:: جلس الأصدقاء يتسامرون بإسترجاع الأمثال الشعبية وأقوال العظماء، ومر بهم أحد من ذوي الخيال الواسع، وسألوه عن الحكمة التي يؤمن بها في الحياة، فرد سريعاً : (ليس كل ما يدور في رأسك افكار، احتمال يكون قمل).. وقد صدق .. وفي بلادنا هذه، وكأنهم قد خلقوا خصيصاً لتعكير صفو الحياة، هناك يُفجعنا بما يسمونها - مجازاً - بالأفكار.. ولكن حين تصبح تلك الأفكار واقعاً يُعكر صفو الحياة، يكتشف صاحبها - وكذلك الناس والبلد - بأنها كانت مجرد ( قمل) ..!! :: واليوم، بعد عقدين ونيف من تعكير صفو التربية والتعليم، تكتشف وزارة التربية والتعليم خطأ السلم التعليمي الراهن (9، 3).. ثم تعلن بالنص القائل على لسان وزيرتها : ( البدء في إجراءات إعادة السلم التعليمي "القديم"، لتكون المرحلة المتوسطة ثلاث سنوات، بعد ست سنوات ابتدائي، ثم ثلاث سنوات ثانوي، في الولايات خلال 2017م)..هكذا الإعتراف الصريح بان تلك الأشياء الصغيرة التي كانت تلف وتدور في رؤوس من فكروا في السلم الراهن - 9. 3 - لم تكن (أفكاراً)..!! :: رغم أنف تحذير علماء التربية والتعليم، ورغم رفض الصحف والرأي العام، هدموا المرحلة المتوسطة بلا دراسة وبلا تفكير سليم، وجلسوا على تلها عقدين من الزمان، ثم إكتشفوا قبل عام - بعد خراب مالطا - خطأ الهدم ..ثم فكروا في إصلاح الخطأ، ولكن بذات الأشياء التي (تلف وتدور)، وكانت الفكرة : (إضافة الفصل التاسع لمرحلة الأساس)..ولم يتخيلو فكرة أن يلتحق الطفل بالمدرسة وهو في السادس من عمره، ويبقى فيها إلى أن يبلغ من العمر (15 سنة)، وإذ رسب في الفصل التاسع وفكر في الإعادة يكون قد بلغ ( 16 سنة)، ويصبح المراهق زميلاً لطفل في ذات المدرسة ..!! :: ولو كانت الأشياء التي تحركت في رؤوسهم أفكاراً لفكرت في مغبة زمالة أو صداقة ( مراهق وطفل ) قبل هدم المرحلة المتوسطة والتخلص من مدارسها بالبيع أو بتحويل الغرض، ولكن تلك الأشياء الصغيرة لم تكن أفكاراً.. ومع ذلك، لم ولن يعتذروا لحقل التجارب - المسمى بالوطن -على خطل الفكرة التي أضاعت على الأجيال عاماً دراسياً قبل إضافة ( سنة تاسعة)، أي قبل المزيد من الخراب التربوي .. وكذلك لم ولن يعتذروا لأجيال تم تحويلها - بين ليلة وضحاها - إلى فئران تجارب لتربية خلط الأطفال بالمراهقين في حيشان المدارس طوال السنوات الفائتة .. !! :: لم ولم يعتذروا عن كل الآثار والكوارث التي أحدثها السلم الراهن على مستوى (التعليم والتربية)..فالناس والبلد إما أقل مقاماً من عظمة إعتذارهم، أو هم يمتلكون البلاد وأهلها بشهادات بحث وصكوك الإسترقاق، ولذلك كان التصريح الخجول : ( ح نرجع للسلم القديم)، وخلاص.. أين المحاسبة لمن إرتكبوا أكبر جريمة في التربية والتعليم؟، وأين فضيلة الإعتذار للخبراء والعلماء الذين رفضوا محو المرحلة المتوسطة؟..ثم، ليس السلم التعليمي فقط هو القديم الوحيد الذي يجب (الرجوع إليه)، فالمناهج القديمة أيضاً أفضل من المناهج التي وضعتها تلك الأشياء الصغيرة التي كانت تلف وتدور فوق رؤوسكم في ( شكل أفكار)..!! ( مكافحة الأمي) الطاهر ساتي :: قبل عام، أكد تقرير مشترك ما بين منظمة اليونسيف ووزارة التربية والتعليم بأن أكثر من ثلاثة ملايين طفل في بلادنا لايتلقون تعليماً بالمدارس..وتتراوح أعمارهم ما بين (5/13 سنة).. وأماكن الرُحل ثم المناطق المتأثرة بالحرب و الفقر و النزوح تشكل أعلى نسب تسرب الأطفال من المدارس.. وبعد نشر تقريرها، وصفت اليونسيف - على لسان ممثلها بالسودان كابيليري - سلطات التعليم في بلادنا بالشجاعة، لأنها وافقت على نشر نتائج التقرير وتلك الأرقام المحزنة..!! :: ومخدوع كابيليري هذا، فالسلطات ليست شجاعة ولا يحزنون.. ولكنها تُدمن ( الشحدة) بمثل هذه التقارير..كل السلطات - بما فيها سلطات التعليم - كما العامل الذي كان يُدمن تقديم طلبات السلفيات والمنح لمديره العام بادعاء الأمراض على مدار العام .. يتمارض بالكلى، فيمنحوه ( سلفية ومنحة)، ليتمارض بالقلب، وهكذا حتى أكمل كل الأمراض والوبائات.. وذات يوم جمعته مركبة عامة برجل تساقطت أسنانه، وسأله الرجل : ( محطة تمانية لسة؟)، فحدق في وجهه ثم رد متحسراً : ( ما عارف محطة تمانية دي وين، لكن خشيمك ده فيه حلاة سلفية )..!! :: وهكذا سلطات التعليم في بلادنا، إذ هي سعيدة للغاية بنشر اليونسيف لتقرير يًشير إلى تسرب أكثر من ثلاثة ملايين طفل من المدارس، لأن في محتوى التقرير ( حلاة منحة).. والمهم، بعد تقرير اليونسيف، كشفت وزارة التربية صباح أمس في ورشة عمل نظمتها لجنة التربية والتعليم بالبرلمان عن وجود ( 9.691.795 ) مواطن أمي في البلاد، أي ثلاثة أضعاف ما ورد في ذاك التقرير المشترك والخاص بالأطفال فقط ..(9.691.795 أمي)، تأملوا دقة الرقم في بلاد عاجزة حتى عن التعداد السكاني في مناطق الحرب..!! :: وهذه الإحصائية الدقيقة لحجم الأمية تذكرنا بتقرير الوزيرالأسبق للزراعة والثروة الحيوانية بولاية الجزيرة أمام نواب المجلس التشريعي قبل خمس سنوات.. بعد أن قدم أعداد الأبقار والضأن والماعز بالولاية، واصل في عرض التقرير بمنتهى الثقة : ( و لدينا 3.400.000 حمامة)، وضجت القاعة بالضحك ..ويبدو أن ضحك النواب – على دقة إحصائية أعداد الحمام - لم يعجب الوزير، فصاح فيهم : ( المغالطني يمشي يعدهن).. وليس لنا خيار غير أن نصدق وزارة التربية في ذاك الرقم، فالعد في مناطق الحرب والنزوح غير منطقي ..!! :: وعلى كل حال، مكافحة الأمية بحاجة إلى خطة تبدأ بتقزيم نسبة تسرب الأطفال من المدارس لحد (الصفر)، ثم تعليم الكبار لاحقاً.. والإعتراف الحكومي بوجود ( 9 ملايين أمي ) ما هو إلا إعتراف بترسيخ الأمية في البلاد رغم أنف المنظمات والدول (المانحة).. فالسلام و التنمية والإستقرار ( أولاً)، ثم أن تعليم يجب أن يكون إلزامياً ومجاناً بالقانون الرادع، أو هكذا يجب أن المدخل لمحو الأمية في الحاضر والمستقبل ..!! :: ولا معنى لتعليم بعض الكبار(فك الخط)، بيد أن الآلاف من الصغار تشكل سنوياً بحيرات الأمية لعجزها عن الإلتحاق بالمدارس بسبب الحرب والفقر والنزوح، أو لتسربها من مراحل التعليم الأولية لضعف الرقابة ورداءة البيئة المدرسية.. ولذلك، مع الصرف على التعليم، أوقفوا الحرب والنزوح، وإستقروا سياسياً وإقتصادياً، لينعم الكبار والصغار بالتعليم .. هذا أو فليتواصل نهج الحرب والفقر والنزوح في محو ( الأمي)، بدلاً عن ( الأمية)..!! [email protected]