هذا معرض يجمع بين الإبداع والمحاكاة والترفيه، ويتوجه للكبار والصغار على حدّ سواء، لأن صاحبه، الأميركي ناثان سوايا، يعتمد في تشكيل أعماله الفنية على لبنات ليغو. رأى المعرض النور في نيويورك عام 2007، ثم تنقل عبر أستراليا وآسيا، وبعض العواصم الأوروبية (بروكسل وأمستردام ولندن) قبل أن يحل بقصر المعارض بباريس. العرب أبوبكر العيادي لبنات ليغو، تلك الماركة الشهيرة التي تصنعها الشركة الدنماركية "ليغو غروب"، غزت العالم منذ ظهورها عام 1949، وعمت البيوت، فالآباء يقتنونها لأبنائهم منذ نعومة أظفارهم، فإذا كبر الأبناء اقتنوها بدورهم لأطفالهم، وهكذا دواليك على مرّ الأجيال، والسبب أنها لعبة تجمع بين التسلية والخلق والابتكار، من خلال عمليات بناء وتركيب لا تنتهي، تساعد الطفل على الممارسة اليدوية وتنمية ملكاته الذهنية. ولا يعني ذلك أن الشركة لا تزال تصنع المنتوج نفسه منذ تأسيسها، بل كانت تطوّره باستمرار، عن طريق شراء رخص علامات معروفة على نطاق عالمي، كالسيارات والشاحنات والطائرات والسفن والمراكب الفضائية، أو رخص الأعمال السينمائية والتلفزيونية الرائجة مثل "آل سمبسون" و"سيد الخواتم" و"حرب النجوم" وغيرها، تستغلها في اللعب والفيديو والسينما، مع المحافظة على ميزتها الأساسية وهي الترفيه على الجميع، دون التقيّد بسن. وبذلك احتلت هذا العام المركز الأول في قائمة "براند فينانس" كأقوى مؤسسة في العالم خلفا لشركة فيراري الإيطالية. وبعد شريط سينمائي ناجح عنوانه "ليغو المغامرة الكبرى" (كنا قدمناه لقرائنا الكرام بتاريخ 10-03-2014)، ها هو فنان آخر يساهم في الترويج للماركة من خلال معرض يحتل مساحة ألف وخمسمئة متر مربع من قصر المعارض في باب فرساي بباريس. هذا الفنان هو الأميركي ناثان سوايا، الذي بدأ حياته محاميا بنيويورك، ثم ترك المحاماة عام 2000 لينصرف إلى هوايته لبنات ليغو، التي شغف بها منذ صغره، ليخوض تجربة تجمع بين الجمالية والتسلية. وفي عام 2004 عمل بشركة "ليغو غروب" لمدة ستة أشهر، قبل أن يفتح مكتبا خاصا معترفا به من الشركة الأم، فكوّن مشغلا يمارس فيه هوايته، ومضى يبني من اللبنات سلسلة أطلق عليها "الإنسان العاشق"، وهو عبارة عن شخص ضامر الجسد يعانق الأشجار وأعمدة الكهرباء وعجلات الدراجات. وقد صنّف النقاد هذه السلسلة، التي تعدّ مئة عمل، ضمن تيار "ستريت آرت"، لكونها معروضة أمام العابرين، موزعة في مختلف شوارع نيويورك. ناثان سوايا: ميزة الليغو أنه يمكن كل شخص من أن يصنع ما يشاء ثم انتقل إلى استنساخ مواقع عالمية شهيرة باستعمال لبنات ليغو، مثل معبد أنغكوروات بكمبوديا، وخليج ها لونغ بفيتنام، والبتراء بالأردن، والسور العظيم بالصين، ومعبد أرتميس بتركيا، ونافورة تريفي بروما، وأهرام الجيزة بمصر، وجبل سان ميشيل بفرنسا، ومحطة سانت بانكراس بإنكلترا، وشلالات نياغارا في كندا وأميركا، وحاجز المرجان العظيم بأستراليا، وقناة بنما، وقصر الهيميجي باليابان. وجاءت كلها من حيث بنيتها وألوانها في صياغة محكمة يستدل الناظر إليها إلى الأصل بسهولة. وفي السياق نفسه، أقبل في مشغله الذي يضم ملايين اللبنات على صياغة معالم أميركية كتمثال الحرية وجسر بروكلين وأسد المكتبة العامة بالشارع الخامس وجبل راشمور، الذي خلد فيه النحات الأميركي جون غوتزونبور غلوم وجوه أربعة رؤساء أميركان (هم: جورج واشنطن وتوماس جيفرسون وثيودور روزفلت وأبراهام لنكولن)، وكذلك بورتريهات لأعلام بارزين مثل الرئيس لنكولن وأندي وارول زعيم تيار البوب آرت، وحتى صورته هو نفسه. ولما ازداد تمرسا بتطويع اللبنات مثلما يهوى، بدأ يستوحي أعماله من لوحات مشاهير الفنانين ك"الجوكوندا" لليوناردو دافينشي، و"الفتاة ذات اللؤلؤة" للهولندي يوهانس فرمير، و"الموجة الكبرى بكنازاوا" للياباني هوكوساي، و"ليل تضيئه النجوم" لفان غوخ، و"الصرخة" لإدوار مونك، و"نبع الماء" لمارسيل دوشامب. بل إنه أعاد صياغة لوحة "أم الفنان" للأميركي جيمس أبوت وايستلر بطريقة الأبعاد الثلاثة. كما قام بتجسيد تمثال "النصر المجنح" للإغريقي ساموتراس، وأحد أصنام "موآي" بجزيرة الفصح، وأبو الهول ونفرتيتي، و"فينوس ميلو" التي تمثل الإلهة أفروديت، و"مفكر" أوغست رودان، أو تجسيد بعض الحيوانات الداثرة مثل "التيرانوصور تي ريكس" الذي يبلغ طوله ستة أمتار واستلزم ثمانين ألفا وعشرين لبنة. وسوايا لا يعتمد على المشاهدة الحسية وحدها لصياغة أعماله، فله من سعة الخيال ما يجعله يبتكر أعمالا مخصوصة تتأرجح بين البوب آرت والسوريالية، نذكر منها بالخصوص "أصفر" التي تمثل شخصا يشرح صدره بكلتا يديه فتنساب لبنات ليغو أكداسا. أو "السباحة" التي تبدو في وضع أفقي وسط زرقة المياه المترجرجة. الطريف أن بالمعرض جناحا للتسلية، وضعت فيه لبنات ليغو تحت تصرف الصغار والكبار، كي يجربوا الخلق أو البناء هم أيضا على هواهم. ذلك أن سوايا يؤمن بأن "ميزة الليغو أن كل شخص يمكن أن يصنع ما يشاء"، ولكن يشترط أن يكون المرء في مثل مهارته وكدّه، ذلك أنه يعمل من عشر ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة في اليوم، وأن بناء شخص آدمي يستوجب منه ثلاثة أسابيع وعشرين ألف قطعة من لبنات ليغو.