الخرطوم الغارقة في عطش نهارات رمضانها الساخن تبحث عن جرعة ماء تكون وقودها في اليوم الجديد. لم تجد نساء جبرة ما يحركن به مسارات حكومة الفريق سوى حمل (جرادلهن) والخروج إلى الشوارع يسبقهن الصوت (عطشانين عاوزين موية).. نغمة الاحتجاجات تجد استجابتها من تناكر الدفاع المدني التي توفر المياه في تلك اللحظة ثم تمضي في طريقها وتترك خلفها السؤال: وماذا عن (المواسير)؟ الفريق عبد الرحيم في منصبه الجديد كان واضحاً في نبرات اعترافه وهو يشير إلى وجود أزمة مياه من شأنها أن تعكر صفو العلاقة بينهم والمواطنين، لكن الرجل في بحثه عن التقليل من الأزمة يشير إلى أن هناك فقط حوالي عشرين حياً في الولاية تعاني من مشكلة المياه في مقابل ألف وستمائة حي تتمتع بالإمداد، ويكشف عن معالجات طارئة ستوضع من أجل تلافي تفاقم الأزمة. في سجلات الوالي مهلة عامين لانتهاء أزمة المياه في ولاية الخرطوم، لكن لحين الوصول إلى التاريخ الموضوع في سجلات الولاية فإن الأزمة الآن تحتاج لمن يضع لها الحلول النهائية. جبرة التي استقبلت التناكر وملأت منها مواعينها بالمياه، أعادتها محملة بالأسئلة: ثم ماذا سيأتي غداً؟ وهل ننتظر التانكر في كل يوم في ذات المكان أم نسبقه بالخروج ليلحق بنا ويعيدنا إلى المنازل؟ ربما السؤال الموضوعي هو: إلى متى ستستمر هذه الحالة؟ القرار الأول في سجلات الوالي الجديد كان هو تغيير مدير هيئة المياه والإتيان بمدير جديد كان قد غادر منصبه في العام 2009. المثير في الأمر أن أرشيف الصحف يحتفظ بسبب مغادرة الرجل لمنصبه في ذلك الوقت، وهو العجز عن توفير المياه! ربما الأمر ينبئ عن أن المعالجات المطلوبة هي معالجة سياسات أكثر منها تغييرا في الوجوه التي تدير العملية في سبيل السعي لضبط العلاقة بين الحكومة والمواطنين. أزمة المياه في الخرطوم المتزامنة مع رمضان تزيد من معاناة المواطنين في الشهر الفضيل، وهي ذاتها التي تصلح كثقاب لتغذية الاحتجاجات الشعبية ضد السياسات الحكومية، وهو أمر قد يحول المياه نفسها لسلعة سياسية يمكن أن يستثمر فيها المعارضون من أجل كسب مناصرين جدد، وهو أمر لا يبدو جديداً في المشهد السياسي السوداني. الموية بالتناكر.. هو المشهد الخرطومي الجديد الذي يضع حكومة الولاية في أحد خيارين؛ إما ضخ المياه في مواسيرها، أو توفير أكبر قدر من الوقود لتسيير التناكر اليوم التالي