قبل فترة ليست طويلة نشرت الصحافة خبراً مفاده أن زعيم قبلي بالخرطوم وبعض الشيوخ أقاموا دعوة للقائم بالأعمال الأمريكي بالسودان، الخبر ربما يكون طبيعياً أو أقرب إلى ذلك لو انتهت الدعوة برفع الخيام ومغادرة الضيوف، ذات الشيوخ الذين دعوا القائم بالأعمال الأمريكي بالسودان توجهوا الجمعة الماضية إلى واشنطن في محاولة لبث الروح في ملف العلاقات السودانية الأمريكية، ففي غمرة انشغال الناس بالتشكيل الحكومي الجديد، طار هذا الوفد إلى واشنطن والوفد يترأسه زعيم البطاحين عصام الشيخ، الوفد طار إلى هناك في محاولة لإصلاح ما عجزت عنه الدولة طيلة ربع قرن، التطبيع، نعم تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية التي تفسح لها مراكز الدراسات ومؤسسات الإعلام الإقليمية والعالمية مساحة واسعة من النقاش. رجال لا يحملون معهم سوى قبائلهم أنى لهم أن يقدموا رؤية لدفع علاقات هي في الأصل مرتبطة بنظام كامل يحكم السودان، بل كيف يكون الحوار؟ ربما تتوقعوا أن يكون الحوار مرتكزاً بالكامل على حجم القبيلة وامتداداتها وعلاقاتها بالسُلطات وكم عدد الممثلين لها داخل مناطق صُنع القرار، بل ربما يُطرح على شيوخ القبائل هذه أسئلة على شاكلة، لأي درجة يستطيعوا التأثير على مؤسسات الدولة ويلوون يدها، ثم إذا حدث التطبيع على يد شيوخ القبائل -وهذا مستحيل- قطعاً فإن الذي سيحدث أن القبيلة الفلانية هي من أتت لنا بأمريكا. الصدمة كانت في المقاطع التصويرية التي نُشرت على مواقع التواصل، للأسف صادف الوفد القبلي الزائر واشنطن مظاهرة احتجاجية تندد بما يجري في جبال النوبة، فكان المشهد مذل لدرجة قد لا تستطيع أن تُكمل مشاهدته، إذلال لكل السودان وليس فقط لشيوخ قبائله، ولو أن الدبلوماسية في بلادنا فعلاً تقوم على الدبلوماسية فلن تسمح بهذا العبث.. منتصف العام الماضي، تفاجأت الأوساط الإعلامية والسياسية بظهور شيخ الأمين على خشبة مسرح الدبلوماسية الرفيع في تحول فارق لظهور الشيخ كمبعوث خاص للرئيس إلى دولة الإمارات، التي كانت تعاني وقتها من ركود أقرب إلى التوتر، ورغم أن الدبلوماسية الشعبية أمر متعارف عليه ومقبول إلا أن ذلك المشهد كان كسراً حادا لعمل الدبلوماسية التي تعاني في الأصل من تعثر ظل ملازماً لها، فكانت الرسالة الواضحة هي أن الدبلوماسية الرسمية فشلت في عملها فاحتاجت أن يُدفع لها بشيخ يستخدم علاقاته الشخصية لصالح الدولة، هذا المشهد وذاك عبر بجلاء تلاشي عمل الدبلوماسية وتراجعها لتترك الساحة للشيوخ ثم تعلو القبيلة. التيار