عندما كتب الروائي الكولومبي الشهير الحائز على جائزة نوبل '' جابرييل جارثيا ماركيز'' رائعته '' مائة عام من العزلة'' ابتكر قرية متخيلة سماها '' ماكوندو '' كانت بعيدة عن الضجة والزحام والمدنية ، وبعيدة عن الواقع ، لكن مغامرة ان تذهب الى منطقة قائمة بالفعل على أرض الواقع، لكنها معزولة تماما عن المركز، وتكاد تلامس الأطراف من بعدها عن العاصمة، تشعر أن حب الاستطلاع يدفعك كي تقترب من اولائك الذين فضلوا البقاء بعيداً وربما تناسب العاصمة والمركز أن هناك مواطنين مصريين يعيشون على تلك الأطراف بحاجة لمن يلتفت اليهم . على مسافة أكثر من 1000كيلو متر عن القاهرة، وعند النقطة 22 شمال خط الإستواء، يعيش ما يقرب من 20 الف مواطناً من أبناء هذا البلد، من سكان مدينة شلاتين وتوابعها (حلايب وأبو رماد ورأس حدربة وغيرها)، والذين يعتبرون حماة حدود مصر من الناحية الجنوبية الشرقية. السوق الدولى للجمال بشلاتين شاهد الفيديو سوق الجمال بشلاتين بعد أكثر من 5 ساعات بدأتها من القاهرة، وصلت إلى مشارف شلاتين، بعدما قطعت أغلب المسافة بالطائرة، ثم أخذت بسيارة مجهزة، وبمجرد وصولي إلى هناك وجدت نفسي وسط مساحات شاسعة من الرمال وسلاسل الجبال شاهقة الارتفاع، كل ذلك وسط درجة حرارة ورطوبة لا يتحملها سوى أهل المنطقة فقط. حيث تلمح الطيبة في أعينهم وتلامس الألفة في تعاملهم معك ، إلا ان هذا جعل النظام البائد يتناسى هؤلاء المصريين الذين يعيشون بهذه المنطقة ؛ مما سبب لهم الكثير من المشاكل التي كشفناها وناقشناها مهم عن قرب، وبقيت القوات المسلحة وحدها هي التي تعتني بهذة البقعة، لأنها تعي تماما أهمية كل شبر في هذا الوطن. ومع نجاح ثورة 25 يناير تجددت آمال أهالي "حلايب وشلاتين" في أن تطولهم رياح الثورة وتنهي معاناتهم، والتي رصدناها على أرض الواقع عندما ذهبنا إليهم، وجلسنا معهم في خيامهم ومنازلهم، لنقل الصورة كاملة عن حياتهم، لعل الأمر يجد صدى عند المسئولين. شلاتين مصرية خالصة بمجرد وصولي إلى "شلاتين"، قصدت رئاسة الوحدة المحلية المدينة مباشرة ؛ للتعرف على جغرافية المكان وسكانه قبل أن أرصد المشاكل التي تعاني منها المنطقة، التقيت مع اللواء،على شوكت، رئيس الوحدة المحلية لمدينة "شلاتين"، والذي أشار إلى أن المدينة تضم 5 قرى وهي ( أبوحميرة، أبرق، أبو رماد، حلايب ورأس حدربة) . وأضاف أن عدد سكانها الأصليون حوالي 20 ألف نسمة، وحدودها الإدارية بعرض 135 كيلو متر مع الحدود الإدارية لمحافظة أسوان وخط عرض 22 شمالا مع الحدود الدولية لدولة السودان عند "رأس حدربة"، مؤكداً على عدم وجود ما يسمى بالمثلث الممتد للسودان - كما يدعي البعض- ولكن خط الحدود (22) مستقيم كما جاء في التقسيم عام 1899 والذي يثبت أن منطقة "شلاتين" وتوابعها مصرية خالصة. وتابع: أغلب أهالي شلاتين ينتمون إلى قبائل ثلاثة هم (العبابدة والبشارية والرشايدة) والتي حضرت من شبة الجزيرة العربية والأردن والسودان قبل مئات السنين. وأضاف رئيس الوحدة المحلية أن أهالي المنطقة اندمجوا في الحياة المدنية، خاصة بعد بناء مساكن التوطين لهم - والتي جاءت على طراز مميز يحمي من حرارة الشمس- ووصل عددها إلى 172 وحدة، لافتا الى إنشاء محطات لتوليد الكهرباء، بخلاف عمليات تحلية المياه والتي تنتج 4000 طن مياه يوميا. مهن ما قبل التاريخ ومن خلال جولتي بمدينة شلاتين وتوابعها، وجدت أن المهن المنتشرة بين الاهالي هي رعي الأغنام، وصيد الأسماك من البحر الأحمر، وتجارة الجمال، علاوة على تجارة التوابل التي تأتي من السودان وهناك أيضا من يعمل في صناعة المشغولات اليدوية (ويقوم بها النساء في الأغلب) والتي تعكس طبيعة الحياة في المنطقة، وتباع كهدايا تذكارية لمن يزور المنطقة. عادات وتقاليد خاصة أهالي حلايب وشلاتين أيضا لهم عادات وتقاليد وممارسات حياه من حيث المأكل والمشرب والاحتفالات خاصة بهم والتي أوضحها لنا "علي جمعة" صاحب أحد الخيام، والذي أصر على أن اتناول معه مشروب "الجبنة"، وهي المشروب الرسمي للأهالي، وهي عبارة عن قهوة مضاف إليها زنجبيل ، تقدم للضيف تعبيرا عن مدى قبوله عند الأهالي، واذا كان الضيف غير مقبول فيتم تقديم الشاي له. ويتفنن أهل حلايب وشلاتين في صنع أكلاتهم ، فتعتبر "العصيدة" الوجبة الرئيسية ، علاوة على إعداد نوع من الخبز يطلق عليه "القبوريت"، وهناك أيضا ما يسمى ب"الديفوت" وهي وجبة تتكون من القمح المغلي في الماء مضاف اليه اللبن، و"السلول" لحم ناضج يتم تعليق شرائحه في احد الأشجار لمدة أكثر من 30 يوما ثم يتم طحنها بعد ذلك لتضاف الى الطعام عند طهيه، هذا بخلاف للحوم الماعز والجمال الذي يتم شويها على الأحجار الساخنة بعد وضع شحم الذبيحة أسفلها. الأعياد والزواج وفي الأعياد هناك أيضا طقوس خاصة، فهم يفضلون قضائها في الجبل ؛ حيث يكون قبل بداية أول يوم العيد بأربعة أيام، حتى بعد أخر أيامه بخمسة عشر يوما، وطقوس الزواج تستمر لأربعة أيام، والزوجة لا تتولي غسيل ملابس الرجل سوى في حالة إذا كان رجل مُسن أو طفل صغير، والرجل هو الذي يتولى غسل ملابسه!!. مطالب مشروعة بعد أن تعرفنا على أهم ملامح المنطقة وسكانها حاولت التعرف على مشاكلها، وأبرزها كما أوضح الشيخ "سرالختم محمد" –شيخ مشايخ قبيلة العبابدة- هي مشكلة غياب الاستثمارات في المنطقة وعدم وجود أي نشاط صناعي بالمنطقة، وكذلك غياب النشاط الزراعي، لعدم وجود أمطار وقلة الآبار الجوفية. وهو ما يتطلب حسب سر الختم إجراء دراسات وابحاث علمية بالمنطقة للتعرف على الأنشطة الصناعية والزراعية الملائمة لها، خاصة أن جبالها تحتوى على العديد من المعادنن وتحتاج فقط الى جهود الجيولوجيين. وطالب "صلاح عرار" – أحد أبناء شلاتين- بزيادة وحدات التوطين (المساكن) ؛ لرغبة الكثير من أهالي المنطقة في ترك حياة الجبل الجافة،للحصول على الخدمات، وطالب بمزيد من الترويج للمنطقة ؛ بهدف جذب المستثمرين للعمل في مجال الثروة الحيوانية على سبيل المثال، لأن هذا سيوفر فرص عمل اكبر للأهالي. وناشد سر الختم الحكومة زيادة أعداد المدرسين خاصة أن المدارس متوفرة بكافة مراحلها، وكذلك إستثناء العاملين في الصيد من فترة "حظر الصيد" لأن العمل في هذا المجال هو مورد دخلهم الوحيد. نقص الخدمات "أحمد جيش" -أحد مشايخ أبو رماد"- لفت إلى وجود عدد من المشاكل التي تتطلب الحل ، ومنها أن مركز الشباب في قرية أبورماد مُعطل، ويحتاج إلى تطوير، كما أن التموين الشهري يصل متأخر، وقد يفوت الكثيرون الحصول عليه. وشكى شيخ أبو رماد من نقص في الأدوية بالوحدة الصحية، وكيف أن المرضى يعتمدون على القوافل التي تبعث بها القوات المسلحة، مشيرا الى عدم توفر أخصائيون للنساء والولادة، وكذلك نقص محطات تقوية لشبكات التليفون المحمول. من جانبه، طالب احد المردسين ويدعى "عبدالكريم محمد" - مدرس أول اللغة العربية بمدرسة حلايب- الى أهمية زيادة الحوافز المخصصة لهم لافتا إلى وجود عجز في مدرسي اللغة الإنجليزية والفرنسية بشكل لافت. الغياب السياسي "محمد شامخ" –أحد شباب منطقة حلايب- فقد طالب بضرورة توفير مراكز شباب على مستوى جيد بدلا من الموجودة حاليا وكذلك أماكن للترفيه عن الأهالي ومراكز للتكنولوجيا وغير ذلك. على المستوى السياسي فقد أكد شيوخ القبائل أن هناك غياب تام للأحزاب، ولا يوجد أعضاء مجالس برلمانية أو محلية يمثلونهم، مطالبين بضرورة نشر الوعي السياسي عند الأهالي وتشجيعهم على المشاركة في الأحزاب والترشح في الانتخابات. ما سبق مجرد عينة بسيطة للعديد من المشاكل التي يعاني منها ابناء هذة البقعة الغالية من ارض مصر، والذين عبروا عن أملهم في تكون ثورة 25 يناير فاتحة خير عليهم، بعد أن ظلوا في طي النسيان سنوات طويلة. مصراوي [IMG] http://www.alrakoba.net//contents/myuppic/4e27acf9f2feb.jpg[/IMG]