* أحدثك اليوم عن حاكم عادل حكم المسلمين ، اسمهُ عمر ولكن شتّان بين عمر و عمر ، و سلِم الاسم الذي تحول في سنوات حكمك إلى "إثم"..!! * فقد كان عمر الذي أُحدثك عنه يستمد من الواقع المعاش مادة تفكيره ، و إليك مثال عملي ،فقد كان يسيرُ ليلاً دون حرسٍ أو "صفافير" و المدينة مظلمة و الناس نيامٌ و هي ساعاتُ عمله ، فرأى شخصاً يسيرُ تجاههُ ، فكان ذلك الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف ، فطلبَ منهُ مرافقته في رحلة البحث عن حقيقة عيش المواطنين "الشرفاء" ، و بينما هما يسيران رأيا ناراً في طرف المدينة ، فذهبا إليها فإذا هي قافلة المؤن حضرت من الشام و كل أفراد القافلة نيام ، فقال لابن عوف " إجلس يا عبد الرحمن نحرسُ ضيوفنا حتى الصباح.. !! * طفلٌ و أُمّه كانا الوحيدين اللذين لم يناما ، الطفل يبكي و أمه تهدهده ، قال لها الفاروق ، بعد أن سمع صراخ الطفل و هو يجول جولته الليلية المعتادة في المدينة :" إسكتيه" ، فيسكت قليلاً ثم يعاود البكاء و الفاروق يسمع فينهر الأم :"أسكتيه" ، و لما كرر عليها الأمر عدة مرات ، قالت له وهي لا تعرف هوية من يحدثها : "لقد أضجرتني يا رجل ، إنه فطيم يريد الرضاعة ".. فسألها عليه رضوان الله : "كم عمره؟" ، فأجابت "بضع شهور" ، فسألها :"و لم فطمتيه و هو لم يبلغ الفطام؟" فأجابته :" لأن عمر لا يعطي إلا الفطيم" ، (و كان رضي الله عنه قد أمر بصرف "علاوة" اجتماعية للطفل بعد فطامه مباشرة ) . * و هنا احتبست الكلمات في حلق عمر ، فلم ينبس ببنت شفة و كأنه اختنق ، و كان ساعتها قد رُفع أذان الفجر ، و لندع ابن عوف يكمل القصة : قال رضي الله عنه : (صلى بنا عمر في ذلك الفجر ، و كان يقرأ القرءان و يبكي ، حتى ما عدنا نتبين ما كان يقرأ ، يركع و يبكي ، يسجد و يبكي ، و حين سلّم تمتم بكلمات سمعتها ، قال " ويلك يا عمر ، كم قتلت من أبناء المسلمين؟؟" * لم يجمع عمر المؤتمر الوطني ، و لم يدع المجلس الوطني لجلسة طارئة ، و لم يسأل وزير المالية عن إمكانية إدراج المسألة في الميزانية العامة ، بل أصدر فرماناً أميرياً لكل الولاة :" يُصرف عطاء الوليد (علاوة الطفل) يوم مولده"... اليوم يولد الطفل و هو يحمل كماً من أمراض سوء التغذية الموروثة عن أمه ، فيموت قبل الرضاع !! و بدلاً عن "علاوة الطفل" يلزم والده بالدفع منذ مولده ، أتعاب المستشفى و ثمن كل شيءٍ حتى الحقنة الفارغة و القطن و الشاش ، و أمر الدفع قائم حتى و إن مات الطفل!!!.. * طفلنا ، يا عمر ، لم يطلب منك علاوة ، لا يوم مولده ، و لا يوم فطامه ، و لا يوم تخريجه الذي يظل بعده عاطلاً يبحث عن عمل ، و يتهمه وزير ماليتك بالكسل ، رغم أنه لم يوفر له فرصة عمل ، و قد أغلق عليه أبواب العمل بتدمير المؤسسات التي يمكنها استيعابه ، كالسكة حديد ، و مشروع الجزيرة و المشاريع الإنتاجية الأخرى ..بل و أعلنتم عن عدم مسؤوليتكم عن "قفة ملاح" المواطن الذي ضاعفتم حتى قيمة وقود طعامه بضعة أضعافٍ لتشبعوا بذخ أوليائكم من المترفين .. * كان عمر رضوان الله عليه يجتنب المنافقين و المداهنين ، و حدث يوماً أن طلب من حذيفة بن اليمان أن يخبره بأسماء المنافقين في المدينة ، و كان حذيفة و هو المعروف بصاحب سر رسول الله صلى الله عليه و سلم يعرفهم ، فقال له عمر : أخبرني بهم ، فأجاب حذيفة : و الله لا أفعل !.. * ماذا ، يا تُرى ، كان مصير حذيفة يكون اليوم لو قال "لعمر" ما قال ؟ الاعتقال في بيوت الأشباح؟؟ أم التحقيق معه كمخرب لأمن الدولة ؟ بينما يشرع المنافقون في إلهاب ظهره بسياط التشهير في وسائل الإعلام ..!! * لم يغضب عمر ، بل قال له : أسألك بالله هل أنا منهم؟؟ فقال له حذيفة : "اللهم لا "..فسأله مرة أخرى : " و ولاتي ، هل بينهم منافق؟" قال :"نعم .. ثلاثة" ، فطلب منه عمر أن يخبره بأسمائهم ، فأبى ، حينها قال لهُ عمر : "أُدع الله على المنافقين إذاً " (كان حذيفة معروفاً بأنه أحد مستجابي الدعاء).. فرد حذيفة قائلاً : "و الله لو دعوت الله عليهم فاستجاب دعائي لأصبحتم تستوحشون في طرقات المدينة "!!.. * لم ينم أمير المؤمنين تلك الليلة ، بل كان يعنِّفُ نفسه كيف ولّى منافقاً أمر المسلمين؟.. * إنه الفاروق عمر ، الذي إن رآه الشيطان يسلك طريقاً سلك طريقاً غيره ، و مع ذلك يخشى على نفسه من النفاق!!!.. * يقول حذيفة: بعد صلاة الفجر أجرى عمر تعديلاً في ثلاث ولايات ، و كان كلما عزل والياً ينظُر إليّ ليرى تعابير وجهي ، فكنت أشيح بوجهي إلى الجهة الأخرى حتى لا يراني ، و عندما أكمل تعديلهُ الولائي ، وضع رأسه بين يديه و هو ينظر إلى الأرض ، هل يا تُرى ظلم والياً فعزله؟ و خرج الناس و بقي عُمر على تلك الحال ، فذهبتُ أُربِّتُ على كتفه قائلاً :"أصبت".. * و اليوم ، يا عمر ، تتيممون المنافق من بين جميع الناس فتستوزرونه و تولُّونه أمر المسلمين ، بل تنتدبونهم "لإصلاح" العلاقات بالدول الأخرى!!. * حين فتحت بلاد الفُرس رأى عمر أن تبقى الأرض الزراعية في أيدي أصحابها ، و تأتي الجزية من غير المسلمين منهم ، و الزكاة من المسلمين لبيت المال ، و منع تقسيم الأرض على المجاهدين ، فذلك يقلل من الإنتاج ، و يُلهي المجاهدين عن الجهاد ، و في تقسيم الأرض على المجاهدين حرمان للأجيال القادمة من حقها ، عارض نفرٌ من الصحابة هذا ، و لكنه انتصر عليهم بالحق .. * و اليوم منافقوك أقاموا المزارع ، و ما كانوا حتى بمجاهدين ، حتى إن أحدهم سكن في مزرعته الفارهة ، فهو ، يا وجعي ، ليس لهُ بيتٌ يسكنُ فيه !!!... الأرض التي تنتجُ جعلوا منها منتجعات للراحة و اللهو غير البريء..!!. [email protected]