صعدت غراسا ماشيل، زوجة نيلسون مانديلا، أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، منبر كنيسة «ريجينا موندي» بمدينة سويتو، أول من أمس (الأربعاء) لتقدم ميشيل أوباما، زوجة أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية. «نرحب بك كابنة للتراث الأفريقي، ويمكن أن نصفك بملكة عالمنا»، هذا ما قالته ماشيل، الناشطة بمجال حقوق النساء والأطفال، مشيرة إلى أن «ريجينا موندي» تعني ملكة العالم باللغة اللاتينية. يبدو أن الازدواجية المثيرة للضيق التي يظهرها مواطنو جنوب أفريقيا في الأغلب تجاه الولاياتالمتحدة، حيث يعتبرونها أحيانا كثيرة قوة عظمى متغطرسة، قد عُطلت مؤقتا من أجل ميشيل أوباما؛ فقد عانقتها جنوب أفريقيا بمشاعر مفعمة منذ أن وصلت لبلدهم يوم الاثنين، وردت عليهم بالأحضان، واحدا تلو الآخر. وقد أظهرت الأماكن التي ظهرت فيها وخطابها هنا، أول من أمس، الذي بُث على مستوى البلاد، القواسم المشتركة بين النضال من أجل حرية السود داخل جنوب أفريقيا والولاياتالمتحدة، وهو الأمر الذي كان له صداه بين مواطني جنوب أفريقيا. وداخل كنيسة «ريجينا موندي»، التي كانت دار عبادة ومركزا تنظيميا لمن يقاتلون ضد التمييز العنصري - ويتشابه ذلك بدرجة كبيرة مع كنائس السود داخل الولاياتالمتحدة خلال حركة الحقوق المدنية - تحدثت أوباما عن شباب بكلا الدولتين «نظموا مسيرات حتى تعرت أقدامهم، وتحملوا الضرب والرصاص، وقضوا عشرات الأعوام وراء القضبان، وخاطروا وضحوا بكل ما لديهم من أجل الحرية التي يستحقونها»، وقالت: «بسبب هؤلاء أقف هنا أمامكم كأول سيدة أولى للولايات المتحدة الأميركية». وقال دونالد غيبس، السفير الأميركي الذي كوّن صداقات مع عدد كبير من الناس في جنوب أفريقيا، إنه يرى أن زيارة أوباما ستسهم في تحسين العلاقات بين الولاياتالمتحدة والديمقراطية الرائدة بالقارة الأفريقية. وأضاف: «عندما أتحدث إلى أفراد في الحكومة وقطاع الأعمال والمجتمع المدني، أجد حبا لا يُصدّق للرئيس أوباما والسيدة الأولى. وقد ساعدت هذه الرحلة على تعزيز ذلك». ويعود الشعور بعدم الثقة بين جنوب أفريقيا والولاياتالمتحدة إلى فترة الحرب الباردة، عندما وجد المؤتمر الوطني الأفريقي، حركة التحرر داخل جنوب أفريقيا، ملاذا ودعما من الاتحاد السوفياتي، بينما أدان الرئيس الأميركي الأسبق، رونالد ريغان «المقاتلين المسلحين السوفياتيين بالمؤتمر الوطني الأفريقي»، الذي قال عنه إنه «اتجه إلى أعمال إرهابية جديدة». وبعد انتهاء التمييز العنصري، كانت هناك توترات على مدار أعوام، بسبب منحى جنوب أفريقيا تجاه مرض الإيدز إبان حكم الرئيس السابق، ثابو مبيكي، الذي عارض توزيع واسع النطاق لأدوية تنقذ حياة الناس، وشكك في أن فيروس نقص المناعة البشرية سبب المرض. وكانت الإدارات الأميركية تواجه انتقادات لما اعتبروه تواطؤا من جانب مبيكي مع روبرت موغابي، الحاكم المستبد في زيمبابوي المجاورة. ولكن رئيس جنوب أفريقيا الحالي، جاكوب زوما، غيّر من موقف الدولة إزاء مرض الإيدز، وضغط من أجل توسعات في علاج من يحملون المرض، كما يتخذ موقفا أشد حزما مع موغابي (87 عاما)، ويضغط من أجل تعزيز المؤسسات التي تضمن إجراء انتخابات نزيهة. ولم يلحق ضررا بالعلاقات بين جنوب أفريقيا الولاياتالمتحدة، بعد وصول أول زوجين أميركيين من أصول أفريقية للبيت الأبيض. وخلال زيارتها، عبرت أوباما بالقول والفعل عن تقديرها للرؤية البطولية التي تضعها جنوب أفريقيا لنفسها - وهي الدولة التي حققت انتقالا سلميا من حكم الأقلية البيض إلى حكم الأغلبية السود قبل 17 عاما. وفي صباح يوم الثلاثاء، استضاف غيبس وزوجته إليزابيث 100 ضيف، «نخبة النخبة بجنوب أفريقيا»، على حد تعبير أحد الضيوف، لمقابلة أوباما في مقر إقامة السفير داخل بريتوريا. تحدثت أوباما مع كل ضيف على حدة، بحسب ما قاله بعض الحضور. وقال الكثير من الضيوف إنهم تأثروا عندما اقتبست أوباما مقولة لألبرتينا سيسولو، وهي الأم المحبوبة لحركة مناهضة التمييز العنصري التي ماتت هذا الشهر عن عمر يناهز 92 عاما، وأطلقوا ضحكات خافتة عندما قالت لهم إن زوجها «شعر بالضيق» لأنه لم يستطع أن يأتي إلى جنوب أفريقيا معها. وقال جاي نايدو، عضو مجلس الوزراء في الحكومة الأولى لمانديلا، الذي أصبح رجل أعمال ويعمل حاليا في المجال الخيري: «يشعر الناس بالإعجاب لأن لدينا سيدة أولى سوداء. وهناك شعور بالإعجاب لوجود زوجين من السود في البيت الأبيض. هذا أمر لا يُصدّق». وفي وقت متأخر من يوم الثلاثاء، قامت أوباما بزيارة متحف التمييز العنصري ومؤسسة نيلسون مانديلا، حيث عرضت ميشيل على أوباما وابنتيها، ماليا وساشا، وأمها، ماريان روبنسون، خطابات وتذكارات مانديلا. وبعد ذلك بوقت قصير منح مانديلا، الذي يبلغ من العمر 92 عاما ويعاني من حالة صحية سيئة، لأوباما وطفلتيها جمهورا فريدا. ووصف سيلو هاتانغ، المتحدث باسم مؤسسة مانديلا، الزيارة بأنها مجاملة اشتملت على تبادل الدعابات. وأول من أمس تصدرت الصفحات الأولى لمعظم الصحف المهمة صور أوباما وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها وترتدي سترة حمراء وهي تميل تجاه مانديلا، الذي ارتسمت ابتسامة على شفتيه هو الآخر. وقالت للصحافيين الذين سافروا معها من الولاياتالمتحدة: «بدا قويا، وبدا جيدا، وبدا سعيدا». وفي كلمتها داخل كنيسة «ريجينا موندي»، دعت شباب أفريقيا إلى التحرك ضد الظلم الحالي الذي «لا يقل» عن أمراض الماضي، الجوع والمرض والعنف الأسري، كما كرمت شابات ضحين من أجل ما يؤمنّ به: روبين كريل، وهي صحافية من زمبابوي تعرضت للضرب ولمضايقات بسبب كتابتها عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان هناك، وغراس نانيوغا، وهي يتيمة أوغندية بدأت تطهو السمك وتبيعه في الثالثة عشر عمرها لتساعد أشقاءها الستة. وقالت أوباما بصوت مرتفع: «مرحى يا غراس، امض أيتها الفتاة». * خدمة «نيويورك تايمز»