مثلت ثورة يناير 2011 في مصر نقطة فارقة في العديد من الأمور السياسية والاجتماعية وغيرها، كما كانت لحظة مخاض هام في الفن، خاصة الموسيقى، حيث خرج من عباءة الثورة العديد من الفرق والأشخاص ومثلوا موجة موسيقية، لم تكن معتادة، دينا الوديدي واحدة من أبناء ثورة يناير الموسيقية، إن جاز التعبير، تعزف موسيقى تجمع بين الجاز والفولك، وتغني كلمات تتحدث عن قضايا سياسية واجتماعية وإنسانية. العرب هشام السيد في مقابلة مع "العرب" اعترفت الفنانة المصرية الصاعدة دينا الوديدي بأنها تدين لثورة يناير بشهرتها، فرغم أنها بدأت مشوارها الغنائي عام 2008، وقبلها شاركت في مسرحية "شاعر طروادة" مع المخرج حسن الجريتلي، إلّا أن الناس عرفوها بعد الثورة. ومع ذلك لا تعتبر الوديدي نفسها مغنية الثورة، نظرا لأنها ضد فكرة الألقاب، وفي ما يخص الغناء للثورة فهي مرحلة ارتبط بها الكثيرون على أمل التغيير السياسي، حيث تقول "كانت لدينا طاقة مختلفة في الغناء، ثم سرعان ما أصبنا بخيبة الأمل". دينا انتقلت من مرحلة الغناء الهاوي، والأغاني المنفردة في حفلات متفرقة، أو على اليوتيوب إلى إصدار ألبوم غنائي، فكان عملها الأول بعنوان "تدور وترجع" الذي صدر نهاية عام 2014. مثّل الألبوم الذي وضعت موسيقاه بنفسها بلورة لمجهود بذلته على مدى سنوات في محاولة للوصول إلى توليفة موسيقية تحمل فكرا ومضمونا لا يوجد في الغناء التجاري، ولا يتأثر باعتبارات التسويق أو أي اعتبارات إنتاجية. نجاح الألبوم الأول جماهيريا وفنيا، شجعها على تكرار التجربة، وحاليا تستعد لإصدار ألبومها الجديد بكلمات وموسيقى مختلفة عن الأول، ويتوقع أن يرى النور مطلع العام المقبل. لون مخالف على عكس الفنانين المتمرسين لا تزال الوديدي تعتمد على إحساسها أكثر في اختيار أغنياتها، لذلك فكل أغنية بالنسبة إليها هي حصاد مناسبة أو تجربة خاصة بها. أغنية "أحيه أحيه" التي أثارت الكثير من الجدل وجلبت إليها الانتقادات، دافعت عنها بأن الكلمة لفظ إسكندراني دارج يعني الاعتراض أو الدهشة، والأغنية تحكي عن فتاة استيقظت على انتهاء الثورة، والهدف منها كوميدي أكثر. فكرة انتظار جمع ما أنفقته على الألبوم من حصيلة بيعه في الأسواق، فكرة لا تؤمن بها الوديدي في الوقت الحالي لما فيه من تطور تكنولوجي رهيب، لكن مبيعات الألبوم بالنسبة إليها تكتسب معنى أكبر، وهي أن لديها جمهورا يدعمها ويبحث عن أعمالها. لم تجد صعوبة في الغناء بالعامية في حفلاتها خارج مصر، وتعيد الفضل في ذلك إلى تعودها على ذلك، وكانت تتحايل لتقديم ترجمة مختصرة لكلمات الأغنية قبل بدئها ليندمج الجمهور في تفاصيلها ويتفاعل معها. تقيّم الفنانة تجربتها بأنها يمكن أن تكون امتدادا لتجارب محمد منير وحميد الشاعري وأحمد عدوية، لكن بشكل متطور نوعا ما، من حيث اختلاف اللون الغنائي الذي يخالف ما اعتاد عليه الجمهور. وأضافت أن الإقدام على أداء كلمة مختلفة ولحن مختلف يستدعي وجود مطرب مثقف، لذلك تحافظ دائما على قراءة أعمال الشعراء أمل دنقل وبيرم التونسي ونجيب سرور وفؤاد حداد، وبعض الأنواع من الأدب المترجم، حتى تصقل إحساسها بالكلمة والمعنى. دينا الوديدي انتقلت من مرحلة الغناء الهاوي، والأغاني المنفردة إلى إصدار ألبوم غنائي بعنوان "تدور وترجع" الذي صدر نهاية عام 2014 هي وغالية بن علي تهتم الوديدي أيضا بمتابعة يومية للأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر والدول المحيطة، لأنها مرتبطة بما يغنيه المطرب، وهي كغيرها من الفنانين مهمومة بالمستقبل ومساحة الحرية في التعبير عن المنتج الغنائي. وفي المقابل، لا تتخلى دينا عن مرونتها في موضوع الرقابة التي ترفضها بعنف، لأنها تؤمن بحرية خيال الفنان لإخراج ما لديه من إبداع، دون قيود، حيث من حق أي إنسان أن يقول ما يشعر به، على حد تعبيرها. ومع أنها مهمومة بالمستقبل وما يمكن أن يحدث خلاله، إلاّ أنها أكدت عدم إدراكها الكلي للمستقبل السياسي العربي، حيث اعتبرت نفسها غير مؤهلة للتنبؤ بما سوف يحدث على مستوى المنطقة العربية. ولجأت الوديدي إلى إعادة توزيع بعض أغنيات التراث مثل أغنية "على ورق الفل دلعني" لخضرة محمد خضر، وأيضا السيرة الهلالية وبعض مواويل بدرية السيد، الأمر الذي قوبل بترحيب جماهيري وفني. ومع ذلك، تتحسب دينا جدا من الإقدام على إعادة توزيع واحدة من أغنيات أم كلثوم رغم ولعها الشخصي والفني بها، خوفا من عدم تقبل الجمهور للأمر أو مقارنتها بفنانة في قامة سيدة الغناء العربي. تجد دينا الوديدي أن جمهورها لديه مساحة واسعة من المكاشفة والصراحة وقد ينتقدها بسهولة، وهذا يسعدها، لذلك تتحفظ كثيرا وتتلمس خطاها حفاظا على ما تملكه من حب في قلب الجمهور. وتصنف نفسها بأنها قريبة من الغناء الكلاسيكي بنسبة 70 في المئة، ربما بحكم دراستها للغات الشرقية خلال المرحلة الجامعية، أو لأنها جاءت من خلفية فنية تتأثر كثيرا بفناني الكلاسيكيات مثل سعاد محمد ونجاة وصالح عبدالحي وسيد درويش. وترفض الوديدي مخاوف بعض الفنانين المصريين من نشاط زملائهم العرب في مصر، وعبرت عن موقفها بشكل عملي من خلال المشاركة في أغنية "دويتو" مع المطربة التونسية غالية بن علي "هيمتني تيمتني عن سواها أشغلتني"، التي وصفتها بأنها صديقة مقربة تحب تجربتها المختلفة في الغناء. وفي ختام الحوار طلبنا من دينا الوديدي تصنيف نفسها فنيا، فقالت ببساطة "أنا شخصية عادية وبسيطة أحب الغناء والتلحين، كما أحب السفر والترحال والعمل باستمرار".