ترتفع اصوات – علي ايامنا هذه والازمة الوطنية تستبد – بشبعبنا: امكانية التطبيع مع اسرائيل من عدمه. ولا مراء ان العالم المعاصر لم يشهد نموذجاً من الاستعمار الاستيطاني مثلما حصل في فلسطين وكذلك مع نظام الابارثيد في جنوب افريقيا (الذي انتهي). كثيرون يسودهم الاعتقاد ان اسرائيل كفكرة ودولة ليست تتويجاً لنضال " يهودي" لاسترجاع وطن موعود فقط كما تروج الدعاية الصهيونية بل، انها حلقة اساسية من مشروعات الاستعمار الغربي زرعها في قلب المجتمع العربي لاسباب معروفة لانحتاج لتكريرها. ومع ارتفاع هذه الاصوات نقول اننا في السودان في مفترق طرق. فأما الاستمرار في السياسات التي ادت الي اشعال الحرب الاهلية الذي كان لنهايتها انفصال وضياع ثلث الوطن من جنوبه وامتدادات ذلك باشتعال ذات الحرب في غرب السودان مما يهدد بلادنا بالمزيد من التشرذم الذي ربما قاد الي انفصال جديد والسؤال: ماهو الدافع وراء اطلاق شعار التطبيع في ظروف شعر خلالها شعبنا بالاغتراب عن تاريخهم، او شعور المواطنين بانهم يسخرون لخدمة الدولة عوضاً عن ان تكون الدولة في خدمتهم بعد ستين عاماً من الاستقلال. بل ان استمرار النخبة الحاكمة واستمرارها في تجاهل المطلب الديمقراطي في علاقة الدولة بالمواطنين يشكل اخطر معوق من معوقات تحقيق المشروع الوطني المنادي بالحفاظ علي وحدة الوطن. ان تجاهل الديمقراطية الحقيقة يفتح المجال لامكانية تحويل كل جهد للحوار حول الازمة الوطنية الي مجرد عملية استبدال هياكل استبدادية بهياكل اخري. ونضيف ان الديمقراطية ليست مجرد انتخابات مزورة او مشوهة او تلاعب بالرأي العام وانما هي بناء واختيار حضاري عام يقتضي اعادة تنظيم المجتمع ككل. من هنا فالواجب المقدم الان يستدعي توسيع مجال العمل السياسي وتقويته داخل المجتمع المدني بما لا يترك للدولة مجالاً الا هامش محدوداً ومقيداً لامجال فيه الي القهر والتسلط والاستبداد. وهنا يمكن القول ان الديمقراطية وترسيخها في بلادنا شرط اساسي واولي لتحقيق السلم في المجتمع، بل هي المقدمة الاولي التي تقوم عليها الاسس لبناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية ومن هنا ايضاً فالديمقراطية يجب ان تكون عقيدة لاستمرار مجتمعنا وحفاظاً علي وحدته من التشظي والانهيار والانقسام والانفصال، وربطاً عضوياً لمشكلة البناء الديمقراطي بالحرية والعدل، بالوحدة الوطنية بصورة عامة التي لها الاولوية هنا علي الحرب والاضطهاد. هذا فقط له الاولوية علي كل ما عداها وليس للتطبيع مع اسرائيل.