لم تكن اصوات الزغاريد هي العنصر اللافت.. فالمساحة الشاسعة للصيوان شغلت اذهان العابرين ... كما ان ارتال الرجال والنساء والاطفال المتوافدين الى المنزل البرجوازي، توحي بأن تلك الاسرة من عجينة الاثرياء الذين باتت اعدادهم تتزايد بصورة لافتة .. كان اهل الدار مشغولون باستقبال الوفود المشاركة في مراسم الزواج. وكانت الأجواء مفعمة باسباب الفرح.. كانت الذبائح تنحر ثم يعاد الذبح مرة اخرى.. فقد كانت احدى العربات من ماركة الدفار مشغولة بنقلها الى منزل الاسرة. وكانت «صواني » الافطار «المدنكل» توزع على الحاضرين والضيوف بواسطة منسوبي احدى الشركات المتخصصة.. وللوهلة الأولى اعتقدت ان بروتكولات الزواج «السوبر» ستنتهي بانتهاء مراسم عقد القران والافطار، غير أن أحدهم حدثني بأن احد شباب الحي مشغول باستخراج التصديق لضمان سير «الكتمة» أو الحفلة في اجواء هادئة، خاصة ان المراسم ستنتقل خلال ساعات الى احدى الصالات في وسط الخرطوم لاتمام الاحتفال بعد احضار العروس من احدى المحال المتخصصة في عمليات التجميل بعد توشحها بثوب زفاف تصل تكلفة استعارته إلى «3» آلاف جنيه، دون اضافة تكلفة عملية التجميل ونقوش الحناء، وهي لا تقل عن ألف جنيه وفقا لافادات ناشطة في عمليات التجميل. «الصحافة» في إطار سبرها لغور القضايا الاجتماعية، استطلعت عدداً من الفتيات حول ظاهرة ارتفاع تكلفة الزواج بدءا بعمليات «الشيلة» وانتهاءً باهداء العربات الفاخرة كآخر الصيحات التي تفتقت عنها عبقرية بعض الاسر والعائلات المترفة، بحسب افادات «ع. أ» العاملة في مجال تجهيز العرائس ولوازم الحناء والجرتق، وهناك طقوس ايصال المواد التموينية و«الثلاجة » و«الأواني المنزلية» التي قوامها احدث الاطقم العالمية، وقالت محدثتي بأن ارباحها من خلال استحداثها لآخر الابتكارات تتراوح بين الف جنيه و3 آلاف جنيه، وكشفت المرأة عن بعض الانتهازية والاستغلال الامثل للطرفين المهمومين بالشوفونية والظهور المشرف. وكان الوضع قديماً يقوم على نقل «شيلة» عادية بغرض اضفاء بعض اللمسات الاجتماعية وجعلها جاذبة للعروس وكسر الروتين لديها، الا انه مع مرور الزمن ازدادت هذه الظاهرة الى ان وصلت لدرجة اهداء عربة فارهة لام العروس، بجانب افطار دسم ينقل على متن سيارة مكشوفة، ويسمى اصطلاحا «فطورالعريس». ويقول الباحث في مجال الثقافات المحلية عمر الفاروق، إن فطور العريس عادة قديمة، الا انها كانت تقتصر على وجبة افطار عادية تكفي لبضعة اشخاص من اهل العريس، بيد أنها ازدادت لتشمل جميع المدعوين باعتبارها نوعا من المباهاة من قبل والدة العروس التي تحرص على نقلها بسيارة مكشوفة وسط اغاني الدلوكة. ويربط فاروق الظاهرة بمجتمعات بعينها تتمرغ في الثراء ترغب في ابراز اشياء غير مألوفة لتكون حديث الناس ومحط اعجابهم، الا انها لا تدري انها بمثل هذه الممارسات قد عقدت الامور للغالبية العظمي من الشباب. وتقول صفا علي الطالبة الجامعية ل «الصحافة» ان مثل تلك المظاهر بدأت بالمجتمعات المخملية، ولكنها تمددت الى الطبقات المتوسطة والمعدمة بسبب التقليد الاعمى لكل ما هو قادم من تلك المجتمعات المرفهة. وتضيف قائلة: «بسبب هذه الظواهر السالبة ارتفعت معدلات العنوسة». وبينما كان بعض العمال منهمكين في تجهيز زهور واكاليل مستوردة وفرش بساط احمر اللون على ارضية احدى الصالات الفاخرة بشرقي الخرطوم والترتيب لحفل زفاف، روى احد العاملين ل «الصحافة» انهم ظلوا في حالة تأهب ليومين بغية التجهيز لحفل الزفاف. وقال إن كلفة ايجار الصالة تبلغ نحو عشرة آلاف جنيه في الليلة الواحدة، دون اضافة تكلفة العشاء التي تصل الى 12 الف جنيه لالف شخص، وايجار منصة العروسين «الكوشة» ب «2» الف جنيه، مشيرا الى ان البعض يضطر الى تأجيل موعد الزفاف، لأن الصالة مشغولة نسبة لكثرة الطلب عليها خاصة ايام الخميس وفي الاعياد والمناسبات. وقال إن أكاليل الزهور تم استيرادها خصيصا بمبلغ ضخم يصل الى 1500دولار. ولم استوعب صدمة الأرقام التي ذكرها عامل الصالة، ولكن لم اكلف نفسي عناء حساب تكاليف الزواج في قريتنا النائية بشمال السودان، وهي التي تتجاوز مبلغ 3 آلاف جنيه، ولو امتدت الليالي الملاح الى اسبوع كامل، ناهيك عن بعض ساعات في صالات الترف الاجتماعي والتباهي، علماً بأن العروس تشترط إقامة حفل الزفاف في ارقى الصالات، كما تشترط التعاقد مع احد الفنانين الشباب من شاكلة الذين يجيدون القاء قنابل الاغاني، وذلك بحسب «ع. ص» التي تدرس بجامعة خاصة، وذكرت ل «الصحافة» انهن في «القروب» يحرصن على ان تكون حفلات الزفاف الخاصة بهن راقية ومكلفة ويقمنها في ارقى الصالات واستجلاب لوازم «الشيلة» من دولة الامارات بكلفة لا تقل عن أربعة آلاف دولار، كما قامت بذلك احدى صديقاتها، وشددت «ع. ص» قائلة «لا تنازل عن ثوابت الزفاف». وكانت تفاصيل زواج قد تم نشرها في «الصحافة» في مارس المنصرم الذي كان طرفاه «طارق وهدى»، قد أوجدت ارتياحا بالغا لدى زائري موقع الصحيفة ومتصفحي مواقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، بعد أن روى الطرفان لمندوب «الصحافة» عملية تقليل وترشيد كلفة الزواج وحضور العروس لمراسم عقد القران باعتبارها ظاهرة وجدت الاشادة والثناء من ناشطات الجندر والفتيات، واتباعهما الطقوس السودانية البسيطة في اجراءات الحفل والزفاف. وتزامن تاريخ الزواج مع اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس، وقام مئات الشباب والفتيات بتدوين عبارات الإطراء والثناء على مواقع التواصل الاجتماعي، تشجيعاً للمبادرة الرائعة والإرادة القوية التي خطها العروسان، باعتبارها ترسانة قوية ضد عادات دخيلة ومكلفة و«طاردة للشباب» بحسب تدوين بعض من وصفن أنفسهن بالمتضررات. الصحافة