حدث ذلك بعد أن كثرت خروقات المعارضين المشاركين في الحوار للخطوط الحمراء التي لا يسمح النظام بتجاوزها. وتتمثل هذه الخطوط الحمراء في عدم الحديث عن تحول ديمقراطي يفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية بديلة عن الحكومة القائمة اليوم، أو الحديث عن شكل رئاسي جديد بديلا عن الرئيس البشير مثل الشكل الذي اقترحه حزب الشيخ الترابي في شكل ثلاثة خيارات. أولها اختيار رئيس غير حزبي، وثانيها تشكيل مجلس رئاسي يتناوب أعضاؤه الرئاسة بصورة دورية شهرية، وثالثها تحويل الرئيس البشير إلى رئيس رمزي بلا سلطات تنفيذية تذكر. تلقفت المعارضة مقترحات حزب الشيخ الترابي الجريئة، وأضافت إليها العديد من المشهيات السياسية، مثل تحقيق العدالة الانتقالية ومحاكمة كل من ارتكب جرما في الفترة السابقة، ولكن صبر الرئيس وحكومته على تخريجات حزب الشيخ الترابي لم يدم طويلا. فقد حرك النظام وزراءه وكوادره للقيام بحملة تعرضت إلى تلك التخريجات. وعزفت هذه الكوادر بقوة على القول بأن الحوار الذي اقترحه الرئيس البشير بالأساس لم يكن يهدف إلى تأسيس وضع انتقالي، أو تشكيل حكومة انتقالية، أو كتابة دستور جديد في نهاية المطاف، وأن كل ما يهدف إليه الحوار هو فقط كتابة ميثاق يحدد كيف يحكم السودان وليس من يحكمه. كل ذلك الجهد المضني كان يهدف فقط إلى كتابة بعض الصفحات الإنشائية في شكل ميثاق لن يلتزم به النظام. ووصفت الكوادر الحكومية الحديث عن حكومة انتقالية بأنه أحاديث سابقة لأوانها، بينما وصفه آخرون بالحديث الواهم والساذج. هرش المعارضون الذين كانوا قد انخرطوا في الحوار مع الحكومة على أمل أن تصدق معهم الحكومة هذه المرة وتلتزم بتنفيذ وعدها. هرشوا رؤوسهم وتصايحوا فاول، وطالبوا الحكومة بتفسير تصريحات كوادرها السلبية عن أهداف الحوار الحقيقية، ولكن الحكومة لم تكترث ولم ترد عليهم حتى الآن. يرى كثيرون أن الحكومة بإطلاقها العنان لكوادرها للسخرية من الحوار والمتحاورين تمهد للزوغان من هكذا حوار بعد أن وضح لها أن الشيخ الترابي، عدوها المتدثر، يسعى إلى تحويله إلى فخ وقيد قد يصعب عليها الخروج منه في المستقبل. الذي لا خلاف عليه هو أنه قد توجب على الشعب السوداني المزيد من الانتظار الممل القاسي. الشرق