قررت حكومة جنوب السودان، في اجتماع ضم القائم بالأعمال الأمريكي في جوبا ونظيره الإسرائيلي، إيلاء عمليات التنقيب عن النفط في ولاية أعالي النيل لشركات إسرائيلية، وترك أعمال التنقيب في مجال النفط بولاية الوحدة لشركة "شيفرون" الأمريكية. هذا الخبر تناقلته وسائل الإعلام العربية والعالمية بشكل سريع ودون تعليق، رغم انه يحمل معاني كثيرة ويكشف عن حجم التغلغل الأمريكي والإسرائيلي في دولة جنوب السودان الوليدة. فالخبر يشير بشكل رسمي واضح الى مشاركة أمريكا وإسرائيل عبر دبلوماسييها في جوبا في اجتماعات حكومة الجنوب وبالتالي في رسم سياساته. والخبر يكشف أيضا عن الأطماع الأمريكية الإسرائيلية في ثروات الجنوب خاصة النفط . يتواكب ذلك مع توافد مجموعات من رجال الأعمال الإسرائيليين إلى جنوب السودان للقاء مسؤولي حكومة الدولة الجديدة لغرض فحص إمكانيات الاستثمار، وأن من بين المجالات التي طرحت للتعاون، ما يتعلق بالقضايا الأمنية مثل التدريب العسكري والاستخبار وتوفير الحراسة لمؤسسات تجارية وحكومية وغيرها. وتغلف إسرائيل هذا التعاون مع الجنوب في شكل مساعدات إنسانية تقودها منظمة (الطاقم الإسرائيلي لتقديم المساعدات الإنسانية)، التي تمولها التنظيمات اليهودية في كندا. وهذه المنظمة تقوم بنشاط منظم في جنوب السودان، قبل انفصال الجنوب، وبمعرفة من حكومة الوحدة السودانية. وهي التي بدأت في إرسال مساعدات غذائية وطبية، منذ بداية انفصال جنوب السودان. ويكشف شاحر زهافي، رئيس هذه المنظمة ان الأهداف المشبوهة لا تقتصر على تقديم مواد الإغاثة، بل الهدف أن تنقل إسرائيل خبرتها الغنية وتجاربها الكثيرة كدولة شابة، إلى الدولة المبتدئة في جنوب السودان قائلا: " فهناك نواقص خطيرة في هذه الدولة تتعلق بالبنى التحتية والأمية ومستوى التعليم المنخفض والمياه الملوثة والزراعة البدائية، وهناك بالمقابل رغبة جامحة لبناء دولة سليمة تلائم العصر من قيادة الدولة، وهناك من طرف ثالث دول في الغرب معنية بالاستثمار. وهذه فرصة للمبدعين الإسرائيليين أن يدلوا بدلوهم". والغنائم التي خططت اسرائيل للحصول عليها من دولة جنوب السودان ليست اقتصادية فحسب، بل توجد فوائد إستراتيجية. وعبر عنها صراحة الوزير جدعون عيذرا في تصريحات تداولتها وسائل الإعلام الإسرائيلية قال فيها :" لا يمكن تجاهل الفائدة الأمنية والإستراتيجية من التواجد في هذه المنطقة الحساسة، التي يمكن لإسرائيل عبرها مراقبة والتأثير على ما يجري ليس فقط في السودان، وإنما في القرن الإفريقي بأكمله، بما في ذلك البحر الأحمر وحتى مصر أيضاً، على اعتبار أن البوابة الجنوبية للأمن القومي لها تبدأ من جنوب السودان ومنابع النيل بالقرب منها". ولا يختلف أحد على أن انفصال الجنوب السوداني وجه ضربة قاصمة للأمن القومي العربي وخاصة الأمن القومي المصري لأنه سيؤدي الى وقوع مصر تحت الابتزازات الغربية والإسرائيلية فيما يتعلق بمياه النيل الذي يعد شريان الحياة لمصر. وهناك بعد اقتصادي يتمثل في حرمان الدول العربية من السوق الافريقية التي سيتم إغراقها بنصيب هائل من الصادرات الأمريكية والإسرائيلية المصنّعة في جنوب السودان. والمشكلة الأهم أن دولة الجنوب ستكون نقطةَ انطلاق أمريكيَّة وصهيونية لتهديد العرب والأفارقة، حيث مِن المتوقَّع بقوَّة أن يُقام العديدُ مِن القواعد العسكرية في جنوب السودان، وهذا يُفسِّر الضغط الأمريكي المتزايد مِن أجل إقامة دولة مستقلَّة في جنوب السودان. ومن المهم أن نؤكد أن اسرائيل تحركت في الأزمة السودانية وفق مخطط معد سلفا منذ سنوات طويلة والاهتمام الإسرائيلي بالجنوب السوداني لم يكن وليد اللحظة بل من عقود خلت، وقد اعترف القيادي الجنوبي جوزيف لاقو في تصريحات لصحيفة ل"هآرتس" الإسرائيلية جاء فيها :"إن تل أبيب فتحت قناة اتصالات مع الجنوبيين منذ عقود طويلة، خمسة على الأقل، ضمن تصوّر بن غوريون لضرورة إقامة تحالف أو علاقات راسخة مع الدول المؤثّرة المحيطة بالعالم العربي، مثل: تركيا وإيران وأثيوبيا". الصمت العربي تجاه أزمة السودان ساعد إسرائيل كثيرا في نجاح مخططها لفصل الجنوب وتقسيم أكبر دولة عربية من حيث المساحة. والأطماع الإسرائيلية تجاه تفتيت العالم العربي ليس لها حدود، وانفصال جنوب السودان سيفتح شهيتها للمزيد من الانقسامات في مناطق أخرى. وكشف هذا التوجه بشكل صريح الخبير الاستراتيجي والسفير السابق دوري غولد في تصريحات نشرتها صحيفة " هآرتس " قال فيها :" إن انفصال جنوب السودان بصفته جزءاً من استراتيجية تقسيمية ستطال دولاً عديدة ومهمّة من العالم العربي ". مطلوب يقظة عربية، والاتفاق على وقفة موحدة جادة لإفشال المخططات الإسرائيلية. **كاتب سعودي** [email protected] الراية