ما من جائزة إلا ونشأت ليفوز بها من يستحقها، اعترافاً بما أنجز وتحفيزاً للمزيد، إلا جائزة (إبراهيم لإنجاز القيادة في أفريقيا)، التي اكتسبت شهرتها من عدم وجود مستحق لها، فقد أعلنت الجائزة والتي تبلغ قيمتها المادية (5) ملايين من الدولارات، عن فشل القادة الأفارقة للعام الثاني على التوالي في امتحان الحكم الرشيد، وخلال عشرة مواسم لهذه الجائزة لم يفز بها سوى أربعة زعماء أفارقة، وشروط الظفر بها ليست عصية أو مستحيلة، فهي تمنح لرؤساء أفارقة تركوا المنصب بصورة سلسلة خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد أن أسهموا في تنمية وتطوير بلدانهم وتعزيز الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان، ومهدوا الطريق لازدهار مستدام وعادل، ومع واقعية هذه الشروط أعلنت الجائزة في الثامن والعشرين من فبراير وللعام الثاني على التوالى أن لم ينجح أحد من الزعماء الأفارقة في اختبار الديمقراطية والحكم الرشيد، وربما لتلطيف وقع الفشل حاول رئيس لجنة الجائزة الدكتور سالم أحمد سالم الاعتذار للرؤساء الأفارقة الراسبين في امتحان القيادة، عندما قال إننا نعترف ونشييد بإسهامات العديد من الزعماء الأفارقة لتغيير بلدانهم إلى الأفضل، ولكن الجائزة مخصصة لإبراز والاحتفاء بالقيادة الاستثنائية. إذن خمسة ملايين على مدى عقد من الزمان بجانب (200) ألف دولار سنوياً مدى الحياة والدخول في عضوية نادي الكبار، الذين تتم دعوتهم للتحدث ونقل تجاربهم في مؤتمرات الحكم الرشيد التي تعقدها "مؤسسة مو" سنوياً حول القارة الأفريقية، كل هذه المغريات ولم ينجح أحد في الظفر بجائزة 2016 التي تنافس عليها كل الرؤساء المتقاعدين عن العمل خلال الفترة من يناير 2014 إلى ديسمبر 2016، وهنا نشير إلى كل من جاكايا كيكوتي الرئيس التنزاني ونظيره الغاني جون ماهاما والموزمبيقي أرماندو غويبوزا بجانب النيجيري جونثان غودلك، بينما لم يدخل مضمار السباق الرئيس البوركينابي بليس كوباوري الذي أطيح به خلال انتفاضة شعبية في عام 2015، وكذلك الرئيس الغامبي يحيى جامع الذي كان يمكن أن يفوز بالجائزة بعد قبوله الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات في ديسمبر الماضي لإنهاء حكم (22) عاماً، لكنه تراجع عن موقفه ولم يترك السلطة إلا بعد تدخل القوات السنغالية والغانية والنيجيرية. وأعلنت لجنة الجائزة التي تنعت بجائزة (نوبل الأفريقية للرؤساء)، أن جميع المرشحين لنسخة 2016 لا يستحقون الجائزة، وكانت آخر مرة وجدت اللجنة فائزاً بالجائزة في نسخة 2015، عندما فاز الناميبي هيفيكيبونيا بوهامبا بالجائزة عن عام 2014، لأنه قاد البلاد بحكمة وتواضع كما جاء في حثيات منحه الجائزة التي منذ إنشائها في عام 2006 لم يفز بها سوى أربعة رؤساء فقط، واضطرت اللجنة إلى حجب الجائزة في الأعوام (2009 و2010 و2012 و2013 و2015). وللمرة السادسة خلال عشرة أعوام تفشل الجائزة في الحصول على أفضل زعيم أفريقي سابق يستحق جائزة الحكم الرشيد، ويستمر السؤال أليس بينكم رجل رشيد؟ ومع ذلك لا ييأس صاحب الجائزة رجل الأعمال البريطاني السوداني الأصل محمد إبراهيم في العثور على فائز، لأن هدف الجائزة هو تشجيع القادة الأفارقة لترك السلطة بطريقة سلمية. وعن جائزته يقول إبراهيم: "كما أؤكد في كل عام، تعمدنا وضع سقف عالٍ للغاية عندما أطلقت الجائزة في عام 2006، وندرك ونشيد بالإسهامات الهامة التي يفعلها العديد من القادة الأفارقة لتغيير بلادهم للأفضل". وفي بادرة فريدة، أسس محمد إبراهيم في عام 2005 مؤسسة (مو إبراهيم)، التي تقدم الجائزة لدعم وتشجيع الحكم الرشيد في القارة الأفريقية، ومنحت الجائزة حتى الآن إلى كل من رئيس ناميبيا هيفيكبوني بوهامبا عام 2014، ورئيس جمهورية الرأس الأخضر بيدرو بيريس عام 2011، ورئيس بوتسوانا فيستوس موجاي عام 2008، ورئيس موزمبيق جواكيم شيسانو عام 2007، وكان رئيس جنوب أفريقيا الراحل، نيلسون مانديلا، قد حصل على جائزة فخرية في افتتاحيتها عام 2007. ورغم أن الجائزة من خلال الخمسة ملايين دولار التي تدفع على عشر سنوات والمعاش التقاعدي الذي يبلغ (200) ألف دولار، تهدف إلى ضمان حياة كريمة مدى الحياة للرؤساء السابقين مما يجعلهم يلتفتون إلى أداء الحكم الرشيد والديمقراطي خلال فترة ولايتهم، إلا أن الكثير من القادة الأفارقة يمارسون التشبث بالسلطة، فقد سعى دنيس ساسو نجيسو رئيس الكونغو وبول كاجامي رئيس رواندا إلى تعديل دستور بلديهما في الفترة الأخيرة لمد فترة ولايتهما، في حين لم يترك جوزيف كابيلا رئيس الكونغو الديمقراطية منصبه منذ انتهاء تفويضه في ديسمبر الماضي. ومن الزعماء المرشحين لجائزة العام القادم الرئيس البوتسواني أيان خاما، والسنغالي مكي سال والليبيرية إيلين جونسون سيراليف أول رئيسة منتخبة في أفريقيا. ويبدو أن رجل الأعمال محمد إبراهيم، الشهير ب(مو)، سيتجه إلى رجال المال بعد أن خذله رجال السياسة في ترسيخ الحكم الرشيد بأفريقيا، وأعلنت مؤسسة مو أنها بصدد عقد مؤتمر خاص بالحكم الرشيد في أفريقيا بمراكش المغربية في الفترة من (6 إلى 9) أبريل القادم، يدعو له الأثرياء ورجال الأعمال في أفريقيا، على رأسهم النيجيري اليكو دانغوتي أثرى أثرياء القارة الأفريقية، والكونغولي موسيس كاتومبي شابوي مالك نادي مازيمبي الكنغولي. ولكن قبل التعرف على الوصفة التي يمكن أن يخرج بها منتدى الأثرياء لمعالجة أزمة الحكم الرشيد في القارة الأفريقية، يبقى السؤال إلى متى تظل جائزة (مو) دون فائزين بها، فحجب الجائزة عاماً تلو عام قد يوفر أموال السيد مو، ولكن وجود قادة ملتزمين بالنهج الديمقراطي في تولي وترك السلطة، من شأنه أن يوفر الكثير من الأرواح التي تذهب ضحية الصراعات والفقر وشح التنمية، بسبب سوء إدارة البلاد والعباد، لغياب الحكم الرشيد في القارة الأفريقية. اليوم التالي