على نحو مفاجئ وقبل أن تنعقد اجتماعات اللجان المشتركة بين المؤتمر الوطني والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لمراجعة الشراكة في الحكومة بينهما في كافة أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية، أطلق مساعد أول رئيس الجمهورية الحسن الميرغني لاءات ثلاث من مقر إقامته الحالية بقاهرة المعز، حيث أسر لمقربين منه عن نيته في الدفع بخطة جديدة للإصلاح ترفض الغيلان الثلاثة «الفساد، والترهل الحكومي، والضغط على المواطن». ٭ ضغوط لكن الحسن نفسه أقر قبل عدة أيام بفشل خطته الشهيرة التي تتحدث عن إصلاح حال البلاد في خلال 181 يوماً وقال إن عوائق كثيرة اعترضت تنفيذ خطته من بينها تهميشه وعدم تسلمه ملفات حقيقية تجعله في مصاف صانعي القرار في البلاد، لا سيما وأنه يحتل وضعية الرجل الرابع في الحكومة بعد الرئيس ونائبيه، فهل ينجح الحسن في الضغط على شريكه الأكبر المؤتمر الوطني وينتزع من فك صقوره ملفات حقيقية تعينه في المرحلة المقبلة على تحقيق طموحه أم أنه سيأتي إلى البلاد ثم يعود إلى الخارج مرة أخرى ليعيد نفس سيناريوهات شقيقه جعفر الميرغني الذي كان يشغل منصب مساعد رئيس الجمهورية ثم غادر البلاد فجأة من دون عودة حتى بعد تغيير الحكومة ما بعد انتخابات العام 2015؟ ٭ سد منيع سؤال جاءت الإجابات عليه متباينة بين عدد من قيادات الأحزاب والمحللين السياسيين، حيث يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم صفوت فانوس أن لاءات الحسن الميرغني تصطدم بسد منيع من قبل حزب المؤتمر الوطني، وتوقع فانوس نجاح خطة الحسن في حالة واحدة فقط وهي أن تتماهى مع سياسة الحزب الحاكم الذي يقبض بمفاصل الدولة وصاحب القرار الأول والأخير فيها، بيد أن الحسن الميرغني يعتبر الرجل الرابع في الدولة ومن المفترض أن يؤهله وضعه الدستوري هذا إلى أن يصبح صاحب قرار، لكن فانوس ينفي صفة التأثير على الحسن الميرغني، وكل الأحزاب والحركات التي تشارك حزب المؤتمر الوطني في السابق وفي الوقت الراهن، لا تمتلك هذه الصفة وهي ليست ذات تأثير وأن صنع القرار داخل الحكومة فقط يمتلك زمامه المكتب القيادي للمؤتمر الوطني ورئاسة الجمهورية، وضرب فانوس مثالاً بالجنوبيين الذين شغلوا مناصب مرموقة في معظم الأنظمة السياسية التي حكمت البلاد وليس الإنقاذ فحسب، وقال إن كلهم غادروا كراسي القصر الجمهوري الوثيرة دون أن يحدثوا أثراً داخل القرار التنفيذي في الدولة. ٭ حالة تشاؤم ويرى كثيرون أن الحسن الميرغني أمامه فرصة كبيرة لإحداث التغيير الذي ينشده لا سيما وأن الدولة بكلياتها رفعت شعار التغيير بما فيها المؤتمر الوطني الذي انكب بكلياته ينفذ برنامجاً إصلاحياً داخل الدولة، ويتفق مع هؤلاء القيادي بالحزب الحاكم ربيع عبدالعاطي الذي قال ل«آخر لحظة» إن لاءات الحسن هي مطلوبات تتفق عليها جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة بما فيها المؤتمر الوطني لكنه اشترط على تنفيذ الحسن ل «لاءاته» أن يضع يده في يد شريكه وأن لا يعمل بمفرده لتحقيق شعار الإصلاح داخل الدولة السودانية، وتوقع ربيع أن يحقق الحسن لاءاته إذا ما مد يده بيضاء لشريكه، وقال ليس هناك مستحيلاً ولا بد من صنعاء وإن طال السفر، ولم يستبعد عبدالعاطي أن تواجه الحسن في مسعاه الإصلاحي بعض العقبات، معلقاً وبسخرية «ليس كل ما يتمنى المرء يدركه .. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن»، غير أن قيادياً بارزاً في الحزب الاتحادي ويشغل منصباً مرموقاً في الحكومة فضّل عدم ذكر اسمه، بدا متشائماً من استمرار الشراكة مع المؤتمر الوطني وقال ل«آخر لحظة» إن الوطني لا يحترم شركاءه في الحكومة ويتعامل معهم وكأنهم موظفون عنده وليسوا شركاء أصيلين معه، وأضاف أن الحزب الحاكم نصب شراكاً مفخخة في كل وزارة عبر ما يسمى بمدير عام الوزارة بصلاحيات واسعة تصل إلى حد تجاوز الوزير في كثير من القرارات، أي أن ما يعطيه الوطني بيمينه لشركائه، يأخذه منهم بشماله مستخدماً أذرعه داخل هذه الوزارات عبر مكتب مدير عام الوزارة. قراءة مختلفة ولم يشأ القيادي بحزب البعث والمحلل السياسي محمد علي جادين ليعلق على لاءات الحسن الثلاث بمعزل عن ما نشر أمس في الصحف عن تكوين لجان من الوطني والاتحادي لمراجعة الشراكة بينهما، وقال جادين ربما قصد الحسن أن يعلن لاءاته كخطوة استباقية للاجتماع المتوقع انعقاده غداً كنوع من الضغط على شركائه في الحكومة الذين اشتكى من تهميشهم له ثم رفع سقف التفاوض داخل الغرف المغلقة، لا سيما وأن الخبر حمل في طياته إشارات سالبة توحي بمغادرة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لصفوف الحكومة إذا لم يتوصل لنتائج ملموسة من جانب الطرف الآخر، وحذر جادين الوطني من مغبة الاستخفاف بالحزب الاتحادي صاحب الجماهير العريضة لكن ومع ذلك توقع جادين أن تسير خطة الحسن الثانية على هدى الأولى، لأن الحسن يقبع في القصر الجمهوري بلا صلاحيات ولا سلطات مثله مثل كثير ممن سبقوه في هذا المنصب كمناوي وموسى محمد أحمد ومبارك الفاضل وغيرهم من الذين غادروا غاضبين من المؤتمر الوطني دون رجعة. اخر لحظة