جاء اختيار الفريق أول بكري حسن صالح لشغل منصب رئيس الوزراء، المستحدث ضمن توصيات الحوار الوطني السوداني، مخالفاً لتوقعات الكثيرين الذين انتظروا أن يتم اختيار رئيس الوزراء من خارج حزب المؤتمر الوطني. حجة هؤلاء هي أن الحوار قصد توسعة دائرة المشاركة السياسية. وأن استحداث المنصب كان تمهيدا لإسناده لمعارض معتدل كدليل على دخول البلاد مرحلة جديدة تكون المشاركة فيها حقيقية بمجيء رئيس وزراء بسلطات كبيرة. لا كالمشاركات السابقة التي ظل فيها أعضاء الأحزاب الأخرى يؤدون أدواراً ثانوية. ما لم يفطن إليه أهل هذا الرأي هو أن المؤتمر الوطني لن يرضخ لهذا الخيار ما لم يكن متيقناً أن (تنازله) عن المنصب يعود عليه بمكاسب سياسية، وذلك ب (جر) معارض كبير من معسكر المعارضة إلى معسكر الموالاة، وما لم يكن متيقناً أن عدم تنازله لن يجر عليه هزة في الحكم وعدم استقرار. جال أهل الحزب الحاكم بناظريهم على الخيارات الممكنة من بين المشاركين، فلم يجدوا مكسبا إذا تنازلوا، ولم يحسوا تهديداً إذا لم يتنازلوا؛ فقرروا مطمئنين أن يكون المنصب من نصيبهم. فريق آخر وقع في خطأ الحسابات. أعني فريقاً داخل المؤتمر الوطني توقع أن يعاد أحد أفراد الحرس القديم الذين غادروا قبل فترة لم تطل.. لكن أهل هذا الرأي لم يفطنوا إلى أن التيار الذي أبعد المغادرين ما زال مسيطرا على مفاصل الحزب ومتحكما في أركان الدولة. وأن أسباب الإبعاد ما زالت قائمة. وأن الساحة لا تسع الاثنين. اختيار الفريق أول بكري استمرار لتفوق دور المؤسسة العسكرية، كما أن شخصية بكري التي لم تعرف عنها حدة ولا غلظة، ولا تبدي طموحاً زائداً تجعله الأكثر تأهيلا للتواصل مع قوى سياسية أخرى في مسيرة الوصول لتوافق سياسي؛ حيث لا تحمل رموز المعارضة مرارات تجاه بكري كالتي يحملونها تجاه سياسيين في الحزب الحاكم. سواء من الذين غادروا. أو ممن ينتظر. قرب الفريق أول بكري من الرئيس عمر البشير، الذي عبَّر عن عدم رغبته في الترشح لدورة رئاسية جديدة، قد تجعل رئيس الوزراء الجديد الخليفة المحتمل للرئيس البشير، وقد يكون اختياره لمنصب رئيس الوزراء؛ تمهيداً للخطوة التالية. أورد كثيرون مزايا في الفريق بكري مثل قدرته على متابعة العمل التنفيذي اليومي، وحزمه في معالجة التراخي الذي تسلل لكثير من المرافق.. هي مزايا بلا شك، وتمنح صاحبها فرصاً أكثر للنجاح، إلا أن الدلالات السياسية في اختيار الفريق بكري هي الأهم.; العرب