من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ نشوء الدعارة في المجتمع السوداني ..الواقي الذكري فقط ..هل يكفي لإغلاق المايقوما؟ا
نشر في الراكوبة يوم 02 - 06 - 2011

بغم..الواقي الذكري فقط ..هل يكفي لإغلاق المايقوما؟ ..
- أثمن عاليا الدعوة الجريئة لإباحة استخدام الواقي الذكري (الكوندوم)، التي أطلقها الدكتور يوسف الكودة في ورشة "التدابير اللازمة لحماية الأطفال المحرومين من الرعاية الوالدية" ، والتي جاءت بدعوى "فرملة" وتجفيف مصادر إنتاج الأطفال فاقدي الأبوين، عملا بالرأي الفقهي "الضرر الأصغر لدرء الضرر الأكبر".
صحيح أن الدعوة لا تملك عصا سحرية للقضاء على الظاهرة ولكن أن يؤدي تطبيقها، إلى تقليل الظاهرة بنسبة 80 في المائة ، فإن ذلك في حد ذاته يعد انجازاً ، هذا إن قبل الرجال استخدام (الكوندوم) وتوفرت الأنواع الجيدة منه.
بدعوته هذه يؤسس الكودة لمناقشة الظاهرة الأطفال فاقدي الأبوين بصورة أوسع، خاصة وانه أصبح هناك طفل لقيط بين كل عشرة أطفال. (الرأي العام 2009).
رأي الدكتور الكودة وما آثاره من ضجة اسفيرية عقب نشره (صحيفة الراكوبة الالكترونية بتاريخ 24 مايو ، و 28 مايو نقلا عن صحيفة الأخبار)، طغى على رأي آخر اعتبره جريئا بكل المقاييس وصاحبته هي الأستاذة قمر هباني، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة، حيث دعت هي الأخرى إلى ربط الأطفال بأمهاتهم مما يشكل، في رأيي، نقلة نوعية في التفكير وتغليب مصلحة الأطفال، والتأسيس لشكل جديد من أشكال إدارة الأزمات، يتجاوز التنميط المجتمعي.
قمر ألقت حجرا في ساكن الخرطوم تجاه هذه الظاهرة وشكلت بذلك بروز أفكار جديدة ، خاصة وان الظروف التي ساهمت في تكدس هذه الشريحة من الأطفال بدار المايقوما حتى فاضت بما رحبت، ما تزال- وستظل قائمة – حتى تتم مجابهتها ووضع الحلول الناجعة لها.
أنا هنا لست بصدد مناقشة الرأيين المذكورين اعلاه، بصورة رئيسة، لكنني أرغب في تسليط الضوء على حجم الظاهرة وتداعياتهاالرقيق، الشريحة من الأطفال وعلى المجتمع.
(2)
يرجع بعض المؤرخين تاريخ نشوء الدعارة في المجتمع السوداني إلى بداية القرن العشرين وذلك عقب ما أطلق عليه حركة تحرير الرقيق، وانتقال المجتمع من مجتمع القرية إلى مجتمع الحضر حيث واكب ذلك نشوء المدن. في الماضي كانت الدعارة علنية، وتشرف عليها الحكومة حيث تلزم العاملين التقدم إلى الكشف الطبي دوريا للتأكد من سلامتهم من الأمراض المعدية. واستمر الحال هكذا إلى سبعينات القرن الماضي حتى قام الرئيس جعفر نميري (1969-1985)، بإلغاء تراخيصها، فذابت فئاتها في المجتمع.
لابد من الاعتراف بأن هناك مشكلة متزايدة و نحتاج إلى مواجهتها مواجهة صريحة متأنية، ومعرفة حجمها الحقيقي. إن كانت الرزيلة في السابق تنسب إلى الأجنبيات- كما اخبرنا التاريخ- بحكم كبر مساحة السودان ومشاركة حدوده المفتوحة مع تسع دول تشهد اضطرابات سياسية واقتصادية، فإن أصابع الاتهام تشير هذه المرة إلى السودانيات مباشرة.
"قوقلة" سريعة في الانترنيت عن أخبار الدعارة في السودان، تريك العجب العجاب. مطالعة العناوين وحدها تغني عن قراءة المضمون: مؤذن بمدينة (...) يحول منزله إلى ماخور ويجبر ابنته على ممارسة الرزيلة.. (4) بنات ينتهزن فرصة غياب الأب ويحولن المنزل إلى مقر للدعارة...جامعة (...) تفرض زيا موحدا على الطلاب منعا للمخدرات والزواج العرفي والدعارة وسط طلابها..الشرطة توقف ألف مستثمر يؤجرون شقق مفروشة تستعمل في غير الغرض الذي تم إيجارها له، بينما تم إلقاء القبض على 31 ألف فتاة بشبهة العمل في الدعارة في نفس العام، ولا يحتاج المرء إلى "فَهَّامة" ليربط بين جزئي الخبر أو الخبرين، أو يحتاج إلى "فهامة أب جاهين" ليعرف أن سنين عجاف أخرى تنتظرنا وان واقع الحال سيكون أسوأ مما هو عليه، بينما هناك من يدفن رأسه في الرمال وهو يردد أن "الحرة تموت ولا تأكل بأثدائها، بينما اكتساب لقمة عيش "الحرة" قد تجاوز فعلا المنطقة المعنية كثيرا، والدليل الصرخة "العلاجية" التي أطلقها الكودة بوقف تدفق الأطفال المحرومين من الرعاية "الوالدية". اسر بكاملها تنجرف إلى ذلك النشاط.
جوع، بطالة، مرض، جهل، عنوسة، زواج عرفي، غلاء طاحن، انفلات امني، نزوح ، اغتصابات، تحرش جنسي، وآفاق مسدودة.
باب إلى الرزق الحلال موصد، وكوة على الحرام مشرعة.. واقع اقتصادي طاحن وليس مع الفقر فضيلة..!
أخبار الجريمة تشير بقوة إلى بروز لاعبين جدد: مُسْتَثٌمرين ومُسْتَثمَر فيهم. ما بين الأمس واليوم يبرز وجه الاختلاف بقوة..في السابق كانت المرأة العاملة في هذه المهنة تعرف أن جسدها هو رأس مالها، لذلك تعرف كيف تتجنب الانزلاق إلى الولادة وتعليق المشاريع الأسرية حتى إشعار آخر، وغالبا ما يكون ذلك بعد التحول إلى "النشاط الإداري". أما اليوم فإن الأمور تتبع سياسة السوق الحر والنقلة الفجائية واملاءاتها القاسية.
أرجح أن هذا النوع الأنشطة أصبح نشاطا نهاريا خطافيا، توفرت بنيته و بيئته، فيأتي سريعا، دون التدبر في عواقبه. وخطورة ذلك ليس فقط في ظاهرة ازدياد الأطفال فاقدي الرعاية الأبوية، وإنما يضاف إليها ازدياد نسبة الأمراض المنقولة جنسيا، وسط فئات عمرية منتجة. ولمعرفة حجم الظاهرة، لابد من إلقاء نظرة سريعة على رحلة دار المايقوما في الخمس عقود التالية لتأسيسها.
(3)
أنشئت دار المايقوما في عام 1961 ، بطاقة قصوى 400 طفل، و حينما آلت تبعيتها إلى وزارة الصحة كان بها في البداية 17 طفلا فقط ثم أصبحت تشرف عليها إلى وزارة الشئون الاجتماعية منذ عام 2009.
منذ بداية الألفية الثالثة، أصبحت أعداد الأطفال تقفز كل يوم في متوالية عددية. ففي عام 2000 قفز عدد الأطفال إلى 100 طفل، ثم إلى 400 في بعد أربعة سنوات، و تضاعف عدد الأطفال خمس مرات ليصل إلى 2000 في عام 2009 (إحصاءات 2009). قدرت نسبة الوفيات وسط الرضع والأطفال ب10% أي مائتين طفل سنويا، غير أنها قفزت في نفس العام (2009) إلى 74 طفل، أي ضعف ما كانت عليه في العام السابق، ولهذه الكارثة ما يبررها. فميزانية الدار تبلغ 600 مليون جنيه، ليس للدولة مساهمة تذكر فيها، أن لم تنعدم تماماً، بينما أعداد الأطفال في ازدياد، ويصل ما بين (2-3) إلى الدار يوميا. في تصريحه لصحيفة الرأي العام بتاريخ 25 أكتوبر 2009، ذكر الدكتور محمد محي الدين الجميعابي أن دار المايقوما " تتسلم (...)(700) طفل في العام يأتي الكثير من الذين يؤمنون بكفالة الأطفال ويختارون منهم".
بحسب الرقم الذي ذكره الجميعابي اعلاه، لأعداد الأطفال الذين يردون إلى الدار سنويا، وبعملية حسابية بسيطة، يتضح أن أعدادهم تصل في خلال الخمس سنوات التي يقيمون فيها إلى 3500 طفلا، وذلك قبل أن يتم توزيعهم على الدور الأخرى.
في هذه الحالة، هل احتاج إلى التذكير مرة أخرى أن سعة الدار القصوى عند إنشائها، لا تتجاوز ال400 طفلا؟ وان هذه الإحصائيات كانت قبل عامين من إطلاق الكودة لدعوته باستخدام الواقي الذكري؟
بالمناسبة بالإضافة إلى دور المايقوما والسجانة والضو حجوج، هناك مراكز أخرى في ولاية نهر النيل والولاية الشمالية والجزيرة وغيرها من الولايات (موقع سوداننا ابريل 2010).
من المخجل أن دولة التوجه الحضاري والسالي، و التي تطالعنا الصحف بين الحين والآخر بهباتها وتبرعاتها إلى دول الجوار من كهرباء وأبقار وسمسم، الخ، تعجز عن الاضطلاع بميزانية الدار "ولو بعلبه حليب أو كرتونة بامبرز"، باعتبار أيلولة مسئولية هؤلاء الأطفال إليها في غياب ولي الأمر، بينما اضطلعت بمسئوليته المالية، حتى عام 2007 منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية والتي بلغت مساهماتها لإدارة الدار 3 مليون دولار. إضافة إلى بعض الخيرين، لتليها منظمة أنا السودان، لمدة سنتين (2007-2009)، وذلك حسب إفادة صاحبها في ندوة طيبة برس. ويبدو أن الأمور آلت لاحقا (بالقوة)إلى وزارة الشئون الاجتماعية.(موقع سوداننا 2010)، اثر خلافات بينها والمنظمة.
ساهم العائد المادي الذي كانت تقدمه المنظمات الأجنبية للأسر الفقيرة نظير رعاية الأطفال، في توفير الأسر البديلة وإدخال نوع من الاستقرار على حياة هذه الشريحة المحرومة. بتخلي المنظمات الأجنبية عن الدار تضرر الأطفال والخدمات كثيرا. فتناقصت أعداد الأسر البديلة، وتباعدت رواتب المربيات، فغادر بعضهن، وانعكست هذه الأوضاع على الأطفال سلبا. ففي العام الماضي قضى أكثر من 70 طفلا نحبهم في شهر واحد، بينما اختفى ثلاثمائة آخرون في ظروف غامضة لم يماط اللثام عنها حتى الآن.
(4)
لم استغرب النسبة المرتفعة لوفيات الرضعالنساء وحجمك التكدس، أصبحت كل مستلزمات الأطفال مملوكة على الشيوع، فما كان خاص بطفل واحد أصبح يشاركه فيه أربعة أطفال دفعة واحدة، بدءا من السكن والكساء والدواء والغذاء وانتهاء بالمرضعات والمربيات. وفي شأن هؤلاء النساء حدث ولا حرج. فالمرضعات والمربيات هن نساء مستأجرات بدوام واحد للعناية بالأطفال الذين يتم إحضارهم إلى المنزل في غاية السوء، حيث يعانون من الأمراض والتشوهات والاختناقات ويحتاجون لعناية خاصة، منذ الدخول إلى دار المايقوما وعمرهم يوم واحد حتى إكمالهم سن الخامسة حيث يتم ترحيلهم إلى دار أخرى، غالبا هي دار السجانة.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ معاناة هؤلاء النساء وحجم الواجبات الملقاة على عاتقهن من رعاية وعناية ونظافة ومداواة وغيرها من الأنشطة اليومية الروتينية المتزايدة. امرأة مستهلكة بهذه الكيفية، كيف يكون لديها الرغبة أو الطاقة لرعاية أطفال ليسوا أطفالها، وفي ظل وضع طاحن، تنال الواحدة منهن مرتبها بشق الأنفس و بعد "تلتلة"؟ اعتقد أن هؤلاء النساء مجاهدات بكل معنى الكلمة.
لو قدر للدكتور الكودة إطلاق دعواه قبل عقد أو عقدين من الزمان، وتبعتها حملات توعوية، لربما قل الضغط على الدار و العاملين بها.
(5)
المؤسف أن دور المايقوما والسجانة بالخرطوم، والضوء حجوج بامدرمان والتي تخدم الخرطوم بملايينها الست، ليست في جزر الواق واق، وإنما تقع على مرمى حجر من المقر الرسمي للسلطة السودانية والتي لم تعر الظاهرة اهتماما حتى استفحلت. بل انه في العام الماضي اقترح بعض المسئولين تهديم تلك الدور منعا لتشجيع الولادة خارج دائرة الزواج، كأنما عدم وجودها سيقف سدا منيعا أمام انتشار هذه الظاهرة.
55 عاما مرت منذ إعلان استقلال السودان و لم تشهد البلاد إنجازات تنموية تذكر، تدفع بالبلاد والعباد ابعد عن محطة الأول من يناير 1956. بالعكس فقد عُطِل مشروع الجزيرة وكذلك حاقت الخسارة والفشل بكثير من مشاريع الزراعة الآلية بالقضارف وغيرها وكانت النتيجة وقوع الضرر المباشر على فئتي فقراء المزارعين والعمال الزراعيين الذين نزحوا صوب أطراف المدن حيث صاروا يعملون في المهن الهامشية و أصبح الطريق ممهدا إلى امتهان الدعارة أو بيع الخمور، ونمت الخرطوم كواحد من اكبر مراكز جذب للأطفال فاقدي الأبوين.
بالنظر إلى واقع الأمر وبالرجوع إلى اقتراح دكتور الكودة، فإن توفير الكوندوم في المراكز الصحية، لا يعني "عزومة" مغلفة لممارسة الرذيلة ولا يمنع المواقعة، لكنه يحد كثيرا من ظاهرة استشرت استشراء النار في الهشيم.
إضافة إلى ذلك فالمنظومة المجتمعية، لن تكف عن ممارسة معاييرها الاقصائية للمخالفين لمفاهيمها وموروثاتها التقليدية والدينية والثقافية ، لذلك ستجد صفات مثل (ود الحرام)، و(السِفاح) و(اللقيط) و(هَبُو هَبو لا أُم لا أبو) سوقا دائمة الرواج.
ماذا يتوقع المجتمع من طفل بادأه العداء فحرمه ابسط حقوقه، في جريمة لا ناقة له فيها ولا جمل؟
(6)
المؤسف أن الحكومة لم تعطِ هذه المشكلة حجمها الطبيعي لا سابقا ولا لاحقا، ولم تتدبر تداعياتها المستقبلية على المجتمع والآثار المترتبة على ذلك. لابد من الالتفات إلى هذه المشكلة ودراسة تداعياتها وتفلتاتها ووضع الحلول المناسبة لها، على أن يشمل ذلك الآتي:
أولا: عمل إحصائيات رسمية معتمدة لهذه الفئات لمعرفة حجم الظاهرة الحقيقي ومكافحة مسبباتها ووضع السبل الكفيلة لعلاجها وتزويدها بالخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغذاء ودواء وكساء وبلورة رؤية واضحة لإعادة دمج هؤلاء الأطفال في المجتمع.
ثانيا: سن التشريعات التي تضمن عدم التشهير بالأم وبالتالي عدم ملاحقتها جنائيا، ولو إلى حين، حتى تشجع بعض الأمهات على الظهور والتواصل مع أطفالهن ولو مؤقتاً، على الأقل خلال فترة الأربعة شهور الأولى التي يعتمد فيها الوليد على والرضاعة اعتمادا كاملاً، وتساهم في استقراره النفسي الصحي والنفسي لاحقا.
ثالثا: على الدولة النهوض بواجباتها تجاه هؤلاء الأطفال. قد تكون (مبلوعة) أن يجبن والدا الطفل ويهربان من مسئوليته خوف العار، لكن ما الذي يجعل الدولة في حل عن مسئولياتها تجاه رعاياها؟ فالرضيع ولو كان عمره يوما واحد، مواطن كامل الأهلية وله نفس الحقوق والواجبات والحق في الحياة الحرة الكريمة، أسوة بأي شخص راشد.
رابعا: قيادة حملات إعلامية توعوية و إشاعة التثقيف الجنسي عبر وسائل الإعلام المختلفة وفي المدارس والمنتديات الثقافية الخ..
خامسا: الالتفات إلى فئة المشردين أو أطفال الشوارع الذين تزيد أعدادهم عن الستين ألفا، والذين يشكلون البديل المنتظر للأطفال فاقدي الوالدين. هناك يبدأ الأطفال أولى خطواتهم نحو اللواط بالتحرشات الجنسية الشاذة في المجاري ب"شَكِلْ صَفْ واخنِق) والتي تنتهي بالمخدرات
وربما الإرهاب، من يدري. باختصار هؤلاء وهؤلاء قنبلة موقوتة إن لم يُحسَن التعامل معها.
سادسا: على الدولة إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية والتنموية والسياسية ومحاربة الفساد والاضطلاع بواجباتها تجاه رعاياها.
سابعا: تشجيع العمل الخيري واستنهاض همم الخيرين بالتبرع للدار والدور الأخرى العاملة في هذا المجال، ودعم جهود شباب الفيسبوك الذين دأبوا على تقديم العون المعنوي للنساء والأطفال، فسدوا كثيرا ثغرات غياب الأسر ودور الدولة الواضح. فالمسألة ليست في تغيير مسمى الأطفال من "لقطاء" إلى "فاقدي الرعاية الأولوية" مراعاة لمظهر بدولة التوجه الرسالي ، وإنما في غياب الشجاعة في الاعتراف بان هناك مشكلة متفاقمة وسيكون مردودها السالب على المجتمع كبيرا. وفي غياب الأبوين، فإن هذه المشكلة تظل مشكلة الدولة أولا وأخيرا، ف"كلكم راعِ وكلكم مسئول عن رعيته".
لابد من وسيلة لإخراج المجتمع من هذا الوكر بأقل الخسائر. هاهو دكتور الكودة وقمر رميا بكرتيهما في الملعب، عسى أن يتبعهما آخرون.
حليمة عبد الرحمن
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.