عديدة هي تشابكات الوضع بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، فالبيت الاتحادي عرف تأريخيا بأنه بيت متحرك بسرعة مهولة، فما أن تخبو نار إحدى تشابكاته حتى تشب أخرى. ولعل آخر ما استجد في هذا الخصوص ما تناقلته الأخبار عن استدعاء زعيم الحزب المستعصم بالخارج منذ سنوات متطاولة، محمد عثمان الميرغني، الذي قام باستدعاء نجله، الحسن، والقيادي بالحزب ومرشحه الأسبق لرئاسة الجمهورية إبان انتخابات 2010م، حاتم السر، لوقف عاصفة من إجراءات المحاسبة والفصل المتبادلة بين التيارات المتصارعة داخل الحزب العريق. الحسن كان بصدد تشكيل لجنة محاسبة لمساءلة حاتم السر إذ اعتبر لقاء الأخير برئيس الجمهورية الذي تم في الأسبوع المنصرم ضمن لجنة التفاوض مع المؤتمر الوطني الحاكم، تفلتاً يستدعي المحاسبة، فما هي أسباب هذا الاستدعاء؟ وما الذي خلص إليه. أصل الحكاية في الثامن من يناير المنقضي شكّل رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل، مولانا السيد محمد عثمان الميرغني لجنة للتواصل مع الأحزاب السياسية، ومن ضمنها لجنة خاصة للتفاوض مع حزب المؤتمر الوطني بشأن ترتيبات المرحلة الجديدة للبلاد وتتكون اللجنة من، حاتم السر مقرراً، أحمد سعد عمر، الفاتح تاج السر، جعفر أحمد عبد الله، حسن محمد مساعد، مجذوب أبو موسى، والخليفة عبد المجيد عبد الرحيم وأدت اللجنة القسم أمام رئيس الحزب بالقاهرة واستلمت موجهات الحوار المستندة إلى الالتزام بدستور الحزب، وقيم الديموقراطية، والابتعاد عن التكتلات العدوانية، والتركيز على آليات تعزيز الانتقال الديموقراطي والمطالبة بالحريات وإيقاف الحرب وتعزيز حقوق الإنسان وإصلاح الوضع الاقتصادي وبناء علاقات خارجية متوازنة. وقال مقرر اللجنة حاتم السر إن الميرغني عبّر عن ثقته في قدرة اللجنة على تحقيق نتائج إيجابية تتجاوز الأخطاء الماضية، والتي لا ترضي أي حادب على مصلحة الوطن، وأضاف أن الميرغني أكد لأعضاء اللجنة أنه لا خيار أمام الجميع سوى الحوار، وتأسيساً على ذلك فقد باشرت لجنة السر اجتماعاتها مع المؤتمر الوطني، ولكن ما أشعل شرارة الخلاف هو لقاء اللجنة برئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي لم يقبله الحسن، فجرى سيل من التكهنات القائلة بخلاف احتدم بين الرجلين، ما جعل رئيس الحزب يستدعيهما سويا للقاهرة. نفي مغلظ على أن نائب رئيس قطاع التنظيم بالحزب الاتحادي الأصل، مالك درار، نفى جملة وتفصيلاً ما يشاع عن استدعاء تم أو تكوين مجلس محاسبة للسيد الحسن وحاتم السر، من قبل رئيس الحزب مولانا الميرغني. يقول درار ل(الصيحة) إن ما ورد في الأجهزة الإعلامية أمس بخصوص الاستدعاء والتحقيق عارٍ من الصحة، مشيراً إلى أن قيادات الحزب درجت على زيارة القاهرة بشكل راتب، لكون رئيس الحزب موجود هذه الأيام بالقاهرة، وبإمكان أي شخص من الحزب مقابلته والتشاور معه. وأصفاً ما ورد بشأن استدعاء السيد الحسن وحاتم إلى القاهرة بتوجيه من مولانا الميرغني بأنه محض كذب وافتراءات من جهات غير رسمية في الحزب. وفي الصدد رفض درار التعليق على التقاطعات بين لجنة حاتم السر والسيد الحسن، وقال في هذا الخصوص ما نصه (لن ندلي بأي رأي بهذا الخصوص)، قبل أن يضيف بأن أمانة التنظيم بالحزب تؤكد أن هناك أمانة للإعلام تتولى هذه المهمة. محذراً أعضاء حزبه من مغبة التحدث في هذا الأمر، وقال إن كل من يتحدث باسم الحزب بخلاف أمانة الإعلام وهو ليس عضواً بها سنتخذ ضده إجراءات (لم يتطرق إليها). معارك عديدة وليس جديداً في شيء أن يصطدم "الزعيم الصغير" برجال حزبه، ذلك أن غبار معاركه مع العديد من كوادر الحزب لم ينجل بعد، ولعل أشرس نزال خاضه معهم تمثل في إقصائه مجموعة من كبار كوادر الحزب، ومنهم من كانوا شهوداً على وقائع سبقت مولد الحسن نفسه، لكنه رغم ذلك لم يتورع عن فصلهم والإلقاء بهم خارج أسوار الحزب العتيد، بل تعدى ذلك لوصفهم بمفردة لا يزال صداها مسموعاً، حيث أسماهم (الدواعش) كناية عن كونهم خالفوا رؤاه وتصوراته لطرائق إدارة الحزب، ولم يقبلوا الانقياد للشبل الذي دخل معترك العمل السياسي بعد أن أفنوا دهراً من عمرهم في خدمة الكيان الاتحادي. تبرم ترى مصادر مطلعة وذات صلة بالأصل، وتحدثت ل(الصيحة) أن مربط الفرس في سجال الحسن والسر، المعلن والمستتر يتمثل بشكل أساسي في جزئية لقاء الأخير برئيس الجمهورية تأسيساً على تفويض لجنته التي شكلها رئيس الحزب، للتفاكر مع المؤتمر الوطني في قضايا محددة تتعلق بالحريات، الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والدستور، والتمثيل النيابي، والسياسة الخارجية، والوضع الاقتصادي، والتحولات الشبابية والإرهاب، لكن المصادر تؤكد جازمة أن الحسن بدأ متبرماً من لقاء اللجنة بالرئيس ومناقشة أمر المشاركة في الحكومة المرتقبة، مع كون الحسن هو مساعد أول رئيس الجمهورية. كذلك فالحسن طبقاً للمصادر متحفظ على تفاوض اللجنة حول المشاركة بالحكومة في وقت لا يرى فيه مانعاً من بقية المهام الملقاة على عاتقهم. إيضاحات السر عقب تعالي أصوات الجدل حول لجنة السر، وممانعة نجل الزعيم، رد حاتم السر في حديث على تساؤلات (الصيحة)، وقال إن ثمة تفسيرات تنحو بأن وجوده في قيادة اللجنة يمثل إقصاءً للحسن الميرغني ومجموعته، معتبراً ذلك التفسير بأنه خاطئ، ويقوم على نظرية المؤامرة والوهم، مضيفاً بأن السيد الحسن الميرغني مكانته محفوظة. وفي شأن لجنته يرى السر، أنها لجنة فنية لإنجاز مهام محددة رأى رئيس الحزب تشكيلها تفعيلاً لاتصال أوسع بكل القوى السياسية، قاطعاً بعدم وجود خلاف بين اللجنة والسيد الحسن الميرغني، وواصفاً ما يتردد بهذا الصدد بأنها مجرد إشاعات تهدف لإحداث البلبلة في صفوف الحزب والإيحاء بأنه بديل للسيد الحسن، متهماً جهات معلومة (أمسك عن ذكرها) وقال إنها تطلق هذه الدعوى بغرض إحداث الفتنة. ولوضع الأمور في نصابها، قال السر إن اللجنة مكلفة بتولي زمام بعض الأشياء، ولكن رأس هذا العمل هو مولانا السيد محمد عثمان الميرغني (حد تعبيره) بينما بقية الأشقاء في اللجنة لهم مهام محددة، لافتاً إلى أن ما تتوصل إليه اللجنة من نتائج سيتم عرضها على رئيس الحزب، مبدياً ثقته بأن مشاورات مولانا الميرغني مع كل القيادات بعد ذلك سيكون لها الأثر والوقع، مشيراً إلى أن اللجنة لن تموت بمجرد الانتهاء من تشكيل الحكومة أو غيرها، فهي آلية لعمل تواصلي مع كل الأحزاب، مبدياً استغرابه من الضجة المثارة حولها، وقال (لو أن كل ذلك الجهد بُذل في الحديث عن المضامين لكان أنفع). الصيحة