رغم أن الشعور بالعجز له مرارة خاصة في حلق من ذاق طعم الصحة والقوة؛ إلا أن المواطن المصري محمد القاضي يرى في إصابته بالشلل رحمة من الله به، خاصة وأنها مثلت العلاج الذي أنقذه من العمل ك"بودي جارد" في الملاهي الليلية. القاضي (40 عاما) الذي عاد لتوه من أداء مناسك العمرة كهدية من أحد المحسنين يتذكر العجز الذي أصابه عندما يستعد للوضوء لكل صلاة فيقول: "الحمد لله على ما أنا فيه"، معتبرا أن هذا الوضع أنقذه من العمل في مواضع المنكرات، وجعله أكثر قربا من الله. وبدأ القاضي حياته العملية في طلاء المنازل عندما كان عمره ١٧ عاما، ولم يتوقع يوما أن يخطو بقدميه عتبة ملهى ليلي، لكن قوة بدنه، أهلته لأن يكون "بودي جارد" شهير في "كابريهات" شارع الهرم. و يروي القاضي قصة دخوله هذا العالم وخروجه منه قائلا: "دخلت عالم الملاهي الليلية بعد أن تعرفت على شخص اسمه صلاح، والذي كان بمثابة ال"بودي جارد" الأول في شارع الهرم.. وعندما رآني أعجب بجسمي، واصطحبني معه إلى أحد الكباريهات التي يعمل فيها". "وعندما دخلت -يضيف القاضي- وجدت ثلاثة يتشاجرون مع صاحب الكباريه ولا يرغبون في دفع الحساب، فناداني صلاح وقال لي: تفاهم معهم، فضربتهم حتى كومتهم فوق بعض، بعدها طلب صاحب المحل مني أن أعمل عنده ب٥٠ جنيها (9 دولارات تقريبا) في الليلة". وبعد أن اجتاز القاضي العديد من المشاجرات، ونجح في الخروج منتصرا في كل مرة، ذاع صيته في شارع الهرم، وأصبح يتهافت عليه أصحاب الكباريهات، حتى بلغ راتبه ٩٠٠ جنيه (180 دولارا) يوميا. توبة وانتكاس ولم تفلح النصائح الكثيرة التي تلقاها القاضي من أهل الخير ليخرج من هذا العالم، حتى التقى برجل كفيف يطلب منه أن يساعده في عبور الشارع، وأثناء حواره معه ظل الرجل الكفيف يحدث القاضي عن مواقف من السيرة النبوية وحياة الصحابة تدور حول التوبة، وهي المرة الأولى التي سمع فيها مثل هذا الكلام، وهو ما جعله يفكر في اعتزال العمل بالملاهي. وبالفعل اعتزل القاضي هذا العمل، وحاول العودة مجددا لمهنة طلاء المنازل مرة أخرى، لكنه لم يجد زبونا واحدا، وهو ما جعله يعود ثانية للملاهي الليلية. نصف عمره وقبل حوالي خمس سنوات، استيقظ القاضي ذات يوم ليجد نفسه مصابا بشلل، ولا يستطيع أن يتحرك إلا على مقعد، وعجز الأطباء عن علاجه نتيجة إصابته بالتهاب حاد في النخاع الشوكي. ورغم أن هذه الإصابة أعجزته وأوقعته في الفقر والعوز؛ إلا أن القاضي الذي قضى نصف عمره تقريبا في الملاهي الليلية يرى أنها كانت سببا جبريا في توبته، وخروجه من عالم مليء بالمنكرات. وردا على سؤال حول مصير الأموال التي جمعها من عمله بالملاهي يقول القاضي الذي يتعايش حاليا على مساعدات المقربين والجيران: "من يعمل في هذه الأماكن لا يستطيع أن يوفر منها شيئا رغم كثرة أموالها"، مشيرا إلى أن ال"بودي جارد" في مثل هذه الأماكن لا يستطيع أن يعمل دون أن يتعاطى المخدرات. أما عمن يقوم برعايته، فيقول القاضي المنفصل عن زوجته منذ سنوات: "في الحقيقة أجد العون من والدتي وزوجها.. كما أن الجيران وأهالي المنطقة يساعدونني في توفير الدواء وإيجار الشقة بقدر الإمكان".