي تشتعل في الكانون تعمل على تحويل الكبريتيك والإيثانول إلى غاز تتم عبره عملية إنضاج الفاكهة. "بطاريات" السيارات من جهته قال التاجر (أ-ع): إن جهاز إنضاج الفاكهة متوفر لكنه عالي السعر، ما جعل البعض يستخدم بعض المواد الضارة للإنضاج، فبعد أن يعد موقده التقليدي (الكانون) يضع عليه مواداً مستخرجة من مخلفات بطاريات السيارات والمصانع لتوليد غاز آخر تمتصه الفاكهة خاصة (الموز والبرتقال)، وأكد (أ-ع) أن أكثر من 70% من التجار في السوق يستخدمون طريقة الإنضاج التقليدية. جاهز الإنضاج.. "30" ألف جنيه تاجر موز آخر، أشار إلى أنه ظل يستخدم جهاز إنضاج الفاكهة وهو جهاز مربع أشبه بجهاز التكييف يعمل بواسطة الكهرباء ويعبأ بغاز الإيثلين، الذي اشتراه بمبلغ (30) ألف جنيه، مشيرا إلى أنه يحقق نتائج جيدة حتى إن الفاكهة التي يتم إنضاجها بواسطته تكون واضحة من نضارتها ورونقها وتحافظ على شكلها لمدة أطول عكس التي تنضج بالطرق التقليدية، وأضاف: الذين يشتغلون في بيع الفاكهة يعرفونها ويفضلونها على غيرها، وكشف أنه بمقدور هذا الجهاز إنضاج كل سعته من الفاكهة في ساعة واحدة. صحة المواطن في خطر في مركز بحوث الأغذية الحديثة، قدمنا لبروفيسور عمر محمد صالح، اختصاصي فسيولوجيا ما بعد الحصاد، قدمنا له حصيلة جولتنا في السوق المركزي، فعلق: أية فاكهة لابد أن تصل مرحلة الإنضاج ومن ثم تحصد، لكن هنالك فاكهة تحصد قبل أن تنضج بمدة بسيطة، مثل الموز عندما يصل مرحلة التدوير يحصد ويكون عندها أصبع الموز مدورا وليس مضلعا أو سداسيا، ويأتي الموز إلى أسواق الخرطوم من جهات الدمازين ومن الجروف على النيل الأزرق في مناطق كركوج وغيرها ومن كسلا التي يزرع فيها على ضفاف القاش. أما فيما يتعلق بإنضاج الفاكهة بواسطة غاز الإيثلين، فقال: (هذه الطريقة تنتج موزا شاحبا وغير متجانس الإنضاج وعليه بقع سوداء)، وأشار إلى أن استخدام الإثينول مضاف إليه حامض الكبريتيك ضار جدا بصحة المستهلك، وفي ذات الوقت ضار بصحة العاملين في إنضاج الفاكهة، وقد يسبب لهم أضرارا كبيرة في المستقبل، وفي بعض المرات تنجم عنه حوادث لجهة أنه قابل للانفجار وقد يؤدي إلى العمى.. وتعجب صالح من تمسك التجار باستخدام طريقة ضارة، وقال: (الأمر المستغرب إصرار التجار على استخدام طريقة خطرة وضارة في حين أن الجهاز متوفر وبسعر مقبول ويحقق أرباحا). وعن الطريقة المثلى، قال بروفيسور محمد صالح، إن غاز الإثيلين محفز لعملية انضاج الفاكهة ولهذا الغرض يستخدم الإثيلين النقي عبر جهاز الإنضاج للحصول على إنضاج متجانس وهذه الطريقة العلمية آمنة للثمرة، ومن مزاياها يكون الموز فاقع اللون ونضرا. أما المستخدم في إنضاجه غاز الميثانول والنار يكون شاحبا وعليه بقعا سوداء.. وأشار إلى أن عملية الإنضاج يجب أن تتم في درجة حرارة مناسبة، ومثلا ينضج الموز في 20 درجة مئوية. شلقامي: نحتاج لرقابة من جهته طالب اختصاصي كيمياء الأغذية، دكتور نصر الدين شلقامي، بالحرص على اتباع الطرق العلمية السليمة في إنضاج الفاكهة باستخدام جهاز الإنضاج وغاز الإثيلين، وقال: (يجب أن يستخدم مولد الإثيلين في عملية الإنضاج)، محذرا من استخدام الإثيلين بإفراط ودون اتباع إجراءات السلامة لجهة أن الغاز نفسه ضار حال تم استنشاقه، لذا تغلق الثلاجة جيدا، ودعا شلقامي السلطات لمزيد من المتابعة والرقابة، وقال: (سعر مولد الإثيلين 25 ألف جنيه ومع ذلك بعض التجار يستخدمون حامض الكبريتيك المخلوط مع الكحول لعملية إنضاج الثمرة وعلى السلطات أن تراقب). اليوم التالي