راشد عبد الرحيم: الجنسية والقبيلة    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث: المدنيون في الفاشر يكافحون بالفعل من أجل البقاء على قيد الحياة    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخطبوط الرئاسي و قرار المركزي بتعويم سعر الصرف
نشر في الراكوبة يوم 05 - 11 - 2016

ارتفعت أسعار الدولار في السوق السوداء إلي ما يزيد عن 17 جنيه للدولار الواحد مباشرة بعد صدور قرار البنك المركزي بتعويم سعر صرف العملة المحلية (المسمي زورا و خجلا و استهتارا بعقول الناس سياسة الحافز). و بالتأكيد ارتفعت تبعا لذلك أسعار العملات الأجنبية الأخري. و سيتوالي هذا الإرتفاع في العملات الصعبة هذه المرة كالطوفان الجارف و لن تجد الحكومة سبيلا للسيطرة عليه. و من المتوقع ارتفاعه إلي ما يزيد عن 25 جنيه للدولار الواحد خلال الفترات القادمة (و يا خبر النهار ده بفلوس بكرة يصبح ببلاش).
نقول ذلك أولا: لأن إنخفاض قيمة العملة المحلية و ظهور السوق السوداء هما في الحقيقة نتيجة للتدهور الإقتصادي و ليس سببا له. و كل تصريحات كبار و صغار المسئولين و من هب و دب من أزيالهم و أتباعهم بأن انعدام العملات الصعبة هو نتيجة للحصار الإقتصادي و العقوبات الأمريكية هو السبب في تدهور الحالة الإقتصادية إنما هي تصريحات لا تختلف في مضمونها و شكلها عن تصريحات المسئولين عن بعثة السودان في البطولة العربية للألعاب الأولمبية عام 2011م (بعد فضيحة إنفصال جنوب السودان) في رد علي سؤآل لبعض المشرفين عن فريق السلة عن النتائج المخزية التي حققها الفريق السوداني وقتها فأفادوا بأن (السبب كلو في الإنفصال لأنو أخواننا الجنوبيين مشوا وخلو الفريق) ،،، كم هي محزنة كارثة طغمة الإنقاذ و محنتهم (بترول و لاعبين سلة مرة واحدة). و ثانيا: أن البنك المركزي لا يقوي علي السيطرة علي السوق السوداء و علي مسابقتها و التفوق عليها و لا يستطيع أن يضارع أو يواجه القوي الرئيسية المتحكمة فيها لأنه كما يعلم الجميع بأنه قد فقد مصداقيته و استقلاليته منذ يوم 30 يونيو 1989م الأسود و أصبح أداة طيعة مكرسة لخدمة القوي المتحكمة في السوق السوداء نفسها. و بالتالي فإن أي قرار أو مرسوم يصدره هو في النهاية يصب في مصلحة هذه القوي الخفية التي تتحكم في إقتصاد البلد بكامل مؤسساته و تديره وفقا لمصالحها الخاصة و تستغله لنهب موارد البلاد و مراكمة رؤوس أموالها داخل السودان و خارجه في المقام الأول و الأخير.
ما نقوله بكل بساطة ليس طلاسم أو أضغاث أحلام فالمسألة واضحة وضوح الشمس. دعونا مثلا (و لتبسيط القضية للقارئ الكريم) أن نثير بعض الملاحظات و الاستنتاجات المرتبطة بتجارة العملة عن فضيحة الفريق طه التي فجرها استاذنا الكبير الصحفي المخضرم عبد الرحمن الأمين و التي كشف فيها بالوثائق المؤكدة النافية لكل جهالة تحويل الفريق طه مبلغ 40 مليون دولار أمريكي من حسابه بفرع بنك نوفا سكوتيا الكندي بدبي إلي حساب مطاحن سي آي دي (CID MILLS) التركية في بنك أكبكترس. و من الواضح أنها عبارة عن صفقة شراء دقيق بقيمة 40 مليون دولار أمريكي تم سدادها علي دفعتين 10 مليون دولار بتاريخ 19 يناير 2015م و 30 مليون دولار بتاريخ 7 يونيو 2015م. و بما أن الدقيق و القمح و السكر و الذرة الصفراء و فول الصويا و غيرها من السلع النقدية لا يتم بيعها بالأجل أو التقسيط و يتم عادة سداد قيمتها فورا. فسداد الفريق طه لقيمة الصفقة علي دفعتين 10 مليون دولار مقدما و 30 مليون دولار بعد ستة أشهر فهذا يعني أن علاقة الفريق مع هذه المطاحن علاقة طويلة اكتسب خلالها ثقتها الكاملة و أن هذه الصفقة لم تكن الصفقة الأولي له مع تلك المطاحن.
و قبل أن نثير ملاحظاتنا نطلب من القارئ الكريم أن يضع أمامه آلة حاسبة قبل مطالعة ما يلي حتي لا تتضارب علينا الأصفار و حتي لا نوصف بالمبالغة.
بالمناسبة تحتفل سماء هوليود هذه الأيام بالفيلم السينمائي الرائع (المحاسب) (The Accountant) بطولة بن آفلك و آنا كندريك الذي يحكي عن نفس الإقتصاديات الخفية المشبوهة التي تتعامل مع مافيا الإقتصاد و مافيا غسيل و تهريب الأموال. (يبدو أن القارئ سيتعب معنا فهو مطالب ببعض مهارات استخدام الآلة الحاسبة و أيضا هواية و اتقان مشاهدة الأفلام الأمريكية) ،،، (و كله يهون في سبيل الوطن) ،،، برغم أنني تذكرت بأن الجماعة قد دمروا كل دور السينما في بلادنا و حولوها لمغالق لبيع الأسمنت و المسامير و المواسير) و أصبحت بالتالي بلادنا الواسعة خاوية إلا من دارين أو قل ثلاثة من دور السينما المتخصصة في تقديم الأفلام الهندية و المصرية و غيرها من الأفلام التي عفي عليها الزمن و أصبحت الغالبية العظمي من مبدعينا في مجال السينماء و المسرح مهاجرين في أرض الله الواسعة تلاحقهم و تطاردهم كغيرهم من المغتربين و المهاجرين سياسات البنك المركزي للحصول علي مدخراتهم من العملات الصعبة بثمن بخث عبر مناشير و مراسيم لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
الملاحظة الأولي: هي ملاحظة بسيطة في شكلها و لكنها خطيرة جدا في محتواها و تلفت الإنتباه لبعض الجوانب التي يعتبرها بطل الفيلم (سعادة الفريق طه) جوانب لن ينتبه لها عامة الناس لأنهم جاهلون بأحدث ما توصلت له تقنيات و تكنلوجيا غسيل و تهريب الأموال. و تتلخص الملاحظة في أولا: تمت التحويلات في يناير و يونيو 2015م أي قبل صدور منشور البنك المركزي رقم (9/2015) الذي يسمح فيه البنك المركزي بالاستيراد بدون تحويل القيمة (Nil Value) بمعني أنه عندما تمت صفقة الفريق طه (أو الأخطبوط الرئاسي كما يسميه الأستاذ عبد الرحمن الأمين) كان منشور بنك السودان رقم (20/2012) الصادر بتاريخ 23 أكتوبر 2012م ساري المفعول و هو يتعلق بحظر الاستيراد بدون تحويل القيمة فيما عدا لأغراض الإستعمال الشخصي وإسبيرات ماكينات المصانع المستعجلة، العربات للإستعمال الشخصي، و لأغراض الإستثمار. فكيف يتم السماح للأخطبوط الرئاسي بالإستيراد بدون تحويل القيمة أو بدون استخراج استمارة الإستيراد (IM) من أحد البنوك؟ و كيف تسمح سلطات الجمارك بدخول بضاعة من الخارج بهذه الضخامة (و هي بالتأكيد ليست للأغراض الشخصية أو لغرض الإستثمار) دون أن يكون لها استمارة استيراد و دون أن يكون هنالك ما يثبت تحويل قيمتها من أحد البنوك السودانية سواء عن طريق تحويل أو اعتماد مستندي؟ و هذا ما يؤكد أن البنك المركزي باعنباره السلطة النقدية العليا في البلاد قد أصبح في الحقيقة بلا سلطة و أنه مجرد (مساعد حلة) أمام كبار مافيا الإنقاذ من كبار تجار و مهربي العملة. و ثانيا: هل يا تري لهذه المافيا و القوي التي تتحكم في إقتصاد البلد و مؤسسات الدولة بما فيهم الأخطبوط الرئاسي دور في صدور منشور البنك المركزي رقم (9/2015) الذي سمح فيه بالاستيراد دون تحويل القيمة؟
و بما أن القرار يحمي مصالح مافيا تجارة العملة و قد أدي بالفعل لاتساع نطاق السوق السوداء و تهريب العملة و جعل البلاد مرتعا خصبا لجرايم غسيل الأموال و تمويل الإرهاب. فهو ما يؤكد أيضا أن أي قرار يتخذه البنك المركزي أو وزارة المالية أو غيرها من الدوائر الحكومية هو في الأساس لحماية مصالح كبار مافيا تجارة العملة بما في ذلك المنشور الجديد الخاص بتعويم العملة و المستفيد الأول و الأخير فيه كبار تجار العملة. و لعل القارئ الكريم يلاحظ أن الصفقة تمت تقريبا خلال نفس الفترة التي بدأت فيها وزارة المالية بشن حملتها المشهودة الواسعة حول احتكار استيراد القمح و ضد أسامة داؤود تحديدا عام 2015م و التي كان هدفها الأول و الأخير هو إقناع الناس بجدوي إستيراد الدقيق بدلا من استيراد القمح و تصنيع الدقيق محليا. فهل يا تري صفقة الدقيق التركي هذه كان لها علاقة بتلك الحملة الإعلامية المذكورة؟ نترك الإجابة لفطنة القارئ الكريم.
أما إذا افترضنا أن سعادة الفريق طه يمتلك في حسابه لحظة صدور قرار التعويم 40 مليون دولار مثلا إشتراها من مصادر عدة من بينهم المغتربين بدول الخليج علي مدار فترة من الزمن و بأسعار مختلفة. ولنفترض أيضا أن متوسط سعر تجميع العملة خلال تلك الفترة كان 14 جنيه. فمعني ذلك أنه بين يوم و ليلة من قرار بنك السودان بتعويم العملة قد تضاعفت أرباح الأخطبوط الرئاسي بحوالي 120 مليون جنيه (120 مليار بالقديم) علي أقل تقدير. و ذلك بطرح 14 جنيه متوسط السعر من سعر اليوم 17 جنيه و ضرب النتيجة في 40 مليون دولار (و بالتأكيد هو يملك أضعاف هذا المبلغ). السؤآل المهم هو كيف يقوي بنك السودان علي مسابقة و مضارعة شخص يحقق بين ليلة و ضحاها أرباحا بمعدل 21.4% و هو نائم في شهر العسل؟. (21.4% هي ناتج قسمة 3 جنيه فرق السعرين مقسومة علي متوسط السعر 14 جنيه و مضروبة في 100%).
الملاحظة الثانية: هي كيف يقبل العقل أن يستخدم سعادة الفريق طه 40 مليون دولار من أحد حساباته بالخارج لشراء دقيق مرسل للسودان ليتم بيعه بالجنيه السوداني في السوق المحلي برغم التضخم و تدني قيمة العملة المحلية بشكل يومي؟ في كاراكتير ساخر متداول في مواقع التواصل الإجتماعي (سأل جاكوب زوما رئيس جنوب إفريقيا البشير كم يبلغ سعر الدولار عندكم؟ فأجابه الرئيس قبل السؤآل و لا بعده) ،،،
فإذا افترضنا أن متوسط السعر آنذاك 14 جنيه للدولار و أن نسبة أرباح الفريق طه في بيع الدقيق 10% فقط (رأفة بالشعب و حتي لا تنفجر الآلة الحاسبة في يد القارئ الكريم). فهذا يعني أن حصيلة صفقة الإستيراد هذه عبارة عن 616 مليون جنيه (616 مليار بالقديم) هي عبارة عن حاصل (40 مليون دولار × 14 + 10%) أي ما يعادل 44 مليون دولار بمعني أن الرجل حقق 4 مليون دولار في هذه الصفقة علي أسوأ الفروض.
الإجابة علي السؤآل بكل بساطة هي أن سعادة الفريق طه يثبت للجميع و بكل وضوح أنه من كبار مافيا تجار العملة. فلو لم يكن كذلك و لم يكن واثقا من قدرته علي إرجاع ال 40 مليون دولار مع أرباحها إلي حسابه في دبي مرة أخري عبر وسائل متعددة من أهمها الشبكة التي يمتلكها الرجل لتجارة العملة و خاصة الناشطة في تجميع العملات الصعبة من المغتربين في دول الخليج لما أقدم للمغامرة بالدخول في هذه الصفقة.
إلا أن الحقيقة هي أن كل كبار تجار و مافيا الإنقاذ يعملون بهذه الطريقة و أن سعادة الأخطبوط الرئاسي برغم موقعه كمدير لمكتب المشير فما يكتنزه من أصول نقدية و يحرك به تجارته الفاسدة لا يساوي جناح بعوضة أمام ما يكتنزه كبار المافيا من رجالات و نساء الرئيس.
فإذا كان الهدف أصلا من قرار تعويم العملة هو لتجميع استقطاب تحويلات المغتربين (دعونا نصدق ذلك)، و إذا كانت إجمالي حصيلة تحويلات المغتربين في السابق تقدر بحوالي 3 مليار دولار و إنهارت إلي 400 مليون دولار حسبما جاء في (سكاي نيوز، فبراير 2016م) بسبب السياسات الإقتصادية و سياسات البنك المركزي الخاطئة. مما أدي لتدهور قيمة العملة الوطنية و اتساع نطاق السوق السوداء. و بالتالي أصبح المغتربون يفضلون السوق السوداء عن البنوك للفارق الكبير بين سعرها و السعر الرسمي و أصبحت مافيا تجارة العملاء تمتلك وسائل متطورة و وكلاء لها في دول الخليج يقدمون خدمات تحويل خمسة نجوم سريعة و مضمونة. فمعني ذلك أن هنالك 2.6 مليار دولار (3 مليار – 400 مليون) تمثل 87% من متوسط إجمالي تحويلات المغتربين تهيمن عليها مافيا تجارة العملة (2.6 مليار / 3 مليار × 100%). ففي ظل هذا الواقع هل يتوقع البنك المركزي حقيقة بأنه قادر علي سباق السوق السوداء و الحصول علي حصيلة تحويلات المغتربين؟ و حتي لو فتح فروعا له في دول الخليج أو عمل له شبكة من الوكلاء هنالك فلن يستطيع التفوق علي القطط السمان ،،، (و القط كلما تضرب به الأرض بأقصي ما تملك من قوة ما تعرفه مشي وين و سرعان ما يظهر لك مرة أخري) أما إذا استفردت به في مكان مغلق لا مخرج له منه و أوسعته ضربا سيقضي عليك لا محالة.
كما قلنا في مستهل المقال أن تدهور العملة المحلية و اتساع نطاق السوق السوداء ليس سببا في التدهور الإقتصادي و إنما نتيجة له. و بالتالي فإن معالجة قضية سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية تستدعي معالجة الأزمة الإقتصادية برمتها و لا تنفع معها المسرحيات التي تشرف عليها في المقام الأول المافيا المتحكمة في إقتصاد البلد و تكرسه و تكرس مؤسساته الرئيسية و علي رأسها وزارة المالية و البنك المركزي لخدمة مصالحها و نهب موارد البلد.
فالطريقة التي يدار بها إقتصاد البلاد تمثل أبرز نماذج ما يعرف بالإقتصاد السياسي للطبقة الحاكمة في دول العالم الثالث التي تدير الإقتصاد من منطلق مصالحها الطبقية الخاصة. و التي تسير في نفس مسيرة حالة زمبابوي الكارثية كمثال حي لا يختلف حوله العقلاء و التي بلغت فيها قيمة العملة المحلية ما يزيد عن 35 مليار للدولار الزمبابوي مقابل كل دولار أمريكي واحد عام 2009م. و تزايدت فيها معدلات التضخم لمستويات لم يعرفها العالم من قبل حتي وصل فيها سعر السنت الأمريكي لما يعادل 500 مليار دولار زمبابوي مما إضطرها لاتباع سياسة إحلال العملة أو ما يعرف ب (الدولرة) في عالمنا المعاصر و تعليق التعامل بالدولار المحلي و استبداله بالدولار الأمريكي أو الراند الجنوب إفريقي.
سبق و أن قلنا في رد سابق علي سؤآل للراكوبة حول أسباب إنخفاض قيمة العملة المحلية بأن السبيل الوحيد الصحيح لاستعادة عافية الإقتصاد و عافية العملة المحلية يبدأ أولا باسقاط هذا النظام الذي أصبح بالفعل عقبة أساسية أمام تطور و تقدم بلادنا اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا. و السبب يكمن في الأساس إلي ما أشارت إليه الفقرة السابقة بأن الطبقة الحاكمة لبلادنا خلال السنوات العجاف السابقة هي طبقة طفيلية كالكائنات الطفيلية التي تتغذي علي أجسام الكائنات الحية الأخري و تمتصها دون أن تفيدها أو تقدم لها شيئا و هي لا تعرف سبيلا للبقاء غير ذلك.
و بالتالي فإن من يتوقع أن تقوم الحكومة بخطوات جادة لإصلاح الإقتصاد فهو واهم يعيش في كوكب آخر غير الذي نعيش فيه. فمعالجة الأزمة الإقتصادية قضية واضحة و سبلها معروفة تطرق لها العديد من خبرائنا الإقتصاديين و السياسيين في مقالات و كتب و أبحاث و لقاءات صحفية و هي مساهمات لا تحصي أو تعد و لكن صدق عمرو بن معد يكرب حين قال في الحكمة:
فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ
يرودُ بنفسه شر المرادِ
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرمادِ
أريد حياته ويريد قتلي
عذيرك من خليلك من مُراد
قلنا و لا نمل التكرار بأن أسباب تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار و غيره من العملات الأجنبية يرجع في المقام الأول إلي زيادة الواردات عن الصادرات بشكل متواصل غير مسبوق خلال السنوات الماضية نتيجة لسياسات الدولة الإقتصادية الخاطئة التي أدت إلي تدهور القطاعات الإنتاجية (و علي رأسها القطاع الزراعي) و تطويقها بحزمة من الضرائب و الرسوم و الأتوات و الجبايات التي أضعفت قدراتها الإنتاجية و أفقدت منتجاتها النقدية القدرة علي المنافسة في الأسواق العالمية مما أدي إلي إنخفاض الصادرات انخفاضا مريعا وصل إلي ما نسبته 73% خلال الفترة 2008م/2015م و ذلك من 11.6 مليار دولار عام 2008م إلي 3.1 مليار دولار عام 2015م في حين زادت فاتورة الواردات من 9.3 مليار دولار إلي 9.5 مليار دولار خلال نفس الفترة. الأمر الذي أدي إلي تزايد العجز في الميزان التجاري (الصادرات – الواردات) بنسبة (373%) و ذلك من فائض بقيمة 2.3 مليار دولار عام 2008م إلي عجز بقيمة (6.3) مليار دولار عام 2015م أي بزيادة في العجز بلغت (8.7) مليار دولار (بنك السودان المركزي، العرض الإقتصادي و المالي، جدول (7)، أكتوبر– ديسمبر 2015م). و بالتالي فإن هذا العجز المريع المتواصل في الميزان التجاري (و الذي أصبح سمة من سماته) و بمبالغ ضخمة يدفع المستوردين باستمرار للإتجاه للسوق الأسود (التي أصبحت هي المتحكم الرئيسي في تحديد سعر العملة الأجنبية) لتغطية هذا العجز الأمر الذي يؤدي إلي تزايد الطلب علي العملة الأجنبية باستمرار و بالتالي إرتفاع أسعارها باستمرار. و سيظل هذا الوضع مستمر من أسوأ إلي أسوأ دون حلول شافية طالما ظلت الإنقاذ مستمرة في حكم بلادنا، ففاقد الشئ لا يعطيه.
و إذا استبعدنا حصيلة الصادرات المذكورة سابقا و البالغة 3.1 مليار دولار و تحويلات المغتربين البالغة 400 مليون دولار (سكاي نيوز، فبراير 2016م) من قيمة فاتورة الواردات البالغة 9.5 مليار دولار فهذا يعني أن السوق الأسود لوحده يمول 60% من قيمة فاتورة الإستيراد و هو ما يعكس حجم الاتساع الذي وصلت إليه هذه السوق و مدي تحكمها في العملة الأجنبية و علي رأسها الدولار الأمريكي.
نضيف إلي ذلك ما تطرق له صدقي كبلو في دراسة سابقة له بعنوان (خطأ سياسة النقد في السودان) أن كل معالجات وزارة المالية و بنك السودان المركزي لتدني سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية يركز دائما علي زيادة العرض فقط و يهمل التأثير علي جانب الطلب باعتباره أفضل وسيلة لمعالجة تدني سعر الصرف و اقترح إيقاف استيراد العديد من السلع كالصابون و البسكويت و المكرونة، الشعيرية، و الألبان و الكثير من مشتقاتها، الزيوت النباتية، السكر، السيارات الفارهة، الفواكه، و مئات الواردات من السلع الأخري لتشجيع الإنتاج المحلي و تحفيز المنتجين المحليين لزيادة الإنتاج و بالتالي يقل الطلب علي الدولار و تنخفض تبعا لذلك فاتورة الإستيراد.
هذه الفجوة المتزايدة بين الصادرات و الواردات نتيجة لتدهور القطاعات الإنتاجية هو السبب الهيكلي الرئيسي في تدهور قيمة العملة المحلية. علما بأن هنالك أسبابا أخري تتداخل و تتقاطع مع الأسباب المذكورة أهمها:
1- تحكم جهات حكومية نافذة في تجارة العملة علي رأسها جهاز الأمن و المخابرات الذي (بجانب كونه جهازا قمعيا) فقد تحول أيضا لمؤسسة رأسمالية طفيلية تتحكم تحكما كاملا في تجارة العملة نسبة لتحكمها في المقام الأول بتجارة الأسلحة و الذخيرة و الآليات و المعدات العسكرية و مواد و أجهزة القمع التي تتم بالطبع عبر قنواتها غير المشروعة و الدليل علي ذلك عدم وجود أية بيانات تتعلق باستيراد و تصدير السلاح و الذخيرة و أجهزة القمع في كل التقارير و الدوريات الصادرة عن بنك السودان المركزي برغم أن 25% أي ما يعادل 3 مليار دولار تقريبا من موازنة 2016م المعتمدة مخصص للأمن و الدفاع.
2- سياسات البنك المركزي الخاطئة التي فاقمت من تدهور قيمة العملة المحلية. و بجانب القرارات الأخيرة فالمنشور رقم (9/2015) مثلا الصادر عن بنك السودان المركزي بتاريخ 3 نوفمبر 2015م لكافة المصارف و الذي سمح فيه بالإستيراد بدون تحويل القيمة لا يعتبر فقط تقنينا للسوق الأسود و توسيعا لنطاقها، بل أيضا يعتبر منفذا كبيرا لتهريب العملة حيث أصبح بمقدور تجار العملة تسليم العملة الأجنبية للمستوردين من حساباتهم بالخارج و التي يتم تغذيتها من خلال عدة مصادر من ضمنها تحويلات المغتربين، المستثمرين الأجانب، البعثات الدبلوماسية، الأجانب العاملين بالسودان، تجار الأسلحة و المرتشين و ناهبي المال العام و غيرها من الأنشطة غير المشروعة. و الدليل علي ذلك إنخفاض تحويلات المغتربين من 3 مليار دولار إلي 400 مليون دولار كما هو مذكور سابقا أي إنخفاضا بنسبة 99.9% (100%). أي أن العملة المهربة لصالح تجار العملة من تحويلات المغتربين كما هو مذكور سابقا قد بلغت 2.6 مليار دولار.
القضية الأخري التي نري من المهم تسليط الضوء عليها هي أن قرار تعويم العملة و إلغاء 10% من حصيلة الصادرات لصالح إستيراد الأدوية بجانب كونه يضاعف من معدلات التضخم و إرتفاع أسعار السلع الرئيسية و علي رأسها الأدوية. فإنها لن تشجع و تزيد الصادرات كما يتوهم بنك السودان. بل علي العكس تماما ستقلل الصادرات و تضر بها و ذلك لأن تكلفة الإنتاج ستتضاعف و بالتالي سينخفض سعر الصرف الحقيقي لمستويات غير مسبوقة. فمن المعروف أن هنالك نوعان في علم الإقتصاد لسعر الصرف:
الأول: هو سعر الصرف الإسمي (Nominal exchange rate) و هو الذي يقيس عملة البلد التي يمكن تبادلها بقيمة عملة بلد آخر. و يتحدد تبعاً لآليات العرض و الطلب في سوق الصرف في لحظة زمنية معينة. و لذلك يمكن أن يتغير هبوطا و ارتفاعا تبعا لتغير الطلب والعرض. وينقسم بدوره إلى سعر الصرف الرسمي (السعر المعمول به فيما يخص التبادلات التجارية الرسمية) وسعر الصرف الموازي (السعر المعمول به في الأسواق الموازية غير الرسمية أو السوق السوداء).
الثاني: (و هو الأهم) يعرف بسعر الصرف الحقيقي (Real exchange rate) و هو عبارة عن عدد الوحدات من السلع الأجنبية اللازمة لشراء وحدة واحدة من السلع المحلية، وبالتالي يقيس قدرة المنتجات المحلية للمنافسة في الأسواق الخارجية. صحيح أن هنالك بعض الدول التي تتعمد تخفيض سعر عملتها لترفع قوة منافسة منتجاتها في الأسواق الخارجية. فالصين علي سبيل المثال تتعمد دائما تخفيض سعر عملتها عن سعرها الحقيقي مقابل الدولار الأمريكي و غيره من العملات الصعبة كاليورو و الجنيه الإسترليني و المارك الألماني و ذلك لتزيد من عدد الوحدات من منتجاتها المحلية التي يمكن أن تحصل عليها الوحدة الواحدة من السلع الأجنبية. و لذلك فإن المنتجات الصينية تنافس المنتجات الأمريكية و الأوروبية داخل أسواق تلك البلدان نفسها و تكون أسعارها منخفضة جدا مقابل نظيراتها من السلع المماثلة في تلك الأسواق. و في سبيل ذلك لا تمانع الصين في قبول سداد قيمة منتجاتها المصدرة لأمريكا مثلا بسندات الخزانة الأمريكية للدرجة التي أصبحت فيها الصين أكبر الدول الدائنة للحكومة الأمريكية. و بالتالي فإن سياسة تخفيض سعر العملة المحلية بهدف تشيجيع الصادرات يمكن أن ينجح فقط مع البلدان ذات الإقتصاديات القوية و التي تتمتع بتبادل تجاري واسع النطاق مع دول العالم كالصين التي تسيطر علي 17% من حجم التجارة العالمية.
أما في حالة بلادنا فإن أي تخفيض في قيمة الجنيه سيزيد من تكلفة الإنتاج لأن تكلفة الأموال لدي البنوك ستتضاعف مما يزيد هوامش الأرباح لتمويل الصادر لمستويات غير مسبوقة لأن البنوك بعد قرار التعويم أصبحت تشتري العملات الصعبة بما يزيد عن 15 جنيه بدلا من 5 إلي 6 جنيه. هذا بالطبع إضافة إلي الضرائب الباهظة و الرسوم و الأتوات و الجباية المفروضة علي المنتجين و المصدرين سلفا. و لن يقف الأمر عند هذا الحد فالزيادات الجديدة علي المحروقات ستنعكس علي زيادة تكلفة كافة القطاعات الإنتاجية خاصة الزراعة و الصناعة و سيحدث ما يعرف في علم الإقتصاد بتضخم التكلفة (Cost inflation) و هو التضخم الناتج عن إرتفاع سعر سلعة استراتيجية رئيسية واحدة يرتبط بها إنتاج كل السلع الأخري كالبترول مما يؤدي لإرتفاع أسعارها تبعا لذلك.
فقرارات المركزي الأخيرة إذن هي مجرد مسرحية من مسرحيات العبث التي عودنا النظام عليها و هي بالتأكيد ليست في الإقتصاد من شئ. و هي كما قلنا و لا نمل التكرار بأنها تخدم في الأساس المافيا الحاكمة للبلد و متحكمة في موارده و خيراته و الضحية الوحيدة هي عامة الشعب و لذلك فإن التدهور الإقتصادي سيستمر و معدلات التضخم ستتضاعف و ارتفاع العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني ستتواصل باستمرار ما لم تخفض الدولة إنفاقها علي الأمن و السلاح و الصرف البذخي علي جهاز الدولة المترهل و توقف الحرب و تخفض فاتورة الإستيراد و توجه كل الموارد لدعم و تطوير القطاعات الإنتاجية و قطاعات التعليم و الصحة و الموارد البشرية. و لكن بالطبع و من المعروف للكل أنه من سابقة المستحيلات أن تقوم الحكومة بذلك لأن كل تلك الحلول التي لا يختلف حولها العقلاء و الوطنيين تتعارض مع مصالح الطبقة الطفيلية الحاكمة. و لذلك فإن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الإقتصادية الراهنة تحقيق الإستقرار في سعر الصرف يبدأ أولا باسقاط هذا النظام الذي يدير الإقتصاد وفقا لمصالح الطبقة الطفيلية الحاكمة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.