يقول المراقبون للسلوك الإداري لقيادات الطائفة الختمية من أسرة الميرغني: إن الصمت والإشارة هي اللغة التي يكثرون بها التواصل مع الآخرين من داخل منظمومة الطائفة التي تربت على استقبال الإشارات وترجمتها وتحويلها إلى أوامر واجبة التنفيذ.. ويرجع الكثير من هؤلاء المراقبين من أهل الطائفة الختمية ذلك إلى سلوك صوفي يتصل بحالة التأمل والصمت والهدوء- أي أنه حالة أخلاقية تتصل بوسائل النزاع وطرائقه. ومن خلال تتبع الميرغني ونجليه نجد أن سلاح الغياب والمغادرة هو السلاح الأكثر استعمالا خلال الفترة التي أعقبت مشاركة الحزب الاتحادي الأصل المفاجئة عقب انتخابات العام 2010م واختيار نجله جعفر الصادق مساعدا لرئيس الجمهورية وعدد من قياداته وزراء في حكومة القاعدة العريضة ثم حكومة ما بعد انفصال الجنوب. ونجد أن أول من استخدم رمزيات وأسلحة المغادرة هو نجل الميرغني جعفر الصادق، الذي اختير في المنصب المرموق، لكنه ظل في حالة تسفار دائم، نقلت التسريبات أنه حالة من الرضا عبَّر عنها بالغياب، لعل ما يصلح أن يكون إشارة ترجح أن الأمر حالة عدم رضا حضور جفعر الصادق خصيصا لحضور خطاب الوثبة، الذي ظن الكثيرون في الساحة السياسية أن تغييرا كبيرا سوف يعلن عبر خطاب الرئيس في ذلك اليوم، ولعل ما أغضب نجل مولانا من الأمل أن تتم معالجته في الخطاب الشهير، لكن ذلك لم يحدث، وعاد مولانا الصغير إلى ممارسة هوايته في التخفي خارج البلاد، في الوقت الذي استمر فيه طاقمه في الانتظام في مكتبه في القصر الجمهوري.. عجائب القدر أما نجل السيد محمد عثمان الميرغني الآخر فقد مارس التخفي والسفر الاحتجاجي أول الأمر مع والده عندما شاع أنه غير راض عن سير وأداء الحزب، وقيل إنه دخل في حالة من الصراع المكتوم مع والده، الذي أمره بالمغادره فورا إلى لندن؛ حتى لا يشيع جوا من التمرد وسط أعضاء وقيادات الحزب. خروج مولانا لكن مولانا- نفسه- حرص على الخروج إلى عاصمة الضباب لندن بعد أحداث سبتمر من العام قبل الماضي، خروجاً رأى الناس أنه يستطبن حالة من الاحتجاج وعدم الرضا، عبّرت عنها اجتماعات قيادة الحزب للنظر في سحب الوزراء من الحكومة؛ حيث مرروا ذلك بما يشبه الإجماع، وظلوا فترة طويلة مولانا حتى (يبت) في توصية الخروج من الحكومة، لكن طال الانتظار، وسافرت الوفود من الحزب، ومن الحكومة حتى تصل إلى نتيجة وإلى قرار. تحول كبير بعد أن طال الانتظار نسي الناس أمر الانسحاب من الحكومة- وربما- ظنّ الميرغني أن الثورة الشعبية قد تندلع في أعقاب الأحداث فأراد أن ينفض يده من المشاركة حتى لا يلحق به عار المشاركة وبحزبه؛ ولأن الأمور استقرت للحكومة ولحزبها، وعادت إلى طبيتعها بالتدريج، ظلت وصية قيادة الحزب معلقة لدى مولانا حتى جاءت التحولات الكبرى، وبدل أن ينسحب الاتحادي من الحكومة خرج بقرار المشاركة في الانتخابات؛ فمضي الميرغني في تبديل موقفه، الذي فهمه الناس منذ الخروج في أعقاب سبتمبر، ملحق به وفي ذات الاتجاه تحولات أخرى لنجله الحسن. المشاركة حقيقة ماثلة بعد الزلزال الكبير الذي أحدثته تأكيدات الحزب الاتحادي مشاركته في الانتخابات عبر حصة محددة أشرف على هندستها نجل الميرغني الحسن، بعد أن ظن المراقبون أنه من دعاة التغيير وضح أنه انقلب إلى الإشراف على مرحلة عبّرت أكثر عن الاقتراب الشديد من الحكومة وحزبها الحاكم، وبعد أن كان الحسن الصغير آملا في التغيير صار فجأة مسماراً لتثبيت الارتباط. غضبة الحسن في غمرة المعركة الانتخابية التي دخلها الاتحادي بموجب صفقة غامضة سافر مولانا الحسن إلى خارج البلاد، حيث اختلف الناس في بيان المبررات والأسباب التي عجلت بخروج السيد الصغير؛ حيث ذهب تفكير الغالبية إلى عدم التزام الحزب الحاكم بتفاصيل الصفقة التي صرف فيها الاتحادي النظر عن الخروج من الحكومة، ليتحول إلى المشاركة في الانتخابات. التيار