لم تجد أسرهم غير السجود لله تعالى فرحاً بعودتهم إلى حضن الوطن، بعد سنوات قضوها في براثن الأسر، إثر مشاركتهم في المعارك الحربية التي تخوضها الحكومة في جبهات القتال المختلفة. عادوا إلى حضن الوطن بعد ترتيب محكم بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية – شمال، وبعد صبر ومصابرة دامت سنوات ابتدرت بمدينة كاودا فكمبالا اليوغندية ثم مطار عنتبي وصولاً إلى مطار الخرطوم. تعثر متكرر ظلت قضية الأسرى تمثل اهتماماً متعاظماً من قبل المجمتع المدني بصورة كبيرة، ونشطت في هذا الشأن على نحو خاص "منصة السائحون" التي يقودها د. فتح العليم عبد الحي، وأبوبكر محمد يوسف، وأنور شيبة بالإضافة لنشاطات الطرق الصوفية متمثلة في مبادرات ودعوات لقادة الحركات مثل مبادرتي الشيخ الطيب الجد والشيخ عبد الله أرزق طيبة اللذين أرسلا البرقيات لقيادات الحركات المسلحة لإيجاد السبل الكفيلة بإطلاق سراح الأسري. ونحجت مبادرات الطرق الصوفية لحد كبير في إطلاق الأسرى بطرف حركة العدل والمساواة حيث عادوا إلى الخرطوم قبيل فترة وجيزة. أما مجموعة الأسرى بطرف الحركة الشعبية – شمال، فقد شهد الملف الخاص بهم عدة تطورات ومر بمنعرجات متعددة. الشاهد في الأمر أن العام الماضي شهد تفاهمات بين الشعبية شمال و"السائحون" أفضت لصدور قرار بإطلاق سراح الأسرى، وبعد اكتمال كافة الترتيبات المتعلقة بعودتهم إلى الخرطوم عبر نقلهم من كاودا إلى مطار أصوصا الإثيوبية، ظهرت بعض المتاريس التي أعاقت العملية وأجلت إطلاق سراحهم إلى حين إعلان الحركة الشعبية - الشمال عن مبادرتها الموسومة بحسن النوايا تخليداً لذكرى القيادي بالحركة أحمد بحر هجانا، ولتُعلن الحركة عن إطلاق سراح (125) أسيراً ينقسمون ما بين ضباط وضباط صف ومجندي الدفاع الشعبي (مجاهدون)، فضلاً عن معدنين أهليين أرادوا الذهب فرتعوا في حمى المعارك. سرية كبيرة تفادياً للعثرات التي عطلت ملف الأسرى أكثر من مرة في الفترة الماضية، تمت عملية نقل الأسرى للخرطوم هذه المرة بسرية تامة وتفاهمات مكتومة بين الشعبية والحكومة السودانية. وبدأت العملية بنقل الأسرى عبر الصليب الأحمر من منطقة كاودا معقل الحركة الشعبية إلى العاصمة اليوغندية كمبالا ومنها إلى الخرطوم عبر مطار عنتبي. في ضيافة موسيفني حرص وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة الأمين العام للحركة ياسر عرمان، والناطق باسم الحركة مبارك أردول، على مرافقة الأسرى حتى كمبالا، وهناك تناول الأسرى وجبة الغداء بقصر موسيفني يوم أمس (الأحد) ثم دار اجتماع مصغر بين موسيفني وقادة الحركة، وفي المساء غادر الأسرى البالغ عددهم (125) أسيراً كمبالا صوب الخرطوم عبر طائرات الصليب الأحمر . الجيش في قلب الحدث الجيش السوداني كان على دراية وإلمام تام بالملف، وأوفدت قيادة الجيش العميد دفع الله حامد والرائد الهادي محمد مصطفى لمباشرة عملية التسليم والتسلم، بالمقابل ثمّنت القوات المسلحة موقف الحركة الشعبية المتمثل في إطلاق سراح الأسرى، وقال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد محمد خليفة الشامي في بيان مذيل بتوقيعه أن الخطوة إيجابية وتصب في مصلحة الجهود الرامية لتحقيق السلام بالبلاد، كما أشاد الشامي بكل الجهات التي لعبت دوراً بارزاً في ملف الأسرى. خلافات واتهامات تبادل "السائحون" بمسمياتهم المختلفة الاتهامات بعد انفراد السائحون الوطنيون بقطف ثمار العملية، وجرى إقصاء منصة "السائحون" التي تضم عدداً مقدراً من المجاهدين بمختلف تشكيلاتهم الإسلامية حيث تم إقصاء المنصة من المشاركة في العملية برغم أن منصة "السائحون" هي التي ابتدرت الحوار مع الحركة الشعبية – شمال في مسألة إطلاق سراح الأسرى بينما أرسل "السائحون الوطنيون" طارق المعتصم وجعفر بانقا ممثلين لها لتسلم الأسرى. ويقول الأمين العام لمنصة السائحون فتح العليم عبد الحي إن ثمة خلافات مع "السائحون الوطنيون" أدت لإبعادهم من المشهد، مشيراً أن الحكومة لا ترغب في وجودهم ضمن الطاقم المشاركة في عملية الأسرى وإشارة عبد الحي في حديث مع "الصيحة" أن الجهات الحكومية الرسمية رفضت تمليكهم أي معلومات بخصوص عودة الأسرى بيد أنه أشار للمتابعة الدقيقة مع الشعبية شمال. من ناحية أخرى، رفض الناطق الرسمي باسم الدفاع الشعبي المعز عباس اتهامهم بإقصاء منصة "السائحون" من المشاركة في عملية تسليم الأسرى مبينًا في حديثه مع "الصيحة" أن المبادرة الأخيرة لا علاقة لهم ب"السائحون" المنصة كاشفاً عن إشراف "السائحون الوطنيون" بقيادة سر الختم أدروب وطارق المعتصم على العملية وبكل تفاصيلها. فرحة عارمة بالمقابل أبدت أسر الأسرى سعادتها العارمة بعودة فلذات الكبد إلى الوطن، وقالت عاتكة القاضي ل "الصيحة" إنها كادت أن تطير فرحا ًبعد بلوغهم نبأ عودة ابنهم مبينة أن وصول البيروني لأرض الوطن غمرهم بسعادة لا توصف، وكشفت عاتكة عن متابعتها الدقيقة للملف بصورة كبيرة، وقالت إن الحركة الشعبية وضعتها في الصورة وأخطرتها بالمبادرة، مضيفة أن اتصالاتها مع اتصالاتي مع الشعبية شمال لم تنقطع وأنها علمت بأمر عودة البيروني منذ وقت مبكر. في السياق ذاته قالت والدة الأسير شهاب برج، زينب حميدة أحمد ل "الصيحة" إن دموع الفرح بعودة ابنهم لم تنقطع، مشيرة إلى أنها لم تعلم بنبأ عودة ابنها إلا عن طريق تطبيق التراسل الفوري (واتساب)، ولم يكن هنالك أي اتصال مشترك معهم. في السياق نفسه أشاد البيروني أحمد بابكر بالجهود التي بذلتها مجموعة "السائحون الوطنيون"، مشيرًا في تسجيل صوتي إلى أن "السائحون الوطنيون" بذلوا مجهوداً خارقاً في اطلاق سراحهم بينما أبدى شهاب برج فرحة كبير وهو يتنسم عبق الحرية. الصيحة