* عن عمر ناهز المائة سنة وست ، ذهب الجاويش عوض ادريس محمد عمر الي ربه راضيآ مرضيا.حوته أرض امدرمان التي ولد فيها في العام 1906، بعد أن صنع تاريخاً تحكيه ليبيا لبنيها حتي اليوم، وسطرته المحاكم العسكرية كأول سابقة من نوعها في تاريخ الحروب الحديثة، تاريخ خطه كوكب من كواكب الجيش السوداني، وفرض أخلاقياته في حرب فقدت أول ما افتقدت مبدأ الأخلاق..! * بدايته مع الجيش كانت في الأبيض في العام 1934حيث التحق ببلوك رئاسة الهجانة قيادة بارا وتقاعد في العام 1952. * ثمانية عشر عاماً في الخدمة العسكرية، قدم خلالها سلوكآ رساليآ واخلاقيآ غاية في الروعة والابهار، الأمر الذي أجبر قادة الجيش البريطاني غير المسلمين أن يزينوا صدره وصدر السودان بالنياشين الرفيعة..نجمة أفريقيا، ميدالية الحرب العالمية الثانية، ميدالية الخدمة العامة السودانية، ميدالية الخدمة الطويلة الممتازة، ميدالية حسن السير والسلوك ونيشان الصليب الأحمر. * ونشبت الحرب العالمية الثانية ، ودخلتها قوة دفاع السودان... * وكان بطلنا من ضمن القوة الاستكشافية التي دخلت كسلا ، جزء من القوة اشتبك مع الطليان في معركة كرن الشهيرة ، أما الجزء الآخر وكان من ضمنه المرحوم البطل عوض فقد طارد الجيش الايطالي بمحاذاة البحر الأحمر حتى مصر ومنطقة الأسكندرية وتابعوهم حتى ليبيا.. * وفي ليبيا كانت القصة التي هزت هيئة الأركان البريطانية ، وجيش الحلفاء والناس أجمعين...!!! * كان جالسآ في وقت الراحة ، وجاءه الخبر الجلل: ضابط بريطاني برتبة بريقادير(عميد) أجبر فتاة ليبية بالقوة وجرها ألى مسكنه بغية اغتصابها ، ومن فوره أخذ بندقيته وذهب إلى مسكن الضابط العظيم ، وجد الفتاة تقاوم وتصرخ بأعلي صوتها وكأنها تنادي واسوداناه !! فأجابها عن السودان أحد أشاوسه ممثلآ في الجاويش عوض ، الذي لبى النداء بطلقات ثلاث اخترقت صدر الضابط الذي هلك في الحال...!!! * الضابط الذي كان في جيشه عظيمآ حوله البطل عوض إلى أحقر خلق الله...!!! * رئيس المحكمة العسكرية التي شكلت على الفور سأل الجاويش عوض لماذا قتلت الضابط؟ وكانت الاجابة المدوية التي كانت اقوى من تلك الرصاصات الثلاثة التي أردت الضابط العظيم الحقير: (أنا سوداني عربي وأفريقي ومسلم وهذه الفتاة ليبية وعربية وافريقية ومسلمة وهي أختي ، ومن المستحيل أن أتركها ليهتك عرضها أمام ناظري ، وفُرض علي حمايتها ، ولذلك قتلته حماية لعرضها وعرضي)...!!! * وكانت هذه الاجابة المدوية سببآ في تبرأته بل وأكثر من ذلك فقد حكمت المحكمة بمنحه نيشانآ عظيمآ.. وعجبي لقاتل في الجنة ومقتول في النار...!!!! * هذه مثل وأخلاق الجيش السوداني التي بذرها أبطالنا الأوائل وهي بذرة غاصت جذورها عميقآ في ارض السودان الطيبة وستبرز مرة أخرى بإذن الله فالطيب يبقى طيباً مدى الدهر، وان تعرض لهزات عنيفة...!!! * تلك بذرة طيبة تذكرني بأوامر الامام علي كرم الله وجهه لجيشه في معركة صفين حيث كانت ما يلي: - اذا قاتلتموهم وهزمتموهم فلا تقتلوا مدبرآ ولا تجهزوا علي جريح ولا تمثلوا بقتيل...! - لا تدخلوا داراً إلا بإذن ولا تأخذوا من أموالهم شيئا..!! - لا تقربوا النساء باذى وإن شتمنكم وشتمن أُمراءكم وصلحاءكم..!! - واذكروا الله كثيرآ لعلكم تفلحون..!! * هذه هي المثل الأخلاقية التي طبقها الجيش السوداني ونفذها في حرب ليس للاخلاق موقع من الإعراب فيها...!!! * وما فعله الجيش السوداني في الحرب العالمية الثانية في ليبيا (ذكرناه في مقالة سابقة ) كان درساً أخلاقيا أذهل جيوش العالم أجمع ، وسجله التاريخ بلون ناصع البياض ، في خضمّ أحداث حالكة السواد ، وكان سجلّ الجيش السوداني هو الأبيض الوحيد وسط ذلك السواد...!!! * اللهم أرحم بطلنا العم عوض وأكرم ضيافته وأنت أكرم الأكرمين.. *اللهم إنه حمى أمَةً مسلمة من امائك فاجزه عنها خير الجزاء.. *اللهم انه صان عرض مسلمة وقتل كافراً دفاعاً عن حقك ، فاحمه اللهم من النار واسكنه فسيح جناتك مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.. * اللهم أخرج فروع هذه البذرة الطيبة من جذورها لجيشنا الباسل ، فطيبك يبقي طيبآ مهما تعرض لعوامل تعرية سياسية عابرة ، وبعدها سيعود سيرته الأولى...آمين.. [email protected]