* صديقي العزيز.. عباس دلاقين.. عاد من رحلة طويلة قضاها في زيارة بعض أهله وأقاربه في بلاد (عجبستان) البعيدة.. ذهبت لزيارته.. لفت نظري أنه عاد نحيفاً.. (مزعمط) الشعر قليلاً.. شاربه (كث).. وعليه سيماء صلعة بالأطراف الأمامية والخلفية.. ولكن (سفته) الشهيرة ما زالت كما هي.. وإن بدا هادئاً قليلاً على غير العادة.. إلا أنني أعرف.. إنه الهدوء الذي يسبق دائماً سلاطة لسانه.. المهم بعد حمدلله على السلامة.. بدأ يحكي..!؟! * تصدق يا أستاذ.. (عجبستان) أصبحت بلدة طاردة حتى لأهلها.. قلة فقط من أهل الحزب الحاكم يتمتعون بخيرات البلاد.. يسكنون أفخم المنازل (ويستولون) وذرياتهم وأقاربهم على أرقى الوظائف والمناصب المهمة.. ويرفهون عن أنفسهم في مزارع فاخرة كل نهاية أسبوع.. فيها ما لذ وطاب.. من الأكل والشرب.. (والبهجة).. ولا بأس بقليل من (هجيج) ترويحاً للنفس.. من كآبة منظر (عاصمتهم) المكدسة.. بالقاذورات.. وأرتال النفايات.. (ونقة) شعبهم.. الصامتة..!!.. حتى الآن؟!! * تصدق.. كان لديهم عائدات (بترول).. ليس له أثر على حياة شعبهم.. (يقولون) إنه خرج من آباره.. ودخل الى آبار (أعمق).. وبطون أوسع من ناقلات النفط.. وتكدست عائداته.. بالداخل.. والخارج.. وحتى غرف النوم.. ودواليب الملابس كان لها نصيب.. من هذه الأرصدة.. بكافة أنواع العملات..؟!! * حتى (القروض).. والودائع التي وصلت من الخارج.. ضلت طريقها الى شوارع عاصمتهم.. وظهرت على شكل أبراج سكنية.. وعقارات راقية.. لعلية القوم في (عجبستان) حتى (زوجات) الكبار.. من المثنى والثلاث والرباع.. والذرية حتى الأطفال كان لهم نصيب منها.. ويبدو أنهم يستعدون.. لتوريث جيل جديد.. سدة المسؤولية..؟! * الفوضى ضاربة (أطنابها) في كل مرفق حكومي.. أو خاص.. وكل يفعل ما يحلو له.. والكل يتسابق في جمع أكبر قدر من الثروة.. والأملاك.. وكأن عجبستان مزرعة خاصة لهم..!؟! * واصل صديقي كلامه.. وانحدرت دمعتان.. مسحهما (بكم) الجلابية.. هل تصدق أن كل أراضي البلاد تم بيع جزء كبير منها.. تحت دعاوى الاستثمار.. وأن الكبار.. كان لهم نصيب الأسد.. من ذلك.. دون أن تطرف لهم عين.. أو يفكروا في مستقبل الأجيال القادمة.. حتى أن بعض الأخبار في (صحفهم) تقول.. إنهم يفكرون في بيع مساحات مقدرة لبعض (الدول) الغنية والقريبة منهم.. من أجل زراعتها ونقل المحصولات منهم.. اليها.. رغم ضائقة بلادهم الاقتصادية.. والمعيشية.. وذلك حتى يعيش (الكبار).. أباطرة..؟!! * يقولون.. إن في بلادهم.. (ذهباً).. نعم يوجد منذ التاريخ القديم.. وأيضاً الكبار.. وأقاربهم وذرياتهم.. والكبار جداً.. (من الأتباع)..!!. * ورغم خصوبة أرضهم.. وكثرة أنهارها.. فشلت زراعة (القطن) الذي كان عماد اقتصادهم ونهضتهم.. وتكدس عندهم إنتاج جديد يسمى (المحور) لا أحد يريده.. أو يريد الاقتراب منهم.. ومنه.. كان (القطن) عندهم رمز اقتصاد.. أصبح رمزاً.. للفساد؟!!. * ثروتهم الحيوانية.. تتدهور مراعيها.. مراعيهم تدهورت حشائشها وأصابها المحق والمحل.. تجارة (الجلود).. استولى عليها الكبار.. وضعوا أيديهم.. وأطماعهم على كل شئ مزروع.. يدر دخلاً ومورداً مالياً.." * لا أحد يأبه.. أو يخاف (المحاسبة).. بعد كل هذا العبث.. والشعب ينظر وينتظر.. وهو يعلم.. وبكل الصبر.. أن نظافة (السلم) لابد أن تبدأ من أعلاه..؟!! * كنت أستمع اليه مشدوهاً.. ومشدوداً بانتباه.. راعني وأعجبتني حرارة الحديث.. ونبرات الصدق فيه.. قاطعته قبل أن يواصل.. واستأذنت في الانصراف على أمل اللقاء مرة أخرى في المساء.. عند (مسطبة) دكان هارون كما تعودنا في سابق الأيام.. خرجت قاصداً الشارع العام.. في انتظار وسيلة مواصلات (ما).. ولكن يبدو أن (أمزجة) السائقين والكماسرة لها رأي آخر.. مرت أكثر من ساعة.. وأنا أنظر إلى عبث العابثين هؤلاء.. ورجال المرور ينظرون.. وكأنهم مكلفون بضبط حركة السير في كوكب آخر.. وبعضهم يتبادلون التحايا.. مع بعضهم.. في (مودة).. ظاهرة..!؟! * قررت الرجوع الى المنزل.. ونفذت القرار.. يعني شنو يوم (خصم) من العمل.. ما نحن أكثر من ربع قرن.. من السنوات والشهور.. والأيام ضاعت..؟!! * غير (ستون) عاماً.. كانت كلها.. (استغلال)..!؟! * لقد بلغ الصبر.. منتهاه.. الجريدة