وقفتي اليوم مع بعض التعقيب على كلمتي في عيد الأم «لذة لم يذقها رجل» فالأم موضوع يعيدنا جميعاً أطفالاً أبرياء في ملكوته وتخفض له أبجديتنا «جناح الذل من الرحمة». وابدأ مع الإعلامي الكبير الذي يوقع باسم «سوري»، وقوله: من المفارقات ان يقرأ الشاعر أدونيس (عليّ وزوجي) قصيدة «موت» (كان عنوان قصيدته: قبر من أجل نيويورك) في لحظة ولادة حياة (ويعني بذلك ولادتي لإبني تلك الليلة). ملاحظة غاية في المهارة الفنية واعترف بأنها لم تخطر ببالي وأنا من المفترض كاتبة قصة!! بروين حبيب ووالدة نزار انتقل إلى الزميلة الشاعرة بروين حبيب التي أحببت قولها إن من أسباب عشقها لشعر نزار قباني قصيدته عن أمه التي قال فيها: «صباح الخير يا أمي، صباح الخير يا قديستي الحلوة». وبحكم القرابة عرفت «قديسته الحلوة» العمة فايزة، وأمامي الآن صورة لها وهي تدخن سيجارتها «خانم» الخاصة بالنساء يومئذ. كنا جيراناً في دمشق القديمة وحين انتقلنا إلى حي دمشقي جديد عدنا جيراناً ايضاً. ولا ادري لماذا ذهبتُ لزيارة «قديسة نزار الحلوة» قبل سفري إلى بيروت لمتابعة دراستي كأنني كنت اودع من أحبهم. كأنني كنت ادري انه لن يقدر لي ان أعود إلى دمشق بعدها! غادة الشاويش و«هول الحمل»؟! غادة الشاويش كتبت نصاً مرهفاً كعادتها وقالت بصدق استثنائي: تحمل المرأة جنيناً؟ يا إلهي!! اعتقد ان كل امرأة تتمنى ان لا يراها مخلوق حتى تضع حملها.. والطريف ان ذلك لم يحدث لي ولا اظنه يحدث لسواي ولم يخطر ببالي الاختفاء حين صار بطني كبيراً وصار شكلي مضحكاً وبلا رشاقة كقط بدين يمشي على قائمتيه الخلفيتين! بل كنت سعيدة بذلك (الجمال) المختلف!! في المقابل أكره استعراضية بعض نجمات هوليوود اللواتي يتصورن حين يحملن عاريات البطن ويستعملن المولود الآتي كديكور لصور أكثر لفتاً للأنظار.. واعتقد دون ان أكون رجعية ان للأمومة حرمة خاصة. أفانين كبة و(اختطاف) اسم الطفل! الكتابة عن الأم تثير المشاعر الخصبة الصادقة.. يكتب الكروي داود النرويج طالباً من أمه أن تسامحه عن أي تقصير في حقها.. يا عزيزي لعلك لم تقصر، ولكننا دائما حين نفكر بإنسان أحببناه نندم لأننا لم نقل له كم نحبه.. لا تقلق، فالأمهات يغفرن كل شيء! العزيز نجم الدراجي الذي يهديني الياسمين الشامي والرازقي البغدادي يكتب من عراق الحضارة والإبداع قائلاً: «المرأة تحملت أوزار الحروب العبثية التي لا ناقة لها فيها ولا جمل وقطعاً في كل الحروب لم تكن المرأة سبباً في إعلانها».. وهذا صحيح لكنني أتساءل دائماً: لو حكمت المرأة كوكبنا، هل كان سيصير أفضل حالاً؟ ترى هل تصير المرأة (ذكورية) النظرة حين تصل إلى السلطة؟ وهل «النظرة الذكورية» إلى العالم هي ببساطة النظرة الواقعية التي لا مفر من الاعتراف بها؟ أما رياض ألمانيا فيسيل حباً مؤثراً نحو أمه وزيارتها له في ألمانيا طوال ثلاثة أشهر ودعواتها الصالحة له. مشاعر رياض نحو أمه تدفئ القلب. التشكيلية العراقية أفانين كبه كندا تثير كعادتها موضوعاً عميقاً وخازاً وتتساءل: بالرغم من مشقة الحمل والولادة والتربية لكن دائماً يحمل الأولاد اسم ابيهم!.. وتقول بأمانة نقلاً عن برنامج إذاعي: «رابطة الأم مع أولادها ثابتة وقوية ولا يمكن زحزحتها سواء حملوا اسمها ام لم يحملوه اما الأب فيحتاج إلى التذكير بأبوته وما يربطه بالاولاد لكي يشعر بالمسؤولية والالتزام تجاههم». مصلحة الأولاد أياً يكن الاسم! يا عزيزتي أفانين أعرف ان على المرأة ان تكون متفوقة ليضاف اسمها إلى اسم اسرة الأب او الزوج (مثل ماري كوري مثلاً) أي ان عليها ان تنجح مرتين لتحظى بذكر اسمها علناً، وفي المقابل لا اكتمك انني اتسامح في حكاية تسمية الأبناء والبنات وأي اسم يحملونه فالمهم ان يكونوا بخير!.. ثم انه لتسمية الأبناء باسم الأب الكثير من الجذور الدينية والقبلية والاشكاليات! في المقابل، في فرنسا اليوم والعديد من الدول الأوروبية صارت تسمية الأولاد باسم الأم قضية عادية.. مازارين بانجو مثلاً هي ابنة رئيس الجمهورية فرانسوا ميتران لكنها تحمل اسم أمها على الرغم من اعتراف والدها بها. بيكاسو ورث تركته بعض البنات والأبناء (اللا شرعيين) بلغتنا العربية (والطبيعيين) بلغة الغرب وإنجاب النساء لأطفال دون زواج شرعي أضحى يمثل ما يقارب نصف أولاد فرنسا على الأقل (وبغض النظر عن رأينا كعرب ولكن ذلك يحدث!) وبالتالي فتسمية الأولاد باسم الأم لم تعد مشكلة غربية، بل تكاد تصير كذلك حين يصير (الزوجان) رجلاً ورجلاً كما المطرب الشهير إلتون جون وزوجُهُ والأطفال بين التبني والتلقيح الاصطناعي من مجهول! وتلك هموم لما نصل اليها كعرب وتكفينا همومنا الحالية. واظن ان حكاية أي اسم يحمله الأبناء ستصير منسية في الغرب الذي يتغير نسيجه الاجتماعي بحكم «الزواج للجميع» و«المعاشرة للجميع». من طرفي اعتقد ان الطفل في حاجة إلى أم وأب في آن لتتوازن شخصيته بغض النظر عن الأعراف والعادات والمقدسات والتقاليد. في المقابل، في الماضي، لا دليل مادياً على من هو الأب ولذا كان ينسب إلى امه في بعض العقائد. اما اليوم وبفضل العلم لم يعد ثمة سر ولم يعد بوسع أمير موناكو مثلاً ألبير إنكار أبوته لبنت من علاقة عابرة مع أمريكية سمتها أمها جاسمان غريس «غريمالدي» واعترف أبوها بها عام 2006. وإلى اللقاء في الأسبوع المقبل مع الأعزاء القراء الذين قصرت في الحوار معهم هذه المرة لضيق المجال... القدس العربي