محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    حذاري أن يكون خروج الدعم السريع من بيوت المواطنين هو أعلى سقف تفاوضي للجيش    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتوى الإمام!!
نشر في الراكوبة يوم 28 - 06 - 2015

(إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ؟!)
صدق الله العظيم
إن من خطل الرأي، والجهل الموبق بالدين، أن يعتقد شخص إن " داعش" جماعة إرهابية، قتلت الأبرياء من المسلمين، وغير المسلمين، بصور وحشية بشعة، قطعت فيها الرؤوس، وأحرقت الناس أحياء، وسبت الحرائر من النساء، واغتصبتهن، واتخذتهن جواري، وباعتهن في اسواق للرقيق، واحتلت أراضي المسلمين في العراق، وفي سوريا، وشردت الآلاف من النساء، والشيوخ، والأطفال من أوطانهم، وحولتهم بين عشية وضحاها الى لاجئين، وقامت بأعمال بربرية، تجعلها لا علاقة لها بالإسلام، ثم بعد كل ذلك، يرى بأن هذا الشاب أو ذاك، من الذين قتلوا وهم يقاتلون في صفوف " داعش" وينفذون فظائعها، شهيد لأنه كان يجهل حقيقة " داعش"، أو يجهل بعدها عن الإسلام، وكان يظن أنها تطبق الإسلام، وأن ما تقوم به هو جهاد في سبيل الله، وهو حين لحق ب"داعش" كان ينوي الخير، و" إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل إمرئ ما نوى" !!
وهذا الفهم السقيم، هو ما قدمه السيد الصادق المهدي، في مقال بعنوان ( مأمون أحمد مكي شهيد) فقد قال ( الشهيد هو الذي يشهد بمقتله في سبيل الله لدين الله بالحق. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى". هذا الشاب هجر نعيماً كان يمنحه له وضعه الاجتماعي وانضم لجبهة النصرة ... والإنسان لأن فيه قبساً من روح الله لا تشبعه المباهج المادية، ففي مجال المسائل المادية كلما حصل الإنسان على قسط منها تطلع لمزيد، ولكن المثل العليا، والمعاني الروحية هي التي يمكن أن تحقق للإنسان الطمأنينة، وهذا يفسر تلبية كثير من أبناء وبنات الأسر المنعمة لنداءات يتوسمون فيها إشباع جوعهم الأخلاقي والروحي)(سودان تربيون 1/5/2015م).
أول ما تجدر الإشارة إليه، هو أن النيّة التي بها عبرة عند الله، هي النيّة التي تقوم على العلم الصحيح بحقيقة ما تفعله .. فإن كنت تجهل حقيقة ما تفعل، فإن نيتك غير مقبولة، وكذلك عملك. فلو كنت مثلاً لا تعرف كيف تتوضأ، ولا كيف تصلي، ونويت الوضوء والصلاة، ثم أديتهما بخلاف الطريقة الصحيحة، فإن نيتك هذه، لا تجعل وضوؤك صحيحاً، ولا تجعل صلاتك صحيحة. والإسلام لا يعذر الجاهل إذا إرتكب مفارقة، ولهذا جعل طلب العلم فريضة. والقانون الوضعي أيضاً، لا يعذر مرتكب الجريمة، لإدعائه الجهل بالقانون، لأن القانون لا يحمي المغفلين .. فلا يمكن ان تقتل، وتعفى، بحجة أنك كنت تجهل أن القتل حرام .. أو أنك كنت تظن انك على حق ومن قتلته على باطل، ولهذا قتله. بل ان المسلم قد يفعل فعلاً لا يرى فيه أي خطأ، ولم ينو به إلا الخير، وهو لا يشعر بأنه غير مقبول عند الله، فإذا به يلغي كل ما فعله من أعمال حسنة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) هكذا خاطب القرآن الاصحاب، رضوان الله عليهم، مع أنهم فعلوا ما فعلوا، بحافز من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، ولين جانبه معهم، وتواضعه بينهم، وما ذكر لهم القرآن من أنه بشر مثلهم .. فكان كل منهم، يرفع صوته ليسمعه رأيه، حتى جاءهم هذا النذير من ربهم.
يقول السيد الصادق (الشهيد هو الذي يشهد بمقتله في سيبل الله لدين الله بالحق) وهذا تعريف لا بأس به، وهو يقرر فيما نحن بصدده، بأن الشهادة لا تتحقق إلا بمعرفة الشخص، أن ما قتل فيه هو دين الله، فلا مكان للشهادة مع الجهل، كما أشرنا. ولكن تعريف السيد الصادق للشهيد، لا يزال دون المستوى العميق. فمن هو الشهيد ؟؟ الشهيد هو المطلع على ظواهر الاشياء، وبواطنها، ووسعها علماً، فلا يعزب عنه مثقال حبة في الارض، ولا في السماء، وهو الله وحده، قال تعالى في ذلك (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). والشهيد من أسماء الله. ثم إن مقام الشهيد، يتنزل دون ذلك ببعيد، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الشهيد على الأمة، لأنه يعلم خيارها، واشرارها .. وهو منها في مقام الوسط، كما أن كل الرسل شهداء على أممهم، قال تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا). ومن مقام النبي الكريم، يتنزل مقام الشهيد، ليكون حظاً للأمة المسلمة، قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).. فالأمة المسلمة وسط، بين إفراط اليهود في المادية، وإفراط النصاري في الروحانية .. ومن هنا، من موقع الوسط، رأوا الطرفين، وكل من يقف في الوسط، يرى الطرفين، عن يمين وشمال وينأى بذلك عن التطرف، ويحقق الحياد، وفي الحياد الاستقامة، والاستقامة هي الوقوف على السراط المستقيم، والذي يكون على السراط المستقيم، يجد الله، لأن الله على السراط المستقيم، قال تعالى (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). ومن مقام الأمة المسلمة، التي هي شهيد على غيرها من الأمم، يتنزل مقام الفرد، الذي يرى الحياة الدنيا والحياة الأخرى، ويعلم ان الاولى وسيلة الثانية، فيقدم حياته لنصرة الحق، فيعتبر شهيداً على كل من عجز عن فعله من الناس. هذه هي الشهادة في حقيقتها، أعلاها الحياة في سبيل الله بالعلم والتخلق، وأدناها الموت في سبيل الله بمعرفة وصدق.
والمعرفة تقتضي ألا تموت في سبيل الله، ما دام الوقت وقت الحياة في سبيل الله. ومن الحياة في سبيل الله، أن تدعوا إلى الإسلام بالتي هي أحسن، قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) ومنها ان تترك كل صاحب اعتقاد، على اعتقاده، ما دمت عاجزاً عن اقناعه بالإسلام، قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)!! وهذا هو أصل الإسلام، وهو يعتمد على القرآن المكي، وهو حين يبعث، يسود السلام، وتوقف الحرب، وتتحقق حقوق الإنسان، ويتحول الجهاد من قتال الآخرين، الى جهاد النفس لتستقيم على السراط وتحقق مقام الشهيد الحقيقي، وليس شهيد القتال.
يقول السيد الصادق المهدي ( هذا الاجتهاد الخارجي فهم أن آية السيف نسخت كل آيات التسامح في القرآن: "فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ"
واعتبروا أن الإسلام هو داعية السيف برواية لحديث مؤيد لذلك: " بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَعَ السَّيْفِ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَتِ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم". بموجب هذا الاجتهاد شيطنوا التعايش السلمي مع الآخر الملي أو المذهبي فلا سلام بيننا، وشيطنوا النظم السياسية الحديثة فالديمقراطية كفر، وشيطنوا الفكر الذي يخرج من الفهم النقلي، فالتفكير كالتكفير تطابقت الحروف وتطابق المعنى، وشيطنوا المرأة إذا خرجت استشرفها الشيطان وهي ناقصة عقل ودين ولا تجوز ولايتها في أمر عام: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً" ... هذه المفاهيم موجودة في التراث الإسلامي ولكن ما الذي أنعشها الآن؟)(المصدر السابق) هذا وصف السيد الصادق لجبهة النصرة، والقاعدة، وداعش، وبوكو حرام، وكل هذه المجموعات الإرهابية أنهم جعلوا الحياة شيطانية!! فهل يمكن ان يكون أحد الشباب، الذين إنضموا إليهم، وهو (يشيطن) معهم الحياة، شهيداً، إذا مات في ميدان القتال؟! و هذه المفاهيم، ليست موجودة في التراث-كما ذكر السيد الصادق- وكأنها قصص أو عادات، وإنما جاءت بها الشريعة، وموجودة بنصوصها في القرآن.
إن السيد الصادق لا يعلم شيئاً عما يتحدث عنه !! فآية السيف فعلاً نسخت آيات الإسماح، وهذا متفق عليه بين المفسرين، كما أن الواقع التاريخي يصدقه، فالجهاد بالسيف لا يمكن ان يقوم، لولا ان آيات الإسماح نسخت بآية السيف .. وما نراه اليوم من قتل، وسبي، واسترقاق، تمارسته " داعش"، ورد بنصوص قطعية في الشريعة. وإذا كان السيد الصادق، لا يزال عند رأيه القديم، بأن النصوص القطعية لا يجوز الإجتهاد فيها، فإنه لا يختلف من حيث فكره، عن "داعش"، وكل هذه الجماعات المتطرفة .. وإن أظهر التشبث بالديمقراطية، ودعا الى الجهاد المدني، بدلاً عن الجهاد بالسيف، وخدع بذلك بعض المثقفين، بعض من الوقت .. ولأنه في دخيلة نفسه، لا يخالف هذه الجماعات، يرى أن من يموت وهو يقاتل معها يعتبر شهيداً، ويسعى بحجج واهية، ليبرر ذلك.
والخطورة في تضليل السيد الصادق المهدي، أن يصدقه بعض الشباب، فيقولون لأنفسهم ما دمنا إذا متنا سنكون شهداء، فلماذا لا نذهب ونشارك مع " داعش" ؟! والحقيقة هي ان الشريعة مرحلية، وما جاءت به من نصوص قطعية، إعتمدت عليها هذه الجماعات المهووسة، ليست أصل الدين، ولا مراده اليوم .. بل هي من فروع القرآن، التي ناسبت المجتمع في القرن السابع الميلادي، ثم قصرت عن قامته المعاصرة. وأن واجب المسلمين، اليوم، هو بعث الآيات المكية التي هي أصول الإسلام، لأنها أحسن ما في القرآن- القرآن كله حسن ولكن بعضه أحسن من بعض- قال تعالى (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) وهي الأحسن لأنها تقوم على الحرية، وعلى السلام، وعلى المساواة بين الناس. والانتقال من فروع القرآن الى أصوله، ليس مجازفة بالرأي، ولا خروج عن الدين، وإنما هو تطوير للشريعة، فرضه الدين نفسه، وحاجة المجتمع، وطاقته، في الوقت الراهن.
يقول السيد الصادق ( أما في السودان فقد شهد السودان تجربة فريدة، عاش السودان قبل عام 1989م مجتمعاً معتدلاً دينياً، ومدنياً ومعيشياً وشهد مشروعات للتأصيل والسلام معتدلة كذلك ولكن فئة من مواطنيه هيأ لها طموحها القفز فوق الواقع الاجتماعي ورفع شعارات طوباوية شدت إليه كثيراً من الشباب فأنشدوا:
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللواء
لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فِداء
فليعُد للدين مجده أو تُرق منا الدِماء
أو تُرق منهم دِماء أو تُرق كل الدماء )(المصدر السابق) والشعارات التي رفعتها جماعة الاخوان المسلمين في السودان، ليست شعارات طوباوية .. وإنما هي شعارات دينية، مهووسة، دموية، ومتطرفة. لأن الطوباوية قد تكون مثالية، قائمة على المبالغة في الرخاء والأمن والسلام. وبسبب رفع هذه الشعارات الجوفاء، وتسخير وسائل الإعلام لإشاعتها، صعّدت حكومة الاخوان المسلمين الحرب بين الشمال والجنوب، وزعمت أنها الجهاد الإسلامي، وحشدت الشباب بالترغيب والترهيب، وألقت بهم في أتون الحرب. وكان كثير منهم مضللين، ويظنون أنها جهاد في سبيل الله، وبعضهم قتل في ميدان المعركة، فهل يعتقد السيد الصادق أنهم كانوا شهداء ؟! فإن قال بأنهم شهداء، يكون قد تفوق في التضليل على د. الترابي، مبتدع أكذوبة (عرس الشهيد)، لأنه، بعد المفاصلة، ذكر بأنهم ليسوا شهداء، وأن الحرب لا علاقة لها بالإسلام !! وإن قال بأنهم ليسوا شهداء، كما شهد عليهم شيخهم، يجئ السؤال : لماذا يعتبر الشباب الذين ماتوا مع جبهة النصرة شهداء، والذين ماتوا مع الجبهة القومية الإسلامية ليسوا شهداء ؟!
يقول السيد الصادق (النظام الذي رفع شعارات إسلامية طوباوية وحقق بدل اليوتوبيا "المدينة الفاضلة" الدستوبيا "المدينة الفاسدة" لعب دوراً مهماً في تشجيع نمو تيارات طوباوية أخرى، وفي دفع شباب محبط إلى الخيارات الجديدة، وفي خلق مناخ جاذب لشباب لم يكن حفياً بشعارات النظام أصلاً ولكنه نفر من الواقع الاجتماعي فاتجه نحو نداءات الوعد بفجر جديد، بعض الناس يذم هؤلاء الشباب، الذين انخرطوا في تنظيمات القاعدة والنصرة وغيرها، وينعتهم بالقتلة. هؤلاء الشباب ليسوا قتلة، القتلة هم الذين أفتوا بأن اختلاف الملة والمذهب هو علة القتال، والقتلة هم الذين خلقوا الظروف المحبطة لشباب تشدهم المرحلة الشبابية نفسها بالفطرة للمثالية)(المصدر السابق). فالسيد الصادق المهدي هنا، يحمل نظام حكومة الاخوان المسلمين في السودان، مسؤولية إندفاع الشباب نحو " داعش"، بسبب فشل مشروعهم الحضاري الإسلامي. ونحن نتفق معه، ونزيد أنه ليس لمجرد الفشل، ولكن لأن هنالك علاقة وطيدة بين الاخوان المسلمين وبين " داعش"، وغيرها من الحركات المتطرفة، فهم يدعمونها، ويسلحونها، ويمدونها بالشباب. ولكن هذا النظام البشع، الذي بسببه أحبط الشباب، ودفع الى الحركات الإرهابية المتطرفة، عندما أوقفت جنوب أفريقيا رئيسه، لتقدمه للعدالة، ناشدها السيد الصادق المهدي، بأن تخلي سبيله !!
وقبل ذلك رفض السيد الصادق، تسليم الرئيس عمر البشير، للمحكمة الجنائية الدولية، وقال(البشير جلدنا ما بنجرو بالشوك) !! وهو في غمرة حماسه، في الدفاع عن السيد الرئيس، نسى آلاف الذين قتلهم النظام من أبناء دارفور، واعترف الرئيس، نفسه، بأنهم قتلوا فيما لا يستوجب القتل !! ولم تتم محاكمة لأي شخص بسبب جرائم دارفور .. ولقد حفظت حكومة الاخوان المسلمين للسيد الصادق هذا الجميل، ووصفه متحدثها بالوطنية .. إذ كان بخلاف جميع السودانيين، الوحيد الذي طالب حكومة جنوب أفريقيا، ان تطلق سراح البشير!! في حين كان أبناء متضرري مناطق الحروب التي اشعلتها الحكومة، في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، يحاصرون سفارة جنوب أفريقيا، في عدة دول، يطالبونها بتسليم الرئيس للمحكمة الجنائية .. وحتى ترد الجميل، قامت الحكومة بطمأنة السيد الصادق، ليعود الى البلاد، وأعلن متحدثها بأنها لن تعتقله، كما اعتقلت د. أمين مكي، وأستاذ فاروق أبوعيسى، رغم أنهم جميعاً قد وقعوا على نفس الوثيقة. مثل هذه المواقف الخائرة، هي التي دفعت الشباب الى الخيارات الخاطئة.
ما هو الحل لمشكلة الشباب، الذي يذهب الى " داعش"، حسب رأي السيد الصادق؟! أسمعه يقول: (ولكننا في السودان نحتاج وعلى جناح السرعة للدعوة لمؤتمر قومي يشخص ظروف الشباب تشخيصاً موضوعياً لدراسة حالاتهم ومعاناتهم وسوف نفعل إن شاء الله. أما الحل لهم، ولبلادهم، ولأمتهم ففي مشروع استنهاض يصدع به عدول في الدين، وعباقرة في الفكر، ما لم نهتد لتشخيص صحيح للحالة، ويقدم المؤهلون للدعوة لمشروع نهضوي يشبع حماسة ومثالية الشباب ويوفق بين التأصيل والتحديث فإن الداء سوف يزيد انتشاره بصورة وبائية )(المصدر السابق).
هذا هو حل السيد الصادق مؤتمر قومي !! فالرجل مولع بالمؤتمرات، وبالحديث، وبالاضواء.. فقد اقترح المؤتمر القومي للحوار الوطني، واقترحه كبديل عن النظام، ولحل كافة مشاكل السودان!! ثم من هؤلاء العدول وعباقرة الفكر الذين يريدهم في مؤتمره ؟؟ هل يستطيع ان يستثني منهم الاخوان المسلمين الحاكمين، الذين نسب إليهم مأساة الشباب ؟؟ هل يستطيع أن يستثني منه د. الترابي وجماعته ؟؟ هل يستطيع ان يستثني الفقهاء الذين يوافقون " داعش" على فكرها؟؟ وإذا استثنى كل هؤلاء من يكون العدول وعباقرة الفكر الديني غير (الإمام) نفسه ؟؟
إن أفضل ما في فتوى السيد الصادق المهدي هذه، هي دعوته للشاب محمد، وأمثاله، من الذين إنضموا الى " داعش" بالمغفرة . ونحن كذلك ندعو الله أن يغفر لمحمد، وكل الشباب الذين إنضموا الى الحركات الإرهابية ، وقتلوا في صفوفها، ونعلم ان الله لا يتعاظمه ذنب ان يغفره . ولكننا لا نقول عنهم شهداء، حتى نضلل زملاءهم ونغري غيرهم بأن يقع في خطأهم، ولا يمكن أن نمحو تاريخهم، في المشاركة في أسوأ عمل ضد الإنسانية ، وهو ما تقوم به " داعش" !! هذا بالرغم من علمنا، بأن من ضللهم بافكار خاطئة، يشاركهم وزرهم، ومن هؤلاء الاخوان المسلمون أمثال المودودي وسيد قطب، ومنهم حكومة الاخوان المسلمين، الحالية في السودان، ومنهم السيد الصادق المهدي.
د. عمر القراي
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.